طرح أكاديميون وباحثون من دول تركيا وإيران وروسيا والصين تصوراتهم لحل الأزمة السورية التي تبدو في مفترق، وذلك في حلقة نقاشية نظمها معهد الفكر الاستراتيجي بالتعاون مع مركز الأبحاث الاستراتيجي بوزارة الخارجية التركية. ويأتي هذا مع اقتراب ذكرى مرور عام على انطلاقة الانتفاضة ضد النظام السوري في نفس هذا الشهر من العام الماضي في عدة أنحاء من سوريا وبعد أربعة عقود من حكم حزب البعث، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزا عن صياغة إستراتيجية فعالة ومتماسكة لمعالجة الوضع السياسي والإنساني المتدهور في هذا البلد الذي يتمتع بوضع جيو سياسي حساس في خريطة المنطقة.
ومن جهته ، قال البروفيسور الصيني تشين ليانج تشيانج كبير الباحثين في مركز دراسات غرب آسيا وأفريقيا في معهد الدراسات الدولية في شنغهاي إنه ليس هناك حل فوري للمشكلة السورية لأن الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط في حاجة لمزيد من الوقت.
وأضاف الأكاديمي الصيني ،خلال الحلقة النقاشية التي عقدت في أنقرة أمس أن بلاده تنتهج توجها يتمثل في ما وصفه طريق التنمية السلمي، مؤكدا أنه ما من شك في أن الصين والغرب يمتلكان مصالح مشتركة هائلة في منطقة الشرق الأوسط حيث ترى الصين مثل الغرب تماما أن التدفق المستقر للنفط بسعر مناسب لأسواق العالم له صلة بشكل وثيق بمصالحها الوطنية كما تعتبر أن منع انتشار الأسلحة النووية من صميم التزاماتها الوطنية.
وأشار إلى أن مسار الأمور أثبت أن هذه المصالح المتشابهة لم تخفف من حدة الاختلافات بين الجانبين فيما يتعلق مع مبادئ التعامل مع القضايا الكبرى بالشرق الأوسط، فبينما ارتأى القادة الغربيون إلقاء المحاضرات والعظات للسياسيين في الشرق الأوسط عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان استحب القادة الصينيون الحديث عن التنمية السلمية والعالم المتجانس والتعاون متبادل المنفعة النابع من ثقافة الصين العميقة في حب السلام.
وتابع تشيانج "إن الصين أو ما يوازي خمس سكان العالم ترى الشرق الأوسط واحدا من أهم مصادر إمدادات الطاقة ووجهة لتسويق صادراتها من السلع وتوفير عقود عمل بالنسبة للعمالة الصينية..كما أن منطقة الشرق الأوسط وثيقة الصلة بالأمن القومي للصين ، لذا فإن استتباب الأمن والاستقرار فيه يمثل أولوية لسياستها في المنطقة.
وقال البروفيسور الصيني تشين ليانج تشيانج كبير الباحثين في مركز دراسات غرب آسيا وأفريقيا في معهد الدراسات الدولية في شنغهاي في الحلقة النقاشية التي حضرها أكاديميون بالجامعات التركية "إن التدخلات الغربية سواء في العراق وليبيا أو المحتملة في سوريا تتعارض فعليا مع مفهوم الصين للسلام والمصالح الوطنية لضمان الأمن النسبي والبيئة الخارجية المستقرة ويهدد إمدادات النفط للأسواق العالمية".
ولفت تشيانج الأنظار إلى أن الصين استخدمت حق النقض الفيتو ست مرات في مجلس الأمن منذ استئناف عضويتها في الأممالمتحدة ، وربما يكون هذا مدعاة للدهشة أن تستخدم الفيتو مرتين بشأن سوريا في الأشهر القليلة الماضية فقط.
وأضاف "ربما يدعي البعض في الغرب أن الموقف الصيني بشأن المنطقة نابع من الاهتمام بمصادر الطاقة ، بيد أن المسألة السورية تحض تلك الدعاوى بأن الصين تسعى فقط لتأمين النفط ، لأن سوريا ليست غنية بإمدادات النفط ، كما أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وسوريا متواضعة".
