يعيش الأردن أجواء ساخنة على وقع الانتخابات النيابية التي تجرى هذه المرة في أجواء احتجاجية غير مسبوقة وسط حشد حكومي وحشد مضاد. فقد شهدت مدن أردنية أمس الجمعة مسيرات واعتصامات تدعو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها يوم 23 يناير القادم.
يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى تنظيم انتخابات تكرس نجاحا تأمل أن يرتبط باسمها، في حين تحكم المعارضة الإسلامية ممثلة بجبهة العمل الإسلامي على هذه الانتخابات بالفشل حتى قبل أن تبدأ.
وبين هؤلاء وهؤلاء يبدو الشارع في حيرة، لم تخلفها فقط معضلة الاختيار الانتخابي، وإنما الحرب التي شنها على غلاء وصعوبة معيشة تثقل كاهله.
"مستمرون"
وفي مسيرات الأمس التي خرجت في عمان، والطفيلة، ومعان، والكرك، وإربد، تحت شعار "مستمرون" أكد المشاركون أنهم لن يتراجعوا عن الحراك في الشارع بعد عامين على انطلاقه حتى تستجيب الدولة لمطالبهم ب "الإصلاح الحقيقي".
وفي الطفيلة خرج المئات في المسيرة الأسبوعية من مسجد الطفيلة الكبير بدعوة من حراك الطفيلة الذي أعلن استمرار التظاهر ومقاطعة الانتخابات التي اعتبرها "غير شرعية".
ورفع المتظاهرون لافتات تحذر من استمرار تجاهل الدولة لمطالبهم إحداث إصلاح حقيقي، وأعلنوا عزمهم المشاركة في الفعالية التي توافقت عليها حركات شعبية والحركة الإسلامية قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
كما خرجت مسيرات في معان والكرك جنوبا، بينما خرج المئات في المسيرة الأسبوعية في مدينة إربد شمال المملكة، واعتصم المئات أمام المسجد الحسيني في عمان بمشاركة حراكات شعبية والحركة الإسلامية.
وردد المتظاهرون هتافات منها "حرية من الله.. اسمع وافهم عبد الله"، في إشارة إلى الملك عبد الله الثاني، و "لا ولاء ولا انتماء الا لرب السماء"، و"بطلنا نحكي يعيش.. ليش نموت وأنت تعيش". كما رددوا هتافات ترفض عودة الحديث عن كونفدرالية أردنية فلسطينية، قائلين "أردنية وفلسطينية.. لا لا للكونفدرالية".
وقال الناشط في حراك ذيبان الشعبي هشام الحيصة :"إن العشرات من الحركات والتيارات السياسية توافقت على إقامة فعالية كبرى قبيل الانتخابات".
ولفت إلى أن رسالة تلك الفعالية تتلخص في رفض الاعتراف بشرعية مجلس النواب "الذي ستفرزه انتخابات لا تعبر عن الإرادة الشعبية، وجرت وفق قانون يزور هذه الإرادة وبمقاطعة من قوى رئيسية والحراكات الفاعلة في الشارع".
ووفقا للحيصة فإن الحراكات الشعبية ستستمر في الشارع الذي خرجت له منذ عامين "حتى تحقيق المطالب الشعبية بإصلاحات دستورية حقيقية وقانون انتخاب يفرز مجلس نواب يمثل الشعب الأردني بشكل حقيقي".
وقال الكاتب والمحلل السياسي عمر كلاب "إن الأردن يمر اليوم بحالة من الانسداد السياسي وسط استمرار الخطين المتوازيين بين معارضة ترفض الانتخابات ودولة مصرة على إجرائها بمن حضر".
واعتبر أن الأردن يمر بحالة من البرود السياسي والعزوف الهائل من المواطنين عن الانتخابات وعن مسيرات الحراكات الشعبية، مضيفا أن "المواطن بدا أكثر حرصا من الدولة والمعارضة، فهو ينأى بنفسه عن تهميش الدولة من جهة، وعن تصعيد المعارضة من جهة أخرى". كما حذر من اليوم التالي للانتخابات الذي قال إنه "سيكون محاطا بظلال من الشك والقلق".
