لم أكن أتوقع أن يكون المفكر الإسلامي سيد قطب كاتب رومانسي جدا، إلا بعد ان قرأت روايته "أشواك" التي أعادت الهيئة العامة للكتاب نشرها بعد مرور حوالي 56 عاما منذ أن نشرت لأول مرة في عام 7491. عرفناه كاتبا وأديبا وشاعرا ومنظرا اسلاميا، وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين.. لكن أن يكون كاتبا رقيقا عذب المشاعر عميق الاحساس في كتاباته الابداعية هذا ما اكدته سطور روايته الرائعة. الرواية تعكس ببراعة الحالة الاجتماعية للطبقة الوسطي القاهرية في ذلك الوقت حيث الانفتاح النسبي في العلاقات الإنسانية مع حضور طاغ للأصول والآداب المرعية، تبدو الحياة في القاهرة هادئة مريحة فيها احترام و تجانس، وتبدو نقيضا للحالة السائدة الآن بكل ما فيها من ضجيج وزحام وافتقاد لكل الأصول والآداب العامة واستقطاب حاد بين تيارات متصارعة، وكنت قد أجلت قراءة هذه الرواية لأكثر من مرة الي ان قررت قراءتها هذا الاسبوع ولم استطع تركها إلا بعد الانتهاء منها فهي رواية مكتوبة بأسلوب رشيق وجذاب وتحمل بين سطورها رائحة زمن الرومانسية الجميل. الرواية تحكي قصة حب وقعت لسامي الكاتب الصحفي المثقف المتفتح ل"سميرة" الجميلة ابنة الطبقة الوسطي التي تتمتع بنوع من الحرية المحسوبة التي كانت تعيشه البنات في ذلك الوقت، وتبدأ الرواية باعتراف سميرة لسامي ليلة حفل خطوبتهما بأنها كانت علي علاقة مع "ضياء" وهو يعمل ضابطا ولكنه لم يتزوجها بسبب رفض عائلته للزواج من سميرة ومن اول صفحات الرواية التي كتبها الاديب سيد قطب بدءا من الاهداء الذي جاء فيه "إلي التي خاضت معي في الأشواك، فدميت ودميت وشقيت وشقيت، ثم سارت في طريق وسرت في طريق، جريحين بعد المعركة، لا نفسها إلي قرار ولا نفسي إلي استقرار.... الي نهاية القصة نشعر وكأننا نعيش احداث ووقائع رومانسية راقية اختفت من حولنا ولم يعد لها وجود بهذه الصورة التي رسمها بقلب شاعر وفكر اديب يمتلك ادواته في الكتابة فالرواية كشفت جانبا جديدا لدي المفكر والأديب (سيد قطب) صاحب (في ظلال القرآن) و(معالم في الطريق) من خلال تناوله لتفاصيل المشاعر الانسانية لشاب ملتزم ومثقف لفتاة كان لها ماض مما أحزنه في أعماقه وتغلب علي شعوره بكبرياء العاشق الذي اصابته خيبة امل في الفتاة الجميلة التي احبها بكل جوارحه ولم يستطع التخلص من هذا الحب طوال صفحات الرواية التي يصف فيها حالته بعد الفراق ووصف الحبيبة بأنها " الحورية الهاربة " وتأتي صفحات الرواية تطوي صفحة وراء صفحة حالة من حالات وجد البطل وهيامه للبطلة التي لم يستطع نسيانها فجعلها تعيش في احلامه لقد عاش في هذه الأحلام عيشة الواقع، واستغرق في هذا الخيال حتي لم يعد يفرق بينه وبين الحقيقة وتنتهي الرواية بأن يناجي البطل نفسه قائلاً بعد أن كان يحلم بحبيبته ويتصور أنها لها وحده : "أحلام؟ وما الفرق بين الحلم والحقيقة إذا كان كلاما يستجب له القلب وترك آثاره في النفس والحياة؟، خيالات! وما الفرق بين الخيال والواقع، وكلاما طيف عابر يلقي ظلالا علي النفس ثم يختفي من عالم الحس بعد لحظات؟ وقد قدم للرواية الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف فجاء هذا التقديم كإضاءة تنويرية للعمل ومن جانب اخر مواكبا للمناخ الجديد في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية قائلا: اننا نحتاج الي الانفتاح بأوسع قدر من الحرية، الحرية التي تعطي وتجيب عن أسئلة ظلت معلقة في سماء الثقافة وليست الحرية الفوضي التي تأخذ من كياننا الثقافي وتضره ويقول الناقد الكبير ان رواية اشواك هي احد ابداعات سيد قطب المقموعة بفعل فاعل اولهم سيد قطب ذاته، ثم رفاقه الذين يعتبرون فكره قبل تحوله حراما.