الديكتاتور!.. رؤساء جامعات يتعاملون بمنطق "الحاكم بأمره".. وأكاديميون: الجهل بالقانون واللوائح السبب والطالب كبش فداء.. والفساد قد يصل لرؤساء الأقسام    132 جنيهًا انخفاضًا للكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    مفتي الجمهورية: قرار الاحتلال بالاستيلاء على قطاع غزة انتهاك لأحكام القانون الدولي    كرة اليد، تعرف على مجموعة مصر في الدور الرئيسي لمونديال الناشئين    حملة لرفع الإشغالات بمحيط ميدان البنوك فى قنا    القبض على طرفي مشاجرة بالزجاجات المشتعلة والتلويح بالسلاح لخلافات الجيرة بالبحيرة    نفاد تذاكر حفل نجوى كرم في مهرجان قرطاج    وكيل صحة الدقهلية يتفقد استعدادات تشغيل وحدة العناية الجديدة ب"صدر المنصورة"    مركز الثقافة السينمائية يحتفي ب'وفاء النيل' بندوة وعرض فيلم يوثق بناء السد العالي    نجوم الفن يؤدون واجب العزاء في سيد صادق.. شاهد    محمود سعد يكشف أخر تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    إيران ترحب بتوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق سلام    قائمة منتخب مصر لخوض بطولة الأفروباسكت 2025    محافظ الإسماعيلية يشهد منتدى الإسماعيلية الاقتصادي الأول للغرف التجارية    مرموش وهالاند يقودان هجوم مانشستر سيتي أمام باليرمو وديا    مراسل الحياة: زوار مهرجان العلمين سعداء بجمال الأجواء وحلاوة حفل تامر عاشور    اللواء أيمن عبد المحسن: نتنياهو يعمل على إبعاد نفسه عن المسائلة    الهيئة الوطنية للانتخابات: 14 أغسطس آخر موعد ل الطعن على نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ    «وداعا سليمان العبيد».. محمد صلاح يشارك تعزية يويفا في وفاة «بيليه فلسطين»    احتلال غزة!    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    البلوجر حسناء شعبان في قبضة الداخلية بتهمة التعدي على قيم المجتمع    محمد عبد الستار يكتب: تحية مستحقة لوزارة الداخلية المصرية    فضل صلاة قيام الليل.. تعرف عليه    يسري جبر: «الباءة» ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    أمين الفتوى يوضح حكم قراءة القرآن والتسبيح دون حجاب    شراكة جديدة بين محافظة المنيا والهيئة القبطية الإنجيلية لدعم الأسر الأولى بالرعاية    تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. توقعات كليات ومعاهد تقبل من 55% وحتى 50% أدبي    ضبط تشكيل «بياضة وطوبسية» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    ينظم الضغط ويحمي القلب.. 6 فوائد ل عصير البطيخ    ترخيص 817 مركبة كهربائية خلال يوليو الماضي ..المركز الأول ل بى واى دى    الموز والتمر- أيهما أفضل لسكري الدم؟    رئيس لبنان: دماء شهدائنا الأبرار لن تذهب هدرا وستبقى منارة تضيء طريق النضال    ب"فستان أنيق".. أحدث ظهور ل نرمين الفقي والجمهور يغازلها (صور)    شيخ الأزهر يلتقى عدد من الطلاب ويستذكر معهم تجربته فى حفظ القرآن الكريم فى "كُتَّاب القرية"    «اتفق مع صديقه لإلصاق التهمة بزوج خالته».. كشف ملابسات مقتل شاب بطلق ناري في قنا    حبس مزارع وشقيقته تسببا في وفاة زوجته بالشرقية    «المستلزمات الطبية» تبحث الاثنين المقبل أزمة مديونية هيئة الشراء الموحد    وزير المالية: حريصون على الاستغلال الأمثل للموارد والأصول المملوكة للدولة    نائب رئيس هيئة الكتاب: الاحتفال باليوم العالمي لمحبي القراءة دعوة للثقافة    محافظ الإسماعيلية يستقبل سفير دولة الهند ويتفقدان مصانع EMBEE    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي    تتبقى 3 أيام.. «الضرائب» تعلن موعد انتهاء مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة    رغم الغضب الدولى ضد إسرائيل.. قوات الاحتلال تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة.. عدد الضحايا يقترب من 62 ألف شخصا والمصابين نحو 153 ألف آخرين.. سوء التغذية والمجاعة تحاصر أطفال القطاع وتحصد أرواح 212 شهيدا    أخبار الطقس في الإمارات.. صحو إلى غائم جزئي مع أمطار محتملة شرقًا وجنوبًا    ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به؟.. يسري جبر يجيب    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بالشكاوى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    برلماني: موقف مصر ضد احتلال غزة رفض تام وحاسم لسياسات الإبادة والتجويع    محافظة الجيزة: أنشطة وبرامج مراكز الشباب من 10 إلى 15 أغسطس 2025    موعد قرعة دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية والقنوات الناقلة    تعرف على موعد فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة    خلال استقباله وزير خارجية تركيا.. الرئيس السيسى يؤكد أهمية مواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.. التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكرى لغزة وضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين    «100 يوم صحة» قدمت 37 مليون خدمة طبية مجانية خلال 24 يوما    مكتب التنسيق الإلكتروني بجامعة العريش يستقبل طلاب المرحلة الثانية    الكوكي: فوز مهم أمام الاتحاد وشخصية المصري كانت كلمة السر في حصد النقاط الثلاث    علي معلول: جاءتني عروض من أوروبا قبل الأهلي ولم أنقطع عن متابعة الصفاقسي    «قعدتوا تتريقوا ولسة».. رسالة نارية من خالد الغندور بعد فوز الزمالك على سيراميكا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشواك
سيد قطب روائيا
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 01 - 2012

" ما يخدع الطغاة شيء كما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانًا، وإنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتمد له أعناقها فيَجُرّ، وتحني له رؤوسها فيستعلي، وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغي! والجماهير تفعل هذا مخدوعةً من جهة، وخائفةً من جهة أخري". هي دعوة سيد قطب الاجتماعية الثورية التي حاول من خلالها أن يثور الجماهير، ويقوم بإصلاحات اجتماعية تنهض بحال المجتمع، وحين أُعدم جراء فكره حوله مريدوه إلي أسطورة، قد تكون أكبر كثيرا من حقيقته، وقد تكون محاولة الأسطرة ظلمته، فقد اختزله مريدوه في دعوته لتطبيق الشريعة، ونسوا فكره الاجتماعي، كما تناسوا عامدين فكره الأدبي والإبداعي، فسيد قطب الذي لا نذكر منه سوي دعواه في الشريعة كان مصلحا اجتماعيا، وكان مبدعا وناقدا أدبيا. لكن تم نسيان الجانب الإصلاحي المجتمعي لأن من أسطروه رأوه جانبا لا يستحق الذكر، فتركوه إهمالا، أما الجانب الإبداعي والنقدي فتناسوه رغبة في نفي وإقصاء هذا الجانب لأنه بحسب رأيهم يقلل من صورته الأسطورية، ومن تلك الهالة المقدسة التي أسبغوها عليه. تناسي هؤلاء أن سيد قطب عُرف كناقد فذّ قدّم كثير من المبدعين الذين دخلوا بوابة الإبداع من خلال مقالاته التي أشادت بهم، ويأتي علي رأسهم مبدع استثنائي دشنه سيد قطب كروائي مجيد، ولم يخب ظن قطب فيه، فذلك الروائي الشاب صار نجيب محفوظ، ولم يقتصر تميز سيد قطب علي النقد فقط، بل كان شاعرا وروائيا، متميزا بمقاييس عصره الإبداعية. وفي ظل الفزع من هيمنة الإسلام السياسي متمثلا في التيارين الرئيسيين منه وهما الإخوان المسلمون ( مريدو الشيخ ) والسلفيون من المهم أن نقرأ إبداع الرجل الذي يحسب علي هذا التيار، بل يُعدّ رائدا من رواده، وقد انتبه لذلك الأمر الشاعر والناقد شعبان يوسف الذي أخذ المبادرة وأعاد نشر رواية سيد قطب الأولي "أشواك" التي صدرت عام 1947، ولاقت في توقيت صدورها اهتمام النقاد والقراء معا. ولم يكتف يوسف بأن أعاد نشر الرواية في الهيئة العامة للكتاب، بل قدّم لها بمقدمة كاشفة لعالم سيد قطب الأدبي، وظروف انصرافه عن النقد والإبداع، كما ناقش وحلل خطابات من اشتبكوا مع سيد قطب فكريا سواء اتفقوا معه أو اختلفوا، وسواء الذين اشتبكوا معه في معارك أدبية وفكرية في حياته أو الذين تناولوه بالبحث والتحليل بعد مماته مثل الناقد علي شلش وحلمي النمنم وغيرهم .
