لما كانت مصر أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والدولة الأولى المرشحة للمنافسة الدولية بسبب موقعها الخطير ، ومع تميز الوجدان السياسي المصري بالتوق إلى فكرة الأمة الكبيرة _ وهو ذاك الشعور عند المصريين الذي غازله عبد الناصر في مشروع القومية العربية ومحاولة الاتحاد مع سوريا ؛ كان من البديهي أن تكون الخلافة الإسلامية هي البديل الاستراتيجي بعد فترة مبارك عند النخبة الإسلامية ، لإنها من ناحية تمثل روحاً ثورية تستوعب الرغبة الجماهيرية العارمة في النهضة ، وهي البديل المجتمعي بعد أن مر على مصر في القرن الماضي بالتحديد توجهات سياسية اشتراكية ثم غربية ليبرالية ثم قمعية دكتاتورية والوضع الاجتماعي والسياسي كان من سيء لأسوء ، حتى قامت الثورة ليرى المصريون جديداً لا تمثله اشتراكية كاذبة أو ليبرالية سافرة أو ديكتاتورية ظالمة . ولكن بعد نجاح الثورة في إزاحة مبارك ، تبنت المؤسسة العسكرية إدارة الفترة الانتقالية بمنطق التنويم المغناطيسي واستغلت ما لها من إمكانات عسكرية تارة وغير عسكرية من عاطفة الشعب تجاه الجيش المصري ، ومن لعب على وتر حماية الثورة ثم فزاعة الاقتصاد المتهاوي و الملف الأمني غير المطمئن .
وكان الهدف الأكبر من طول الفترة الانتقالية هو الجنوح بالروح الثورية إلى مسارات لا تعدو أن تكون في النهاية عملية اصلاح سياسي زهيد داخل أطر محددة لا يخرج عنها .
تبنى رسم هذه الأطر قواعد مؤسسات مبارك التي سخرت من المصريين الذين بدأوا مشواراً بأول خطوة فقط ثم تناسوا صناع القرار في مصر من مؤسسات قضائية وعسكرية وإعلامية .
أما وقد سرنا في الأطر المحددة بالخيارات التي فرضها العسكر علينا في تعديلات الدستور و بخيارات القضاء ( الشامخ ) في انتخابات الرئاسة من إقصاء وإضافة بالتحصين المطلق ، ثم بالتغول على المجالس النيابية والمؤسسة الرئاسية نفسها ، فإن المرحلة القادمة تستوجب من النخبة السياسية الإسلامية الرجوع مرة أخرى إلى قاعدة الهرم بدلاً من قمته التي يبدو أن البدء بها سوف يوقعها على فراغ .
أقصد بقاعدة الهرم هو الرجوع للدعوة ومخاطبة الجماهير .. فالتوعية السياسية الإسلامية أصبحت ضرورة تتطلب آلة إعلامية قوية وجديدة .. وتدشين أكاديميات سياسية اسلامية تضمن توارث فكرة المشروع الاسلامي بنهج سليم بدلاً من حالة العشوائية الفكرية التي نشهدها .. نحن في أمس الحاجة إلى التنقيب عن المهارات الفكرية والسياسية ورعايتها وإعداد كوادر للمرحلة المقبلة .
نحتاج صالونات وندوات سياسية تخاطب غير المعنيين بالمشروع الاسلامي وترفع من درجة الوعي السياسي عند الشباب المسلم .
فقد أصبح من غير اللائق والمعقول أن تظل الجماهير الاسلامية في خندق التأييد المطلق _ قبل وبعد _ صدور القرارات الرئاسية ، فمرحلة الرئيس المفدى والإمضاء على بياض قد تلاشت عند الشعوب المتحضرة ونحن أولى منهم في ذلك .
كذلك التسويق لتعديل دستوري أو دستور ما بإظهار مادة مستحسنة من عشرات المواد المفخخة أو التصويت بما يخالف الطرف الآخر نكاية فيه وحشد جماهير التيار الاسلامي لذلك يعرقل تقديم الاسلاميين كفصيل سياسي رائد وناضج ، وهو يخالف طبيعة السياسي الاسلامي أيضاً كصاحب رؤية وتصور ذاتي .
الكرة الآن في ملعب النخبة الإسلامية في التقارب مع جماهير المصريين
**طبيبة وداعية اسلامية ابنة الداعية الراحل الشيخ رفاعى سرور
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه