طوت البنوك المصرية عاما حافلا بالأحداث تخللته ثورة شعب على نظام سياسي فليس الأمر هنا عاديا بالنسبة لقطاع يشترط الأمن والاستقرار كأساس لعمله وتوسعة داخل الاقتصاد وكان من الطبيعي والبنوك تدخل عامها الأول بعد الثورة أن تقف برهة لتنظر بعين فاحصة للسوق قبل اتخاذ أية قرارات سواء بالتوسع لتعويض خسائرها خلال العام الماضي أو انتهاج سياسة انكماشية على نفسها ليمضى عليها 2012 دون افتتاح فروع جديدة استحداث منتجات مصرفية لخدماتها. وعلى الرغم من اختلاف رجال البنوك حول مستقبل البنوك في العام الجديد مابين مؤيد للفكر التوسعي ومنتظر لاستقرار سياسي يعم البلاد إلا أنهم اتفقوا على أن البنوك يقع على عاتقها دور كبير في خدمة الاقتصاد المصرى خلال العام الحالي لإقالته من عثرته التي وقع فيها عقب الثورة. يتوقع فتحي السباعي رئيس بنك التعمير والإسكان بدء الانطلاقة الفعلية للقطاع المصرفي منتصف العام الجاري بالتزامن مع عودة الاقتصاد لمعدلات ما قبل الثورة تزامنا مع استقرار البلاد من الناحية السياسية والاقتصادية.
ويختلف معه في الرأي حمدي عزام ، نائب رئيس بنك التنمية الصناعية، مؤكدا أن البنوك ليست أسعد حظا خلال العام الجاري باعتباره امتداد للعام الماضي، نظراً لاستمرار الاضطرابات الاقتصادية والسياسية وعدم استقرار الأوضاع، بالإضافة إلي التهديدات المستمرة للجانبين الأمني والاقتصادي، لافتاً إلي أن الوقت الراهن يعد مرحلة ترقب مع الدخول تدريجياً من خلال استثمارات وتمويلات قصيرة الأجل.
ويضيف أن انتهاء انتخابات الشورى والشعب من أهم المؤشرات التي ستساعد في اتخاذ المؤسسات المالية القرارات المناسبة للفترة المقبلة، موضحا أن هناك توصيات من جانب البنك المركزي بحماية أموال العملاء وتوظيف السيولة في استثمارات آمنة، لذا فإن البنوك تتحوط بشكل ملحوظ قبل التوسع في أي استثمارات آخذة في اعتبارها عدة معايير أهمها ضمانة قناة التوظيف وتحقيق هامش ربح مجدٍ للبنوك و أن جميع التوسعات مرهونة باستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية وعودة الطلب مرة أخري علي التعاملات المصرفية وتدني معدلات المخاطر الراهنة.
وهو ما يوافقه فية الرأي فتحي السباعي الذي يؤكد أن عودة الاستقرار السياسي سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الذي يعانى من ركود وتعثرات وان هذا الاستقرار سيبدأ مع مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية. وفى نفس السياق يلفت احمد ادم ، الخبير المصرفي ورئيس قسم البحوث ببنك ابوظبى الوطني سابقا، إن تنفيذ الاستراتيجيات التوسعية للبنوك حالياً أمر مستبعد في ظل حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الاقتصاد المصري مشيراً إلي أن الفترة الراهنة هي فترة ترقب وحذر شديدين من جانب جميع المستثمرين، لافتاً إلي أن أغلب الاستثمارات البنكية طويلة الأجل ويصعب تنفيذها في الوقت الراهن، نظراً لأن الاستثمارات قصيرة الأجل هي الأكثر جذباً لسهولة تصفيتها بأقل الخسائر في حالة اضطراب الأوضاع الاقتصادية والسياسية. عمرو الالفى ، مسئول قطاع الائتمان بالبنك الوطني المصرى، يؤكد أنه من الصعب علي البنوك حالياً التوسع فى الائتمان خوفا من ارتفاع المخاطر وتصاعد حالات الركود بمختلف القطاعات ،مشيرا أن بداية الانطلاقة الحقيقة للبنوك ستبدأ مع منتصف 2012.
وفى السياق ذاته يؤكد رمضان أنور العضو المنتدب لبنك الاتحاد الوطني أن الحالة الأمنية لم تصل إلى مرحلة الاستقرار حتى الآن على الرغم من الهدوء الحذر بالشارع المصرى بعد إجراء الانتخابات البرلمانية.
ويستطرد البنوك ستركز على القطاعات الحيوية فى الدولة مثل الكهرباء والغاز والبتر وكيماويات والأسمدة ومواد البناء وستقوم بدورها بعمل تحالفات مع بعضها البعض للدخول في قروض مشتركة لتمويل المشروعات الكبيرة ومشروعات البنية التحتية على الأخص وكذا الاهتمام بالمشروعات التى تخدم القطاع التصديري.
وتقول لميس نجم نائب رئيس سيتى بنك ان البنوك بدأت تستشعر حالة الاستقرار السياسي الذي ساد في البلاد مؤخرا وهو ما يحفزها حاليا على ضخ الاستثمارات سواء للمشروعات المتوقفة حاليا او الجديدة التى يعتزم تأسيسها.
وتشير نجم الى البنوك ستبدأ بتمويل القطاعات الأهم فى هذا التوقيت ومنها المشروعات الكبرى التي تستوعب ايدى عاملة لتوظيف العمالة التى تعانى من البطالة بالإضافة إلى تحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة منذ اندلاع الثورة.
في حين يحذر فتحي السباعي رئيس بنك التعمير والإسكان من تداعيات خفض التصنيف الائتماني على الاقتصاد وبعض البنوك يصعب من مهام الاقتصاد سواء عند الاقتراض او التصدير كما ان الائتمان لدى البنوك ينخفض بسبب عدم قدرة العملاء على تحمل ظروف السوق ،مؤكدا ان الحل الامثل للخروج من هذا المازق هو تواجد الأمن والاستقرار والعودة للعمل والإنتاج مرة أخرى.
ويشير الى أن هناك حالة من الضبابية وعدم وضوح الرؤية تواجه الاستثمار بكل القطاعات الاقتصادية والمصرفية ولابد من الإسراع بالإعلان عن التوجه الاقتصادي للبلد وتطمين المستثمرين وإعادة الثقة من جديد فى السوق المصرية.
ويتابع ان هناك عدة ملفات شائكة ستواجه القطاع المصرفى فى العام الجديد، وتتمثل فى وانخفاض التصنيف الائتمانى، وقواعد الحوكمة، وزيادة رءوس أموال البنوك" ولابد من القضاء على هذه المشاكل لبدء الانطلاقه المصرفيه.
ويلتقط حمدى عزام نائب رئيس بنك التنميه الصناعيه طرف الحديث ويقول أن هناك بعض القضايا التى ستعمل البنوك على حلها خلال 2012 لتبدأ فى نهضتها والانطلاقه حيث انها لابد ان تعمل على حل قضايا "زيادة رءوس أموال البنوك والتوافق مع قواعد الحوكمة وان تلك الامور ستفرض نفسها على القطاع المصرفى خلال العام الجديد. ويؤكد عزام أن 2012 سيشهد مساعى حثيثة من البنوك لزيادة رءوس أموالها بهدف تقوية قواعدها الرأسمالية وتحسين تصنيفها الائتمانى الذى سجل تراجعًا خلال العام المنتهى.
كما أن الالتزام بقواعد الحوكمة بالبنوك سيكون إحدى القضايا البارزة بالقطاع المصرفى من وجهة نظر عزام حيث يؤكد أن منتصف العام الجارى الوقت الأمثل لاتخاذ القرارات السليمة إما بالتوسع أو الانكماش، مؤكداً أن الوقت الحالي قد يشهد تجدد الاضطرابات الأمنية وبالتالي الاقتصادية ،مضيفا أن ثورة 25 يناير فرضت نفسها على البنوك بالإغلاق قضايا الفساد والحوكمة.
ويقول إن هناك عدة قضايا من المتوقع إثارتها فى القطاع المصرفي في العام الجديد، وتتمثل فى الصيرفة الإسلامية بعد صعود التيار الإسلامى للسلطة ومشكلة تراجع السيولة بالبنوك وقواعد الحكومة ومعاناة البنوك المتخصصة. ويشير إلى أن نتيجة الانتخابات البرلمانية ستظهر آثارها فى العام الجديد على البنوك وستؤدى لارتفاع حجم المعاملات الإسلامية بالسوق ، مؤكدا أن العام الجديد سيحمل معه مشكلة تراجع السيولة بالبنوك وذلك بعد توسع البنوك بشكل كبير فى الاستثمار فى أدوات الدين الحكومية من أذون خزينة وسندات بما أثر سلبيا فى ودائع البنوك.
في حين يؤكد ياسر إسماعيل ، حسن العضو المنتدب للبنك الوطني المصرى ، أن البنوك المصرية والقطاع المصرفي تتمتع بوجود حجم سيولة جيد ، بالإضافة إلى ان رفع سعر الفائدة على الكريدور وكذلك رفع سعر الفائدة على شهادات الادخار أدى الى جذب قاعدة كبيرة من إيداعات العملاء وادي إلى زيادة حجم السيولة داخل البنوك ، مؤكدا ان قيام البنوك بتمويل المشروعات الاقتصادية والتنموية داخل الدولة لا يتوقف على حجم السيولة داخل البنوك فقط وإنما يعتمد على عوامل أخرى من أهمها الجدارة الائتمانية والجدوى الاقتصادية للعملاء والمشروعات التى تقوم البنوك بتمويلها.
ويشير حسن الى ان توسع البنوك فى تمويل عجز الموازنة واستثمار اموالها فى أذون الخزانة والسندات الحكومية لا يمكن ان يكون له أى تأثير على استثمارات البنوك الأخرى وتمويلها للمشروعات الاقتصادية حيث أن البنوك دائما ما تقوم بعمل توازن بين جميع استثماراتها وكذلك تقوم بتنويع المحفظة الائتمانية الخاصة بها.
ويضيف أن البنوك خلال العام الجاري ستسعى لتعويض خسائرها فى العام الماضي خاصة وأن الفرصة سانحة أمامها مستفيدة من الاستقرار السياسي الذي بدأت تشهده البلاد.