عمد يوسف إلي تحليل وتفكيك خطابات من اشتبكوا معه فجاءت المقدمة بمثابة الكشف الفكري لقارئ سيد قطب، وخاصة إن لم يكن قد قرأ عن تلك المعارك الأدبية والفكرية التي خاضها دفاعا عن رؤاه وتوجهاته الفكرية والأدبية قبل أن ينصرف عن ذلك إلي المشروع الفكري الديني الذي قضي بسببه وهو التكريس والتنظير لتطبيق الشريعة الإسلامية .
فنّد شعبان يوسف تلك الأقوال التي قالت بأن سيد قطب انصرف لطريق الدين لأنه لم يتحقق أدبيا وإبداعيا، مؤكدا أن انصراف قطب لمجال آخر لم يكن إنكارا للمشروع النقدي والأدبي، بل كان تحويل مسار لطريق اختاره راضيا، ويستدل يوسف برسالة قطب إلي تلميذه أنور المعداوي التي يمكن أن نفهم منها أن الرجل لم يكن كارها للنقد والإبداع، بل لديه مشروع آخر أولي باهتمامه يقول: "المحك الأول في التعرف علي الرجل وفكره ومسيرته، وتقلباته و تحولاته الدراماتيكية، من ناقد أديب ومفكر، إلي داعية إسلامي، ويتنكر لكونه المبدع والناقد بعد رحلة ظلت عامين إلي أمريكا، هذه الرحلة التي بدأت عام 1948، وانتهت عام 1950، وهذا التحول لم يكن عبثيا، ولكنه كان إثر رؤية المجتمع الأمريكي الفاسد، فقرر أن يرحل عن حديقة الأدب، ليدخل معترك الفكر والإصلاح، أراد أن يرحل عمدا أو تخطيطا، وليس صدفة، ففي رسالته إلي صديقه وتلميذه أنور المعداوي يقول:"تنتظر عودتي لآخذ مكاني من ميدان النقد الأدبي؟ أخشي أن أقول لك: إن هذا لن يكون، وإنه من الأولي أن تعتمد علي نفسك أن ينبثق ناقد جديد! إنني سأخصص ما بقي من حياتي وجهدي لبرنامج اجتماعي كامل يستغرق أعمار الكثيرين، ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الأدبي لأطمئن إلي هذا الميدان" وعند قراءة وتفكيك الفقرة السابقة المقتبسة من مقدمة شعبان يوسف لرواية "أشواك" نلاحظ أمرين، الأول أن جوهر مشروعه الفكري لم يكن تطبيق الشريعة بقدر ما كان مشروعا إصلاحيا يعمد إلي ما هو مجتمعي، وأنه مشروع يحتاج إلي أعمار الكثيرين إضافة إلي عمره. الأمر الثاني الذي يُقرأ من المقتبس السابق أنه لم ير في مجالي النقد والإبداع شيئا يخالف فكره وشرائعه، بل علي العكس من ذلك فهو يسعي إلي أن يطمئن علي هذا المجال الذي تركه مضطرا علي حبه له، ودليلنا علي تقديره لهذا المجال الإبداعي أنه يود أن يطمئن، ويود أن يطمئن تلميذه. والجدير بالذكر أن سيد قطب ترك لنا كتابين في النقد الأدبي هما: "النقد الأدبي.. أصوله ومناهجه" و"كتب وشخصيات" . علاوةً علي هذا فسيد قطب كان شاعرًا وقصاصًا، ثم أضاف إلي ذلك الكتابة الإسلامية، فثمة كتب تحسب علي التراث الإسلامي لكنها تتميز بأسلوب أدبي مبدع لا يقل إبداعا عن كتبه النقدية والإبداعية، أبرزها "في ظلال القرآن"
وكتاب "التصوير الفني في القرآن"، وهو كتاب في التذوق البلاغي والنقدي للنص القرآني المجيد، كما أن كتابه: "في ظلال القرآن" هو أيضًا، في جانب من جوانبه، تناول بلاغي ونقدي لهذا النص الكريم، وكلا الكتابين مصوغ بأسلوب أدبي مشحون بالدفء، فكتبه في غير مجالي النقد والإبداع تمتعت بالأدبية في الأسلوب والصور الفنية. سيد قطب إذن لم يترك الكتابة الأدبية والنقد الأدبي كما يتصور كثير من الناس.
