كان من أعظم أحداث القرن العشرين خطرا، وأبعدها أثر" قيام دولة الكيان الصهيوني العدواني المغتصب" التي سموها (إسرائيل)، وذلك في 15 مايو 1948م، وهي الدولة التي خطط لها (هرتزل) وجماعته، وعقدوا لها مؤتمر (بازل) 1897م . وأعلن فيه أن الدولة اليهودية ستقوم بعد خمسين سنة. كان هذا حصاد غرس مر طويل، عمل فيه اليهود بمساندة الاستعمار الغربي عقودا مديدة من الزمن، وقاوم الفلسطينيون ما وسعتهم المقاومة، ولكن المؤامرة كانت أكبر من طاقتهم ومن إمكاناتهم المحدودة، وقد كان العرب والمسلمون في غفلة لاهية عما يجري. وكان من مكر اليهود أن كادوا كيدهم لتحطيم القلعة الإسلامية التاريخية التي كانت تصون وحدة المسلمين، وتعبر عن أمتهم، وهي (الخلافة الإسلامية) لأن السلطان عبد الحميد رفض مطالب هرتزل وجماعته، برغم ملايين الليرات الذهبية لخزانة الدولة، ولخزانته الخاصة.
وكان ضياع الخلافة هو الخطوة الأولى لضياع فلسطين. أجل، لو كان للمسلمين خليفة مطاع مسموع الكلمة، لأصدر نداء عاما للأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها: أن يهبوا لإنقاذ أولى القبلتين، وأرض الإسراء والمعراج، وألا يمكنوا شذّاذ الآفاق من اليهود من الاستيلاء عليها، وأن ينفروا خفافا وثقالا، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. وكان المفروض أن يهب المسلمون عن بكرة أبيهم، لإنقاذ أرضهم، ومقدساتهم، وطرد عدوهم، ونجدة إخوانهم.
لم يكن قيام دولة الاغتصاب الصهيوني نكبة للفلسطينيين وحدهم، بل كان نكبة للأمة الإسلامية كلها، عربهم وعجمهم، كما كان نكبة للعرب جميعا، مسلمهم ومسيحهم.
وقد ظل الإعلام العربي ممثلا في صحفه وإذاعاته لا يذكر كلمة (إسرائيل) إلا ويلحقها بوصف (المزعومة) وذلك لعدة سنوات، ثم خجلنا من أنفسنا بعد أن أصبحت هذه المزعومة تعيث فسادا في المنطقة العربية، ولا نجد من يردها أو يؤدبها، فهي تصفع هذه الجهة، وتركل تلك، ونكتفي نحن بالشجب والاستنكار، والشكوى لمجلس الأمن، حتى بلغت شكاوانا عند مجلس الأمن آلافا، عند ذلك تركنا كلمة (المزعومة) بعد أن أوشكنا أن نكون نحن المزعومين!