وقال "إن الكرة في ملعب الملك لإخراج البلاد من أزمتها، والحل أن يبادر الملك لإعلان مبادرة خلاقة ترسل رسالة أنه للجميع وعلى نفس المسافة مع الحكومة والإسلاميين ولا يجوز أن يفكر الملك بعقل الحكومة وإنما بعقل الملك".
يأتي ذلك في الوقت الذي دعا الملك في ورقة سياسية نشرت قبل أيام المعارضة لعدم مقاطعة الانتخابات المقبلة، كما دعا للحوار، وهي دعوة رحب بها الإخوان المسلمون لكنهم أكدوا على موقفهم من مقاطعة الانتخابات.
انسحابات
ولا يتوقف الامر على المسيرات فقط فقد ارتفعت قائمة المنسحبين من الترشح للانتخابات النيابية في الأردن إلى 19 مرشحًا، والتي تقاطعها أحزاب وقوى سياسية معارضة أبرزها جبهة العمل الإسلامي.
وآخر المنسحبين حتى الأربعاء الماضي هو رئيس قائمة الحق التابعة لحزب الاتحاد الوطني، اللواء المتقاعد عبد الجليل المعايطة، الذي برر ذلك في مؤتمر صحفي عقده في مدينة الكرك جنوب الأردن، أن "الانتخابات الحالية لن تكون مختلفة عن سابقتها من حيث تزوير إرادة الناخبين عبر عمليات شراء الأصوات بشكل واسع".
ومعظم المنسحبين هم من المرشحين العشائريين والمستقلين، على خلفيات التوازنات العشائرية، ولإعطاء فرصة للمنافس، حيث أن قانون الصوت الواحد، يشتت الصوت العشائري والحزبي، ويجعل هناك صعوبة في ترشيح أكثر من شخص ينتمون لنفس الحزب أو العشيرة في ذات الدائرة؛ حيث يستحيل تقريبًا نجاح أكثر من شخص في الدائرة الانتخابية الواحدة.
وبهذه الانسحابات ينخفض عدد المرشحين إلى 1499 مرشحا، وفق بيانات الهيئة المستقلة للانتخابات النيابية، التي قالت أيضًا إن عدد الناخبين يبلغ حوالي 2.272 مليون.
وأعلن الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، حسين بني هاني أن:" أسماء المرشحين على مستوى الدوائر المحلية، وعددها 45 دائرة، أصبحت رسمية ونهائية مع انتهاء المدة المخصصة لتقديم الطعون في سجلات المرشحين على مستوى الدوائر المحلية لدى محاكم الاستئناف".
وبحسب القانون، يتم التنافس على 150 مقعدًا لمجلس النواب، 27 منها للقائمة و15 للكوتة "الحصة" النسائية و108 مقاعد فردية. وتطالب المعارضة بقانون يعتمد القائمة النسبية بنسبة 50% للقائمة و50% للمقاعد الفردية، يفضي إلى تشكيل حكومات برلمانية.
طرائف المرشحين
وحول الحملات الانتخابية نجح بعض المرشحين بطريقة فكاهية جدا في تسليط الأضواء عليهم ، فنجد أن المرشح عن المقعد المسيحي في مدينة مادبا الأردنية شبلي حداد أثار موجة عاتية من التعليقات والنقاشات بمبادراته العلنية حيث يرفع الرجل شعارات برنامجه الإنتخابي مع مجموعة صور نادرة ومضحكة.
مرشح التغيير المفترض التقط صوره له وهو يداعب بعض الجمال ويطارد بحنان بعض الخراف حتى يثبت دعمه للثروة الحيوانية كما التقط صوره له وهو يرفع الأثقال لدعم الرياضة والأهم أن شعاره الأساسي التعهد بتحويل الأردن لدولة نقطية لأن "النفط تحتنا ولا نخرجه".
