مؤتمرات حاشدة لمرشحي القائمة الوطنية بالإسماعيلية قبل الصمت الانتخابي    السيسي يشهد افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بميناء شرق بورسعيد    جامعة القاهرة والمتحف المصري الكبير ضمن شعار محافظة الجيزة تجسيدا لرمزية الإرث الحضاري والعلمي    حنعمرها تاني.. مبادرة رمزية لإحياء مدينة غزة التي تعاني تحت وطأة آثار الإبادة    الرئيس الأوكراني يعلن اتفاق غاز مع اليونان بملياري يورو    إنجاز دولي للجامعات المصرية بالبطولة العالمية العاشرة بإسبانيا    في غياب رونالدو، تشكيل البرتغال أمام أرمينيا في تصفيات كأس العالم    المشدد 6 سنوات لعصابة سرقة المواطنين بالإكراه في القاهرة    بيع الكيف وسط الشارع.. إحالة 2 من أباطرة الكيف في روض الفرج للمحاكمة    تعليمات جديدة من التعليم لطلاب الثانوية العامة بشأن التابلت    عمرو سلامة: أتعامل مع الأطفال في مواقع التصوير كممثلين محترفين بنفس المسئولية    كاملة أبو ذكري عن خالد النبوي: مفيش زيه.. وقلبه دائما على الشغل    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    عرض أول ل 10 أعمال بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى أهالينا في غزة    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة بجامعة مصر المعلوماتية    أصوات انفجارات لا تتوقف.. قصف مدفعي إسرائيلي على المناطق الشرقية لخان يونس بغزة    ترامب يواصل إفيهات للسخرية من منافسيه ويمنح تايلور جرين لقبا جديدا    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    إيطاليا ضد النرويج.. هالاند يطارد المجد فى تصفيات كأس العالم    اعتماد تعديل تخطيط وتقسيم 5 قطع أراضي بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر    البنك الأهلي المصري راعي منتدى ومعرض القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2025 Cairo ICT    إنجاز دولى للجامعات المصرية بالبطولة العالمية العاشرة للجامعات بإسبانيا    كاتب بالتايمز يتغنى بالمتحف المصرى الكبير: أحد أعظم متاحف العالم    عودة قوية للجولف في 2026.. مصر تستعد لاستضافة 4 بطولات جولف دولية    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    الإسكان: حلول تنفيذية للتغلب على تحديات مشروع صرف صحي كفر دبوس بالشرقية    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    «الإسماعيلية الأهلية» تهنئ بطل العالم في سباحة الزعانف    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    القاهرة الإخبارية: اشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع بغرب كردفان    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    سماء الأقصر تشهد عودة تحليق البالون الطائر بخروج 65 رحلة على متنها 1800 سائح    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    بن غفير: لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني هذا شيء "مُختلق" ولا أساس له    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    محمد فراج يشعل تريند جوجل بعد انفجار أحداث "ورد وشيكولاتة".. وتفاعل واسع مع أدائه المربك للأعصاب    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشواك
سيد قطب روائيا
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 01 - 2012

" ما يخدع الطغاة شيء كما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانًا، وإنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتمد له أعناقها فيَجُرّ، وتحني له رؤوسها فيستعلي، وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغي! والجماهير تفعل هذا مخدوعةً من جهة، وخائفةً من جهة أخري". هي دعوة سيد قطب الاجتماعية الثورية التي حاول من خلالها أن يثور الجماهير، ويقوم بإصلاحات اجتماعية تنهض بحال المجتمع، وحين أُعدم جراء فكره حوله مريدوه إلي أسطورة، قد تكون أكبر كثيرا من حقيقته، وقد تكون محاولة الأسطرة ظلمته، فقد اختزله مريدوه في دعوته لتطبيق الشريعة، ونسوا فكره الاجتماعي، كما تناسوا عامدين فكره الأدبي والإبداعي، فسيد قطب الذي لا نذكر منه سوي دعواه في الشريعة كان مصلحا اجتماعيا، وكان مبدعا وناقدا أدبيا. لكن تم نسيان الجانب الإصلاحي المجتمعي لأن من أسطروه رأوه جانبا لا يستحق الذكر، فتركوه إهمالا، أما الجانب الإبداعي والنقدي فتناسوه رغبة في نفي وإقصاء هذا الجانب لأنه بحسب رأيهم يقلل من صورته الأسطورية، ومن تلك الهالة المقدسة التي أسبغوها عليه. تناسي هؤلاء أن سيد قطب عُرف كناقد فذّ قدّم كثير من المبدعين الذين دخلوا بوابة الإبداع من خلال مقالاته التي أشادت بهم، ويأتي علي رأسهم مبدع استثنائي دشنه سيد قطب كروائي مجيد، ولم يخب ظن قطب فيه، فذلك الروائي الشاب صار نجيب محفوظ، ولم يقتصر تميز سيد قطب علي النقد فقط، بل كان شاعرا وروائيا، متميزا بمقاييس عصره الإبداعية. وفي ظل الفزع من هيمنة الإسلام السياسي متمثلا في التيارين الرئيسيين منه وهما الإخوان المسلمون ( مريدو الشيخ ) والسلفيون من المهم أن نقرأ إبداع الرجل الذي يحسب علي هذا التيار، بل يُعدّ رائدا من رواده، وقد انتبه لذلك الأمر الشاعر والناقد شعبان يوسف الذي أخذ المبادرة وأعاد نشر رواية سيد قطب الأولي "أشواك" التي صدرت عام 1947، ولاقت في توقيت صدورها اهتمام النقاد والقراء معا. ولم يكتف يوسف بأن أعاد نشر الرواية في الهيئة العامة للكتاب، بل قدّم لها بمقدمة كاشفة لعالم سيد قطب الأدبي، وظروف انصرافه عن النقد والإبداع، كما ناقش وحلل خطابات من اشتبكوا مع سيد قطب فكريا سواء اتفقوا معه أو اختلفوا، وسواء الذين اشتبكوا معه في معارك أدبية وفكرية في حياته أو الذين تناولوه بالبحث والتحليل بعد مماته مثل الناقد علي شلش وحلمي النمنم وغيرهم .
عمد يوسف إلي تحليل وتفكيك خطابات من اشتبكوا معه فجاءت المقدمة بمثابة الكشف الفكري لقارئ سيد قطب، وخاصة إن لم يكن قد قرأ عن تلك المعارك الأدبية والفكرية التي خاضها دفاعا عن رؤاه وتوجهاته الفكرية والأدبية قبل أن ينصرف عن ذلك إلي المشروع الفكري الديني الذي قضي بسببه وهو التكريس والتنظير لتطبيق الشريعة الإسلامية .
فنّد شعبان يوسف تلك الأقوال التي قالت بأن سيد قطب انصرف لطريق الدين لأنه لم يتحقق أدبيا وإبداعيا، مؤكدا أن انصراف قطب لمجال آخر لم يكن إنكارا للمشروع النقدي والأدبي، بل كان تحويل مسار لطريق اختاره راضيا، ويستدل يوسف برسالة قطب إلي تلميذه أنور المعداوي التي يمكن أن نفهم منها أن الرجل لم يكن كارها للنقد والإبداع، بل لديه مشروع آخر أولي باهتمامه يقول: "المحك الأول في التعرف علي الرجل وفكره ومسيرته، وتقلباته و تحولاته الدراماتيكية، من ناقد أديب ومفكر، إلي داعية إسلامي، ويتنكر لكونه المبدع والناقد بعد رحلة ظلت عامين إلي أمريكا، هذه الرحلة التي بدأت عام 1948، وانتهت عام 1950، وهذا التحول لم يكن عبثيا، ولكنه كان إثر رؤية المجتمع الأمريكي الفاسد، فقرر أن يرحل عن حديقة الأدب، ليدخل معترك الفكر والإصلاح، أراد أن يرحل عمدا أو تخطيطا، وليس صدفة، ففي رسالته إلي صديقه وتلميذه أنور المعداوي يقول:"تنتظر عودتي لآخذ مكاني من ميدان النقد الأدبي؟ أخشي أن أقول لك: إن هذا لن يكون، وإنه من الأولي أن تعتمد علي نفسك أن ينبثق ناقد جديد! إنني سأخصص ما بقي من حياتي وجهدي لبرنامج اجتماعي كامل يستغرق أعمار الكثيرين، ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الأدبي لأطمئن إلي هذا الميدان" وعند قراءة وتفكيك الفقرة السابقة المقتبسة من مقدمة شعبان يوسف لرواية "أشواك" نلاحظ أمرين، الأول أن جوهر مشروعه الفكري لم يكن تطبيق الشريعة بقدر ما كان مشروعا إصلاحيا يعمد إلي ما هو مجتمعي، وأنه مشروع يحتاج إلي أعمار الكثيرين إضافة إلي عمره. الأمر الثاني الذي يُقرأ من المقتبس السابق أنه لم ير في مجالي النقد والإبداع شيئا يخالف فكره وشرائعه، بل علي العكس من ذلك فهو يسعي إلي أن يطمئن علي هذا المجال الذي تركه مضطرا علي حبه له، ودليلنا علي تقديره لهذا المجال الإبداعي أنه يود أن يطمئن، ويود أن يطمئن تلميذه. والجدير بالذكر أن سيد قطب ترك لنا كتابين في النقد الأدبي هما: "النقد الأدبي.. أصوله ومناهجه" و"كتب وشخصيات" . علاوةً علي هذا فسيد قطب كان شاعرًا وقصاصًا، ثم أضاف إلي ذلك الكتابة الإسلامية، فثمة كتب تحسب علي التراث الإسلامي لكنها تتميز بأسلوب أدبي مبدع لا يقل إبداعا عن كتبه النقدية والإبداعية، أبرزها "في ظلال القرآن"
وكتاب "التصوير الفني في القرآن"، وهو كتاب في التذوق البلاغي والنقدي للنص القرآني المجيد، كما أن كتابه: "في ظلال القرآن" هو أيضًا، في جانب من جوانبه، تناول بلاغي ونقدي لهذا النص الكريم، وكلا الكتابين مصوغ بأسلوب أدبي مشحون بالدفء، فكتبه في غير مجالي النقد والإبداع تمتعت بالأدبية في الأسلوب والصور الفنية. سيد قطب إذن لم يترك الكتابة الأدبية والنقد الأدبي كما يتصور كثير من الناس.
