"إلى التى خاضت معى فى الأشواك، فدميتْ ودميتُ، وشقيتْ وشقيتُ، ثم سارت فى طريق وسرت فى طريق: جريحين بعد المعركة. لا نفسها إلى قرار. ولا نفسى إلى استقرار". بهذا الإهداء يُصدر سيد قطب روايته "أشواك" الصادرة عن "دار سعد" عام 1947 وتعتبر هذه الطبعة هي الوحيدة، والتي لم تتكرر، والرواية أصدرتها مؤخرا الهيئة المصرية العامة للكتاب بمقدمة للناقد والشاعر شعبان يوسف.
ويدل الإهداء الذي كتبه قطب بوضوح على أن هناك علاقة وثيقة بين أحداث الرواية، وبين أحداث حياة سيد قطب، وبالأخص قصة حبه الوحيدة، والتي لم تسفر عن نتائج اجتماعية، مثل الزواج، كما يقول شعبان يوسف ل"محيط". يواصل الناقد : بطل الرواية "سامي" يشبه المؤلف سيد قطب، فهو أديب وله مكانة مرموقة فى المجتمع، يعيش فى إحدى الضواحي، ويستقل القطار يوميا إلى حلوان، وهو مكان قطب، زد على ذلك أنه يتحدث عن شقيقتين وشقيق آخر يعيشون معه في المكان نفسه. ويكتب يوسف في مقدمته أن تحمسه لهذه الرواية يأتي من أن سيد قطب ظلمته قراءات عديدة، هذه القراءات التي جاءت من معسكرين متناقضين، فالباحثون الذين يخاصمون فكره، أخرجوه من زمرة النقاد والأدباء والمفكرين، وراحوا يصبون عليه ما ليس فيه، كذلك المتشيعون له، والذين أخذوا من فكره نبراساً لطريقهم النضالي في الحياة، فقرأوا أعماله، وجعلوا منها أيقونات، وأظن أن الجانبين من الرؤية كانا منفعلين. ويقول في المقدمة التي كتبها: لا أريد الإسهاب في اكتشاف قيمة سيد قطب كناقد وأديب، قبل انضمامه إلي جماعة الإخوان المسلمين ولكن أود الكشف عن هذه الكتابات المستبعدة والمصادرة والمقموعة، لأنها لم تصبح ملكا لأحد، لكنها ملك لضمير القارئ المصري والعربي وهو أحق الناس في التعرف إلي هذا الرجل ونحن في ظل هذا المناخ الجديد في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية نحتاج إلي الانفتاح بأوسع قدر من الحرية. والرواية – يواصل يوسف - أحد إبداعات سيد قطب المقموعة بفعل فاعل، أولهم سيد قطب نفسه، الذي تبرأ من أعماله الأدبية قبل تحوله إلى مصلح إجتماعي وديني، ثم رفاقه الذين يعتبرون فكره ما قبل تحوله حراماً، وخوضاً في ذات سيد قطب الفكرية، مع أن سيد قطب ليس سبيكة ذهبية تتجزأ، لكن من الضروري أن نتعرف إليه في جميع مراحل حياته بشكل موسع. ومن ثم فإن الرواية تعكس فترة من حياة سيد قطب، وتتناول قصة حبه الفاشلة، وقد كتب البعض حينها أنها كتبت على غرار رواية "سارة" للعقاد. يضيف الناقد: كانت رواية قطب الأولى هي "المدينة المسحورة"، ثم روايته / سيرته: "طفل من القرية"، ثم هذه الرواية "أشواك"، والتى أفصح فيها وأبان وأوضح كثيرا من مكنونات روحه، وشذرات تفكيره، بالإضافة إلى آرائه في مجتمع الأربعينيات من القرن الماضى، خاصة كانت هواجس الحيرة تدك أي يقين كان يساور روح وعقل سيد قطب، وهنا تبرز كتابات وجدانية لقطب كثيرة تدل على هذه الحيرة المعرفية، والقلق الوجداني. ففى مقال له تحت عنوان "الخلود" نشر فى مجلة الكتاب ديسمبر 1947 يتساءل قطب: "من قال: إن كل شىء منى سينتهي حين أنتهي؟ نعم ستنتهي صوري وخيالاتي وخواطري وذكرياتي، مثلما ينتهي كياني الجسدي، ويذهب ويبلى، ولكن هناك شيئا خالدا، شيئ لن ينتهى أبدا.. تلك الموجات الشعورية التي فاضت من ضميري، إنها لم تذهب سدى، لقد تلقتها قلوب ونفوس، ولقد تأثرت بها، ما في ذلك شك". في مقدمته كذلك فنّد شعبان يوسف تلك الأقوال التي قالت بأن سيد قطب انصرف لطريق الدين لأنه لم يتحقق أدبيا وإبداعيا، مؤكدا أن انصراف قطب لمجال آخر لم يكن إنكارا للمشروع النقدي والأدبي، بل كان تحويل مسار لطريق اختاره راضيا. ويستدل يوسف برسالة قطب إلي تلميذه أنور المعداوي التي يمكن أن نفهم منها أن الرجل لم يكن كارها للنقد والإبداع، بل لديه مشروع آخر أولي باهتمامه يقول:"تنتظر عودتي لآخذ مكاني من ميدان النقد الأدبي؟ أخشي أن أقول لك: إن هذا لن يكون، وإنه من الأولي أن تعتمد علي نفسك أن ينبثق ناقد جديد! إنني سأخصص ما بقي من حياتي وجهدي لبرنامج اجتماعي كامل يستغرق أعمار الكثيرين، ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الأدبي لأطمئن إلي هذا الميدان". قصة حب فاشلة الرواية كلها قائمة على انهيار علاقة "سامى" بطل الرواية بفتاته "سميرة" لأسباب تتعلق بالغيرة، وأن "سامى" كان يشك فى خطيبته، حبيبته، بأسباب ودون أسباب، وعندما كانت سميرة تعتزله، أو تبتعد عنه. كان يعانى معاناة كبيرة، ويحاول بأشكال مختلفة التقرب - وبحيل العاشق الملتاع، وعقلية المجروح - أن يلتقى بها، أو يراها، أو يتمشى فى الشارع الذى تسكن فيه، أو حتى يركب الترام الذى يصل إلى منزلها، للدرجة التى دعته أن يطلق تعبير "الترام المسحور" على هذا الترام الذى يمر أمام منزلها. ويخترع صديقا قديما أو وهميا، حتى يكون ذريعة ليذهب إلى هناك حيث تسكن الحبيبة، ورغم أن سيد قطب كان ناقدا جهير الصوت آنذاك وحادا وقويا، إلا أنه لم يستطع أن يفلت من رومانتيكيته، التي هى صفة أساسية في شخصيته وفى تربيته منذ عهده الأول، حتى مقالاته الأولى فى عشرينيات القرن الماضى بجريدة البلاغ، وبالأحرى قصائده الشعرية، كما يؤكد شعبان يوسف. تبدأ الرواية بمشهد الخطوبة الذى يضم الأهل والأقارب والأصدقاء، عندما تفاجئ "سميرة" "سامى" بأنها كانت تحب شخصا آخر، وتقدم لخطبتها، ورفض أهله، وتوحى له بأنها مازالت أطيافه تناوشها، ولكنها أوضحت له بأنها أرادت أن توضح له ذلك، حتى لا يكون هناك مسكوت عنه فى حياتهما. ولكن سامى أرقته هذه المعلومات، وراح يستقصى بنفسه عن مدى صحتها وعمقها، وهل مازال أثرها باقيا فى روح سميرة، أم لا، ولكنه وعدها بأنه سيساعدها فى أن يكون مصلح بينهما، فيعيد ما انقطع بين "سميرة" و"ضياء" حبيبها السابق. ويحاول "سامي" الإصلاح بين "سميرة" و"ضياء"، الذي يعمل ضابط، لكن الأخير لا يعتني بالموضوع، ويخبره بأن أهله غير راضيين عن زواجه بسميرة ومن ثم علاقته انقطعت بها إلى الأبد، ولكن "ضياء" يخبره بأن سميرة ذهبت إليه مرة في المعسكر الذي يعمل به، وطلبت منه أن يعود لأهله ولا يتركهم بسببها، وهنا اشتعل خيال "سامي" بتصورات عن العلاقة بين فتاته وحبيبها السابق، وكان شكه بها غير محتمل. وانتهى الأمر بالقطيعة بينهما وفسخ الخطبة، بعد أن رأت أسرتها أنه سمم العلاقة بذلك الهاجس الذي يسيطر عليه، وظل عدة شهور مرتبطا بها ويتردد على البيت يوميا، وأسرتها تثق به وتتركه يختلي بها أحيانا لينعم بالحب معها. كانت نشأته الريفية تجعله يشك في أهل القاهرة وتصور له "أن الناس هناك أحسن أصلا واكثر مروءة وأنقى ضميرا". وما بين هذا الحب وذلك الشك مضى الأمر، حتى انتهى كل شيء، وبينما تألم هو، بعد أن تركها كانت هي أقوى منه، إذ اقتنعت بأنه لا مستقبل لعلاقته بها، كانت هي الحاسمة والواضحة وكان هو المتردد. إنه يريد في فتاة أحلامه الحورية القاهرية المغمضة العينين، والفتاة العذراء القلب والجسد، في زي قاهري" ثم يتساءل من جديد مع نفسه: "تراه اخطأ الطريق فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة، أم تراه اخطأ الطريق من أوله، فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟". وتنتهي الرواية بأن يناجي البطل نفسه قائلاً بعد أن كان يحلم بحبيبته ويتصور أنها لها وحده: "أحلام ؟ وما الفرق بين الحلم والحقيقة إذا كان كلاهما يستجيب له القلب والذهن ويترك آثاره في النفس والحياة ؟، خيالات ! وما الفرق بين الخيال والواقع ، وكلاهما طيف عابر يلقي ظله على النفس ثم يختفي من عالم الحس بعد لحظات؟".