أثار تساؤل "محيط" حول الإنسحابات المتكررة من تأسيسية الدستور جدلا ساخنا بين لمشاركين بمؤتمر بجامعة القاهرة صباح اليوم؛ فبينما اعتبر "علي فتح الباب" زعيم كتلة الأغلبية بمجلس الشورى أن المنسحبين كانت مواقفهم متناقضة دوما، وأن الاحتجاج على الاحتكام للشريعة ولمرجعية الأزهر لا يثيره سوى فئة محددة بالمجتمع وليس الغالبية، عارض الدكتور مصطفى كامل أستاذ العلوم السياسية هذا الرأي، واعتبر أن انسحاب الكنيسة من الدستور سبة في جبين اللجنة، وكذلك انسحاب الرموز البارزة بالتيارات الوطنية والمدنية، وأكد أن اللجنة التأسيسية عليها عدم التقليل من هذا الأمر وأن تتأكد أن أي دستور لا يأتي بالتصويت ولكن بالتوافق بين طوائف المجتمع . وحول محاكمات الثورة التي دعا إليها المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة الأسبق، والتي تساءل "محيط" حول ضمانات عدم خضوعها لأهواء السلطة وبالتالي ارتكاب جرائم باسم التطهير كما جرى في عهد عبدالناصر، اعتبر عبدالعزيز أن مطلبه ليس محاكم "البقري وخميس" نسبة لثورة يوليو، وإنما محاكم تستطيع مواجهة المتهمين بالفساد السياسي الاقتصادي والصحي الذي نرزح تحته ، وبشكل موضوعي وعلني ويضمن عدم توجيهه سياسيا، كما طالب بتفعيل قانون العزل السياسي الذي ارتد عن المطالبة به البرلمان السابق .
وحول نفس المطلب، عارض الدكتور مصطفى كامل اللجوء لمحاكم غير مدنية أو لا تحتكم للقانون خاصة وقد انتخبنا رئيس جمهورية أقسم على احترام القانون، ولكنه أيضا اعترف بأن النظام السابق أنشأ قوانين فاسدة، فلم توجد بيئة لمحاسبة المفسدين سياسيا، وهو ما يجب التفكير في استحداثه بالقوانين الجديدة، لكن لو أنشأنا محاكم خاصة فسوف تعمل على أهواء السلطة الحاكمة.
وشهدت افتتاحية جلسة مؤتمر "رؤية الشباب للدستور المصري الجديد" وقفة حداد على أرواح أطفال أسيوط وغزة . وأكد الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية، أن المسودة الحالية للدستور تقيم دولة دينية وليس مدنية، بحكم إحالتها لنصوص الشريعة وأحكامها، كما أن مواد الدستور لا ترقى لثورة يناير. وأكد أن دستور 1923 مثل به المسلمون والمسيحيون والأرمن واليهود، ويعد من أفضل الدساتير المصرية، ورغم مقاطعة حزب الوفد له في البداية إلا أن الدستور خرج للنور بموافقة كل القوى السياسية.
ويعتقد الكثيرون أن النظام المختلط بين الرئاسي والبرلماني هو الأنسب لمصر حاليا ، ولكن ذلك غير واضح تماما بالدستور ، كما يثور التساؤل – بحسب مصطفى كامل - حول مدى ملائمة نصوص الدستور للوثائق الدولية في مجالات حقوق الإنسان المتعددة , ويعتقد المتحدث أن كثرة إحالة مواد الدستور للقوانين سبة كانت في حق الدستور السابق واستمرت في الحالي، وبذلك يطلق يد السلطة التشريعية في تشكيل نظام سير البلاد.
من جهته علق المستشار زكريا عبدالعزيز، الرئيس الأسبق لنادي القضاة، بقوله أن الثورة جعلت الشباب المصري لأول مرة يهتم بالدستور، وقد شارك ليلة أمس بذكرى أحداث شارع محمد محمود ، والتي وجه خلالها كثير من الشباب تساؤلات للمستشار حول مسودة الدستور، كما أكد أنه لو كان "الدستور أولا" لما جرى حل مجلس الشعب وتراخي الفترة الانتقالية ورفض تشكيل مجلس رئاسي لإدارة البلاد والابتعاد عن الحكم العسكري .
وأبدى عبدالعزيز ملاحظته أن كثرة مسودات الدستور خطأ وقد أثارت لغطا، كما أن مواد الدستور فهي طويلة وإنشائية بما يتعارض مع أسلوب صياغة الدساتير.
بخصوص الشريعة، اعتبر زكريا أن الشريعة الإسلامية مطبقة في مصر منذ دخول الإسلام للبلاد، والدعوة يجب أن تكون لتنقية القوانين مما يخالف الشريعة، ففي القانون المدني هناك مادة للفوائد البنكية مثلا وكلها محل تفاوض، كما دعا للرجوع لمدونة الدكتور صوفي أبوطالب التي تجمع القوانين المخالفة للشريعة، وأكد عبدالعزيز أن تطبيق أحكام الشريعة يسلم البلاد لمصائب، لأن لدينا خلافات فقهية بين المذاهب وبين مدارس كل مذهب واحد ، وسوف ندخل بخلافات لا قبل لنا بها ، ودعا لتنقية القوانين مما يخالف الشريعة كتلك المتعلقة بجرائم الزنا وغيرها .
