لم يكن قرار قوى "14 آذار" تعليق مشاركتها في الحوار مفاجئاً، إذ سبقته سلسلة اتصالات ولقاءات، وكان بعضها بعيداً من الإعلام، بغية الإقدام على اتخاذ القرار المناسب. أنطلق حراك المعارضة بعد محاولة اغتيال النائب بطرس حرب مباشرة، وكان هناك موقف حاسم وحازم لمعظم الذين توافدوا إلى دارة حرب، على أن تسجّل قوى "14 آذار" نقلة نوعية في مواجهة ما تتعرّض له من محاولات اغتيال بدأت أخيراً مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع لتصِل لاحقاً إلى حرب، إضافة إلى ما وصل من تقارير خطيرة وموثّقة تضمنت معلومات عن وضع بعض الشخصيات والقيادات على لائحة الاغتيال، ومنهم النائب أكرم شهيّب، الذي يصبّ موقفه السياسي في خانة "14 آذار"، ويعتبر من الصقور في الحزب "التقدّمي الاشتراكي" ومن المناهضين للنظام السوري، إضافة إلى دوره في المواجهة في 7 أيار 2008.
ومن هنا، ونظراً لخطورة الملف الذي وصله، فإن رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، أصرّ عليه، وبإلحاح، أن يغادر لبنان، وهذا ما حصل، ولا يزال شهيّب حتى اليوم يقيم في العاصمة الفرنسية.
أما على صعيد قرار تعليق المشاركة في طاولة الحوار، فتقول أوساط عليمة في "14 آذار" إن اللقاء الذي جمع الرئيس فؤاد السنيورة وجعجع منذ بضعة أيام تطرّق إلى موضوع المشاركة في طاولة الحوار، وجدوى الاستمرار فيها في ضوء ما يجري، وكان رأي السنيورة وغالبية قوى "ثورة الأرز" عدم إعطاء "الفريق الآخر" أيّ ذريعة للإيحاء بأن فريق "14 آذار" يعرقل التلاقي والتواصل بين اللبنانيين ولا يريد الحوار.
وفي الوقت عينه، فإن السنيورة ميّال إلى وجهة نظر جعجع وتفهّمه لموقفه، إذ يدرك أن "حزب الله" لم ولن يقبل مناقشة بند السلاح.
وبالتالي، أن اللقاء الآخر الذي جمع الرئيس أمين الجميل وجعجع في معراب أيضاً تناول الحوار من كل جوانبه، مع الإشارة إلى أن الجميل كان من أكثر المتشدّدين في ضرورة المشاركة، لكنه بعد موقف رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، والذي أشار فيه إلى "إستراتيجية التحرير، لا الإستراتيجية الدفاعية"، بَدا مستاءً إلى أبعد الحدود ربطاً بتمييع محاولة اغتيال حرب، الأمر الذي شكّل تلاقياً مع جعجع وتيار "المستقبل"، وتُرجم هذا التلاقي في الاجتماع الموسّع لقوى "14 آذار" الذي باركه الرئيس سعد الحريري، والذي، وبحسب المعلومات، كانت له سلسلة اتصالات مع أقطاب المعارضة حيث كلّف السنيورة زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان على رأس وفد من نواب "14 آذار"، ولم يصدر أي بيان عن الزيارة، إنما أشارت الأجواء إلى أن السنيورة أكّد متانة العلاقة مع سليمان، وأن "14 آذار" تثني على مواقفه وتقدّر حرصه على استمرارية طاولة الحوار، ولكنها ستعلّق مشاركتها إلى حين الالتزام والإجابة عن نقاط أساسية اقترحتها لاحقاً في البيان الذي صدر من "بيت الوسط"، بعد اجتماع موسّع لقيادات هذا الفريق.
وأخيراً تكشف الأوساط عينها عن سلسلة "خطوات بالغة الأهمية" ستتوالى تباعاً في ظل لقاءات مفتوحة لقيادات "14 آذار"، ولا سيما حول السلاح وتشكيل حكومة حيادية والموقف من الأزمة السورية، وهذه الثوابت ستكون حاسمة لأنّ القرار بالمواجهة السياسية الديمقراطية والسلمية قد اتخذ بعدما وصلت الأمور إلى حد لا يُطاق وبات البلد في مهبّ الريح.