ورواية "اشواك" التي نشرت عام 1947 نلاحظ أولا أنها كتبت بالتوازي مع كتابه المميز "التصوير الفني في القرآن الكريم" وهي رواية كلاسيكية بمقاييس العصر الذي نشرت فيه، رواية تحكي عن قصة حب نشأت بين شاب من المرجح أنه سيد قطب نفسه، وهذا يبين من الإهداء الذي صُدِّرت به الرواية وفتاة قام بخطبتها، لكن العلاقة لم تكتمل، رغم أن السارد عشق الفتاة حدا جعله يشعر بآلام نفسية عميقة لتركه لها، ورغم نمطية الحدث الذي تعالجه الرواية، ورغم أنها حرصت علي الحبكة الدرامية وكلاسيكية الزمن الذي ينطلق من لحظة حفل الخطوبة الذي جمع بينهما وتنامي الزمن بشكل خطي إلا أن الكاتب أفاد من رشاقة أسلوبه، وجذالة لغته المنسابة برهافة دون تعقيد، ودون أن يقع في فخ القصص الرومانسي، حيث عمد إلي التحليل النفسي للذات الساردة، محاولا كشف مخبوءها النفسي وعلاقتها بالآخر/ المرأة .
من خلال هذا النص السلس لغة وتصويرا حاول سيد قطب أن يعري العادات والتقاليد التي تدين الفتاة إن أقامت علاقة قبل الزواج ولو كانت بريئة وسلط فيها كذلك الضوء علي وضعية المرأة في المجتمع الشرقي. منذ الإهداء الأول الذي قدم به الكاتب روايته نجده لا يدين المرأة علي لسان السارد الذي يحمل بشكل أو بآخر خطابه، بل يدين المجتمع الذي كرّس لتلك الأفكار التي تضع المرأة ومن يشاركها الحياة في صراع تراجيدي فقط لأن تلك الفتاة أحبت شابا آخر قبل خطبتها للبطل. ما يكشف عن نظرة سيد قطب الليبرالية للمرأة أنه لم ترد علي لسان السارد جملة تدين المرأة، بل علي العكس، كان السارد الذي يتحدث بلسانه الراوي العليم يكشف دواخل الفتاة وصراعها، ويدافع عن موقفها.
أفاد سيد قطب في هذه الرواية من السيرذاتية في السرد، فثمة إشارات داخل المتن السردي يجعل القارئ يماهي بين صورة البطل وصورة المؤلف، فالإهداء يحيل للسيرذاتية حيث يقول: "إلي التي خاضت معي الأشواك، فدميت ودميت، وشقيت وشقيت. ثم سارت في طريق وسرت في طريق: جريحين بعد المعركة. لا نفسها إلي قرار. ولا نفسي إلي استقرار"
أيضا ما يحيل علي السيرذاتية أن البطل كاتب مشهور، له مقالاته التي يقرأها الناس، وكأنه هو ذاته سيد قطب، حتي إن البطل حين ذهب مع خطيبته إلي القسم للتبليغ عن أخيها الصغير الذي تأخرت به مربيته في العودة إلي البيت واطلع الضابط علي بطاقته أبدي ترحيبه به بوصفه كاتبًا مرموقًا يكتب في الصحف الواسعة الانتشار، وكلاهما شاعر، وشاعر وجداني، كما أن الاثنين كليهما ريفيان محافظان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.