ورواية "اشواك" التي نشرت عام 1947 نلاحظ أولا أنها كتبت بالتوازي مع كتابه المميز "التصوير الفني في القرآن الكريم" وهي رواية كلاسيكية بمقاييس العصر الذي نشرت فيه، رواية تحكي عن قصة حب نشأت بين شاب من المرجح أنه سيد قطب نفسه، وهذا يبين من الإهداء الذي صُدِّرت به الرواية وفتاة قام بخطبتها، لكن العلاقة لم تكتمل، رغم أن السارد عشق الفتاة حدا جعله يشعر بآلام نفسية عميقة لتركه لها، ورغم نمطية الحدث الذي تعالجه الرواية، ورغم أنها حرصت علي الحبكة الدرامية وكلاسيكية الزمن الذي ينطلق من لحظة حفل الخطوبة الذي جمع بينهما وتنامي الزمن بشكل خطي إلا أن الكاتب أفاد من رشاقة أسلوبه، وجذالة لغته المنسابة برهافة دون تعقيد، ودون أن يقع في فخ القصص الرومانسي، حيث عمد إلي التحليل النفسي للذات الساردة، محاولا كشف مخبوءها النفسي وعلاقتها بالآخر/ المرأة .
من خلال هذا النص السلس لغة وتصويرا حاول سيد قطب أن يعري العادات والتقاليد التي تدين الفتاة إن أقامت علاقة قبل الزواج ولو كانت بريئة وسلط فيها كذلك الضوء علي وضعية المرأة في المجتمع الشرقي. منذ الإهداء الأول الذي قدم به الكاتب روايته نجده لا يدين المرأة علي لسان السارد الذي يحمل بشكل أو بآخر خطابه، بل يدين المجتمع الذي كرّس لتلك الأفكار التي تضع المرأة ومن يشاركها الحياة في صراع تراجيدي فقط لأن تلك الفتاة أحبت شابا آخر قبل خطبتها للبطل. ما يكشف عن نظرة سيد قطب الليبرالية للمرأة أنه لم ترد علي لسان السارد جملة تدين المرأة، بل علي العكس، كان السارد الذي يتحدث بلسانه الراوي العليم يكشف دواخل الفتاة وصراعها، ويدافع عن موقفها.
أفاد سيد قطب في هذه الرواية من السيرذاتية في السرد، فثمة إشارات داخل المتن السردي يجعل القارئ يماهي بين صورة البطل وصورة المؤلف، فالإهداء يحيل للسيرذاتية حيث يقول: "إلي التي خاضت معي الأشواك، فدميت ودميت، وشقيت وشقيت. ثم سارت في طريق وسرت في طريق: جريحين بعد المعركة. لا نفسها إلي قرار. ولا نفسي إلي استقرار"
أيضا ما يحيل علي السيرذاتية أن البطل كاتب مشهور، له مقالاته التي يقرأها الناس، وكأنه هو ذاته سيد قطب، حتي إن البطل حين ذهب مع خطيبته إلي القسم للتبليغ عن أخيها الصغير الذي تأخرت به مربيته في العودة إلي البيت واطلع الضابط علي بطاقته أبدي ترحيبه به بوصفه كاتبًا مرموقًا يكتب في الصحف الواسعة الانتشار، وكلاهما شاعر، وشاعر وجداني، كما أن الاثنين كليهما ريفيان محافظان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.