الرجل صور نفسه وهو يركب حمارا ثم وهو يضحك ولاحقا وهو يركض مرتديا بدلته الأنيقة في الوقت الذي انشغلت فيه العديد من الأوساط السياسية والإعلامية بإمتداح برنامج (الفوتو شوب) الذي نجح في تغيير ملامح المرشحين وتجميل صورهم بطريقة لافتة فعلا.
أحمد أهم المرشحين في قلب العاصمة عمان يظهر في صورته المعتمدة في الشارع على عشرات الأعمدة والجسور أكثر بياضا بشكل صارخ من الحقيقة ومرشح آخر ظهرت صورته وهو ينبعث بوجهه وسط ضوء ساطع دلالة على الإضاءة التي سيسلطها في حال الفوز على قضايا وملفات الفساد.
مرشح آخر لاحظ نشطاء الفيس بوك أنه نشر صورة له وهو يحرك يديه بطريقة غامضة تظهره وكأنه يحمل بطيخة مخفية ..أخر أثار الكثير من الجدل وهو يرفع شعار (بدنا حقنا) بدون أي توضيحات تختص بتحديد الحق الذي يتحدث عنه.
بسبب مآثر الفوتوشوب وهو برنامج إلكتروني لتزيين الصور الشخصية تم تجميل وتزيين بل وتزييف ملامح المرشحين حيث إختفت تماما الجروح والندب الجلدية على الوجه ولم يعد يظهر النمش المعتاد وبدا المرشحين الصغار أكثر نضجا والكبار أصغر سنا.
وقدم المرشح المثير للجدل الذي هدد بإحراق مقر جبهة العمل الإسلامي في البرلمان السابق يحي السعود نفسه بصفته مرشحا للتيار الإسلامي المستقل فيما أخفقت إحدى القوائم قضائيا في تثبيت إسم صدام حسين على واجهتها في الوقت الذي خطب فيه أكثر المرشحين تعرضا لتهمة المال السياسي ضد المال السياسي في الإنتخابات.
أنابيب للناخبين
هذا وقد دخلت المشتقات النفطية التي عانى الأردنيون من ارتفاع أسعارها مؤخراً ساحة الانتخابات وذلك عبر لجوء بعض مرشحين إلى توزيع أسطوانات غاز مجاناً على ناخبين أو تلويحهم وفق شعارات بالعمل على خفض أسعارها في وقت كشفت "وثيقة سريّة" أرسلها وزير في حكومة عبد الله النسور عن طرحه خطة من أجل احتواء الحراك والمقاطعين للانتخابات .
وأكد شهود عيان أن أحد أعضاء حملة مرشح في محافظة الكرك جنوب البلاد طلب من موزعي اسطوانات غاز تقديمها إلى نحو 40 أسرة بعدما دفع ثمنها كاملاً . وقال أحد الموزعين "لقد استملت سعر 30 اسطوانة وأرشدت صاحب العلاقة إلى الأسر المحتاجة فسارع إلى تلبيتها" الأمر الذي يفسرّه محللون ب "المال السياسي المبطن لكسب الأصوات".
وفي السياق لم يقتصر برنامج شلبي حداد الانتخابي في محافظة مأدبا الجنوبية على زعم "وضع حد" لتحرير أسعار المشتقات وإنما تنامى الحديث حول الأمر ذاته وبأشكال وشعارات مختلفة داخل مقار انتخابية وخلال لقاءات إعلامية عدة منها "إطفاء النار يبدأ بخفض الأسعار" في تلميح إلى محاولات تطويق تداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
إلى ذلك دعت "وثيقة سرية" لوزير التنمية السياسية والشئون البرلمانية بسام حدادين أرسلها إلى مجلس الوزراء بتاريخ 18 ديسمبر / كانون الأول الماضي إلى دخول الحكومة في سجال سياسي وفكري متزن مع الرأي الآخر ضمن قواعد الحوار الديمقراطي والأدب السياسي مع وقف التحريض المباشر والتعبئة الخشنة ضد المختلفين .