وأكد أنه "انطلاقا من دروس ليبيا ، فإن الصين لديها من الأسباب لتكون أكثر حذرا تجاه إساءة استخدام آخر لقرارات الأممالمتحدة ، متسائلا هل سينوي الغرب تحقيق مصالحه الجيوسياسية بدعاوى القلق بشأن الوضع الإنساني؟". ومن جانبه ، قال السفير جلال كلانتري مدير مركز الدراسات الآسيوية والمحيط الهادىء في طهران إن القتل مدان في كل الأحوال وأن حل الأزمة السورية يتمثل في الإصلاحات والحوار ، مؤكدا أن عسكرة الأزمة والتدخل الخارجي سيخلف تداعيات خطيرة على سوريا والمنطقة بأكملها.
وقال الخبير الإيراني "إنه يقع على عاتق كل من طهرانوأنقرة رسم خطة محددة للخروج من هذه الأزمة والحفاظ على وحدة سوريا ، ووضع آلية إقليمية للوقوف أمام محاولات التغيير الجيوسياسي للمنطقة".
ومن جانبه ، قال الأستاذ المساعد حسن كوسيبالابان من جامعة إسطنبول شهير بتركيا "إننا عندما نتحدث عن حزب البعث فإننا نتحدث عن الماضي وليس المستقبل ، وأمام هذه الجرائم التي ترتكب يوميا فإنه يصعب التغاضي عنها"..مضيفا "إن نظام الأسد غير قادر على البقاء ، وتبدو المواقف الروسية والإيرانية غير منطقية ومنفصلة عن الواقع ، ولا يمكن أن نؤخر المستقبل".
أما وجهة النظر الروسية بشأن الأزمة السورية ، فقد طرحها أستاذ التاريخ بوريس دولجوف كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية قائلا "إن السياسة الدولية بشأن سوريا ربماى تتغير عندما يأتي قادة جدد في الدول الغربية التي تشهد انتخابات مثل فرنسا والولايات المتحدة وربما يغير هؤلاء القادة سياساتهم تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط".
وأضاف الأكاديمي الروسي "في غالبية البلدان التي شهدت الربيع العربي عادت الأسباب وراء إسقاط الأنظمة بها إلى عوامل داخلية ، حيث ثارت جموع الناس واحتجت ضد عدم وجود حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية ، بيد أن الأمر يختلف بالنسبة لسوريا لأن السبب الرئيسي لتلك المواجهات بين السلطة والمعارضة هي عوامل خارجية ، وأساسا في الدعم النشط للمعارضة من الخارج".
وتابع "الأسباب التي دعت إلى الثورة في تونس ومصر ليست هي نفسها في سوريا ، حيث إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من حيث مستوى الدخل وانخفاض معدلات لبطالة في سوريا في هذا المجال أفضل حالا من مثيلتها في تونس ومصر" ، مدللا على لك بأرقام صندوق النقد الدولي بشأن إجمالي الناتج المحلي ومعدل البطالة في سوريا.
وقال إن غالبية الأسباب الأساسية وراء حالة الاحتجاج التي اندلعت في درعا في ارس عام 2011 كان وراءها حالة سخط بعض الشرائح في المجتمع من هيمنة الطائفة لعلوية التي تخرج منها عائلة الأسد التي تحكم منذ أكثر من أربعة عقود.
وحذر من أنه إذا تمت الموافقة على قرار الأممالمتحدة ، فإنه سيعطي قادة دول لناتو الفرصة لبدء تدخل عسكري في سوريا ، وسيكون لهذا عواقب وخيمة من مقتل لآلاف من الشعب السوري مثلما حدث في ليبيا ، ومن ثم إعطاء الفرصة للجماعات لإسلامية المتطرفة لزيادة نفوذها في البلاد ، وهو ما يعني في نهاية المطاف اندلاع حرب أهلية وتقسيم سوريا إلى خمس أو أكثر من دويلات صغيرة على أساس ديني عرقي.
وأكد أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السورية هو وقف العنف من كلا الطرفين بدء مفاوضات بين الحكومة والمعارضة في الداخل والخارج.