بخصوص السلطة القضائية، أكد عبدالعزيز أن استقلال القضاء يقوم على الاستقلال المالي والإداري، وبالتالي لا ينبغي أن يكون لوزير العدل أي سلطان على القضاة ، والامتناع عن ندب القاضي لغير العمل القضائي، وبخصوص المحكمة الدستورية فقد لعبت دور سياسي خطير خلال المرحلة الفائتة ، وقد أنشأت بيد عبدالناصر حين الغى القضاء وأجرى مذبحة القضاء، وكانت أغراضها دوما سياسية، وقد استخدمها الحكام بشكل سلبي تماما ، داعيا لمجلس يشبه الفرنسي لمراقبة دستورية القوانين قبل سنها، وليس بعدها . وبخصوص القضاء العسكري يرى عبدالعزيز انه إدارة عسكرية لا يجب ذكره بالدستور، وهو معني بالجرائم التي يرتكبها العسكريون، واعتبر المستشار زكريا عبدالعزيز أن مصر ليست بحاجة لمجلس شورى، وأنه يجب أن يكون المجلس معينا وألا تكون له أية امتيازات .
كما دعا عبدالعزيز لسن قوانين العزل السياسي، مؤكدا أن الجماعات المدفوعة للتخريب بشوارع وسط البلد امس مدفوعة من فلول النظام السابق الذين يعيثون فسادا بحرية، ودعا أيضا لمحاكمات ثورية لكل هؤلاء، مؤكدا أن الدستور بشكله الحالي لن يعيش عشر سنوات .
من جانبه ، علق علي فتح الباب، زعيم الأغلبية بمجلس الشورى أن مجلسه صار بلا صلاحيات . وأكد أن مصر شهدت نظاما فرعونيا من قبل وليس رئاسيا، والبرلمان القوي يوجد بالنظام الرئاسي وليس البرلماني، لأنه في النظام الثاني رئيس الحكومة هو زعيم الأغلبية بالبرلمان ولذلك يضعف الرقابة لديهم ، وأكد أننا غير مجبرين على نظام محدد ويجب أن نستقي النظام الملائم لمصر.
كما أكد عضو مجلس الشورى أن ذلك المجلس هو غرفة برلمانية من الخبرات وغير قابل للحل وليس من صالحنا حلها.
رؤية الشباب
تحدث بعض الطلاب عن رؤية الشباب للسلطة التشريعية للدستور، ورأوا أن المادة 82 معيبة والتي تسمح لأصحاب الوظائف العامة كالوزراء بأن يرشحوا أنفسهم لمجلس الشعب ، فيكون الوزير خصما وحكما في نفس الوقت ، كما رأوا إلغاء حصانة عضو البرلمان خارج المجلس لسوء استغلال تلك المادة ، كما اعترضوا على صياغة المادة المتعلقة بأخذ رئيس الجمهورية رأي رئيس البرلمان دون أن يكون ذلك إلزاميا، وأكدوا أنه ليس من حق الرئيس حل البرلمان ، واقترحوا إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بلجنة شعبية تضم القيادات الدينية والعسكرية والفكرية ورؤساء الجامعات المصرية ونقباء المهن المختلفة، ويكون تعيين كل هؤلاء بصفتهم الوظيفية، وبعض الحاصلين على الجوائز العالمية، ويتسم المجلس بديناميكية التغيير، ولا يسعى أحد لعضويته، ولكن يكون التعيين فيه تكليفا، وأكدوا أنه لا يجوز للرئيس حل البرلمان بغير موافقة مجلس الشيوخ ، وأن يتولوا ترشيحات المناصب العليا بالدولة ومناقشة القوانين .
وتحدث فريق آخر عن السلطة التنفيذية بالبلاد، واقترحوا بأن يكون النظام برلماني رئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية، وهو القائد العام للقوات المسلحة، واعترضوا على أن يكون لرئيس الجمهورية الحق في تعيين رؤساء الأجهزة الإدارية . ويحق لرئيس الوزراء أن يوافق على الموازنة العامة للدولة وذلك بالرجوع للبرلمان . كما اعترض الشباب أن يكون هناك حصانة لأي وزير أو دبلوماسي او مستشار . وبخصوص المحافظ يجب أن يكون منتخبا من شعب محافظته . أما رئيس الجمهورية فمنصبه شرفي فقط.
أما بخصوص السلطة القضائية فأكد بعض الشباب أن مسودة الدستور الحالية تكفل نزاهة استقلال القضاء، وهو ما أغفله دستور 71 ، ومن ذلك أن القضاة مستقلون ولا يجوز عزلهم ، وأن القانون هو الذي يرتب طريقة تشكيل القضاء، وقد كفل الدستور للإدعاء حقوقها كاملة في مكافحة الفساد وتحريك القضايا للقضاء.
وتحدث بعض الشباب عن نظام الإدارة المحلية بمسودة الدستور، وقد انتقد أن ترفع تقارير الأجهزة الرقابية الإدارية لمجلس الوزراء دون عرضها على البرلمان، ودافع عن دستور 71 الذي جعل المحافظين يقدموا طلبات الإحاطة للوزراء، وأن تكون سلطاتهم مطلقة بمحافظاتهم دعما للامركزية، وأكد اختيار المحافظ بالانتخاب وليس التعيين، وأكد أهمية دعم اللامركزية مثل أن تكون الشئون المدنية تابعة لكل محافظة ، ودعوا لعدم وضع قانون موحد للمجالس المحلية على مستوى المحافظات .
كما تحدث عدد من الشباب عن الأمن والدفاع في مسودة الدستور، وناقشوا مجلس الدفاع المدني الذي يضم عسكريين ومدنيين، واعترضوا على أن يناقش موازنة الدولة، واعترضوا كذلك على أن يتم درج ميزانيته كرقم واحد دون تفصيل، وتساءلوا عن سبب عدم توزير المدنيين بالوزارات العسكرية والأمنية .