ودفعت الوثيقة باتجاه التوقف عن اعتقال ناشطين من الحراك و"تأجيل الإجراءات بحق من يخالفون القانون منهم إلى ما بعد الانتخابات ما لم تكن الحالة نافرة ومحط إدانة مجتمعية، وذلك للتخفيف من الحملات المنظمة الموسمية للتحريض على الدولة وخطتها الإصلاحية"، وكذلك ضرورة الانفتاح على الناشطين في الحراك في كل المحافظات والاستماع لهم ومحاورتهم وإيصال رأي الحكومة لهم.
وحثت الوثيقة الفريدة من نوعها والصادرة عن وزير عرف بتوجهه اليساري وكان عضواً في دورات برلمانية سابقة على التزام أجهزة الدولة بالحياد خلال الانتخابات ومنعها جدياً استخدام المال السياسي وتقديم "وجبة ولو رمزية من المخالفين للقانون لإظهار حيادية الدولة وحرصها على حماية الناخب من الابتزاز والدفاع عن حقه في الاختيار الطوعي الحر"، فضلاً عن اتخاذ إجراءات سريعة وخلال أسبوع في موضوع مكافحة الفساد بدءاً بقضية شركة الفوسفات .
وقال حدادين في الوثيقة: "لقد استغل التيار الانعزالي ظروف الإحباط العام وأزمة الثقة بمؤسسة البرلمان بسبب الممارسات السابقة وتعثر إجراءات مكافحة الفساد في بعض الملفات التي تقلق الأردنيين، وأخيراً رفع الدعم عن المحروقات ليواصل حملته للتحريض على البرنامج الإصلاحي الرسمي والدعوة للمقاطعة والتحشيد لها لكسر إرادة الدولة".
"فتح" والانتخابات
وعلى صعيد آخر اتسع الجدل في الشارع السياسي الأردني بعد تأكيد مصادر عدة وجود قائمة انتخابية مدعومة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" تنافس في الانتخابات البرلمانية الأردنية. ورغم النفي الرسمي من الحركة الفلسطينية لوجود قائمة مدعومة منها تنافس في الانتخابات المقبلة، فإن ترشح قيادات فتحاوية بارزة ودعمها من قبل الحركة في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في الأردن يثير أسئلة عدة.
وأكد عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الاستشاري لحركة فتح خالد مسمار أن النائب السابق في البرلمان الأردني والمرشح على قائمة "المواطنة" حمادة فراعنة لا يزال عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني.
لكن مسمار نفى بشكل قاطع أن تكون القائمة تمثل فتح، أو أن يكون هناك قرار رسمي وتعميم داخلي في الحركة بدعمها.
ويرى خالد مسمار أن القوانين الأردنية وطبيعة العلاقة الأردنية الفلسطينية تسمح لأعضاء فتح والتنظيمات الفلسطينية ممن يحملون الجنسية الأردنية بالترشح للانتخابات البرلمانية والفوز بعضوية مجلس النواب .
واعتبر مسمار أن القوانين الأردنية وطبيعة العلاقة الأردنية الفلسطينية تسمح لأعضاء فتح والتنظيمات الفلسطينية ممن يحملون الجنسية الأردنية بالترشح للانتخابات البرلمانية والفوز بعضوية مجلس النواب، كما حدث مع أكثر من شخصية. مواد متعلقة: 1. تقرير ل مراقبين : شراء الاصوات ونظام تقسيم الدوائر اضعفت الانتخابات الاردنية 2. رقابة حقوقية محلية على الانتخابات الأردنية 3. تساؤلات مشروعة حول نتائج الانتخابات الأردنية