ليست المرة الأولى التي يطالب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في خطابته الحوار المباشر مع المملكة العربية السعودية، فهو في كل خطاب أو لقاء صحفي يقول كلمته التي باتت مرافقة له في كل تصريحاته الصحافية، على اعتبار أن المملكة العربية السعودية هي من كونت تحالف عسكري لمحاربة اليمن، مستدلًا بحديث الرئيس اليمني الحالي عبده ربه منصور هادي في حديثة لقناة أبو ضبي أنه لم يعرف عن عاصفة الحزم شيئًا إلا عندما وصل سلطنة عمان. لكن هذه المرة كان دعوة صالح مختلفًا وقويًا لاسيما بعد الاتفاق السياسي مع الحوثيين بتأسيس مجلس سياسي أعلى لإدارة شئون البلاد، هو ما يعني اكتساب زخمًا سياسيًا أقوى، لمواجهة التحالف وإصرار حكومة هادي على تنفيذ القرار الأممي 2216 بحذافره، وتسليم رقابهم له عبر اتفاق سياسي فشلوا في تنفيذه عسكريًا.. وودعا صالح، السبت 30 يوليو (أي بعد يومين من تأسيس مجلس سياسي أعلى) إلى حوار مع السعودية، "في أي مكان تريده"، واصفا إياها ب"الشقيقة الكبرى"، وهي محاولة من ضمن محاولاته الكثيرة لوقف الحرب في اليمن، لا تلقى أي اهتمام من قبل الطرف الآخر الذين يريدون تهميشه أو إخفائه من الساحة السياسية. وأشار الرئيس اليمني السابق إلى أنه لن يتحاور مع بقية دول التحالف، ووصفها ب" التابعة" للسعودية، كما هددها بأنه سيكون له حسابات أخرى مع الدول الأخرى التي شاركت في التحالف العربي، خص بذلك السودان التي طالبها بحماية بلادها من التشتت والانقسام. وتطرق علي عبد الله صالح إلى" المجلس السياسي" الذي أعلنت الأممالمتحدة وتركيا وسفراء دول ال 18 الراعية للتسوية باليمن ودول الخليج رفضها له، قائلا إن ذلك كان لزاما وأن توقيع الاتفاق التاريخي مع أنصار الله الحوثي، ليحل المجلس السياسي محل رئاسة الدولة، لافتا إلى أن المعادلة ستتغير بعد هذا التحالف التاريخي. أرسل الرئيس السابق في حديثه الأخير عدة رسائل إلى خصومه السياسيين والإقليميين والأممالمتحدة، سنحاول قرآتها في السطور التالية. السعودية أرسل صالح الرسالة الأولى إلى المملكة العربية السعودية، مطالبًا إياه بالمحافظة على أمنها القومي من داخل أراضيها وليس من اليمن، ووحدة اليمن من وحدة الأراضي السعودية، وهو تحذير منه أن هناك مؤامرة دولية ضد المملكة العربية السعودية لتقسيم أراضيها، وربما أراد أن يقول لها إن تلك الدول تدعم الرياض جهرًا وتدعم اليمن سرًا محاولة منها لزعزعة استقرارها واندلاع حرب في المملكة العربية السعودية تنتهي بإعادة تقسيمها إلى ثلاث دويلات يسهل من السيطرة على النفط، وهي رسالة على المملكة العربية السعودية أن تفهمها وأن تضع لذلك ألف حساب، وأن تقبل العرض الذي قدمه لها بأن المقابل هو احتضان الرئيس عبده ربه منصور هادي مقابل عدم التحالف مع دول إقليمية تريد الإضرار بوحدة المملكة. في وقت سابق كان صالح قال في خطاب مقتضب بثته وسائل إعلام يملكها، خلال لقاء جمعه بشخصيات موالية له من حزبه المؤتمر الشعبي العام، "لم ندخل الحرب بعد، وإن استمرت السعودية في غيها، ولم تنصع للحوار، فسندخل الحرب وسنكون في خط المواجهة الأول"، لكن هذه المرة كان أكثر وضوحًا، وقال إن لم تقبل السعودية الحوار المباشر سوف تنقلب موازين القوى في المنطقة، وذكرها بأهمية الحوار كأشقاء إخوة كما حدث في سبعينيات القرن الماضي عندما تحاورت السعودية مع الجمهوريين وأفضى ذلك الحوار إلى احتضان المملكة للعائلة الملكية اليمنية (أل حميد الدين) في الرياض. خصوم صالح الرسالة الثانية هي وجهها لخليفته هادي، ومن معه، أن هناك اتفاقيات وقوانين تشكل خلف الكواليس، سوف تفضي في الأول والأخير لخدمة من يتواجد في اليمن ووقف ضد الحرب، وأن الباب ما زال مفتوحًا لهم من أجل العودة إلى اليمن وإعلان موقف ثابت وأخير من ذلك الحرب والتحالف قبل أن يغلق الأبواب أماهم نهائيا، وإن مصيرهم قد يكون مصير أسرة (ألحميد الدين). هذه الرسالة مشتركة بين خصومه والدول المتحالفة في هذه الحرب والتي سعت وما زالت تسعى على الأقل فك التحالف بين صالح والحوثيين، ودعت الأخيرين بمعزل عنه إلى حوار في الرياض تحت عنوان أساسي، وهو الاتفاق على وقف إطلاق النار على الحدود بين البلدين كخطوة أولى، وتجاوب الحوثيون مع هذه الدعوة، وهم يدركون جيدا النوايا الحقيقة من خلفها، وانطلاقا من استراتيجتهم في كسب الوقت، وأراد أن يقول لهم لقد فشلتم في ذلك. الأممالمتحدة في خطابه أثبت صالح أنه ما زال رقمًا صعبًا في اليمن وأن الأمور ما زالت بيده، وهو يستطيع أن يحرك الأطراف السياسية الداخلية كما يريد وفي أي وقت، وهي رسالة إلى الأممالمتحدة بأن تجاهله في أي عملية سياسية قادمة لن تفلح، مع أهمية استجابة لمطالبة في رفع الحصار وإلغاء وضع اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة وإلغاء العقوبات على الأفراد. المجلس السياسي وفي 28 يوليو 2016، أعلنت جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، عن تشكيل مجلس سياسي لإدارة شؤون البلاد. الاتفاق المشار إليه الموقع في العاصمة اليمنية صنعاء ينص على تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد يتكون من عشرة أعضاء، وللمجلس الحق في إصدار القرارات واللوائح اللازمة لإدارة البلاد، ورسم السياسة العامة للدولة. ووقع الجانبان ما أسمياه "الاتفاق الوطني السياسي"، الذي بموجبه ستتحدد مسؤولية قيادة البلاد، وتسيير أعمال الدولة وفقًا للدستور الدائم للجمهورية اليمنية، والقوانين النافذة، وحسب البيان الصادر عن اللقاء بين الجانبين. وما يفهم من تأسيس المجلس السياسي الأعلى هو إلغاء الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيون في فبراير 2015، وحل اللجنة الثورية التي كانت تحكم البلاد خلال الفترة الماضية، والعودة إلى العمل بالدستور اليمني النافذ، وهذا الإتفاق جعل من اللجنة الثورية العليا أو إعلانهم الدستوري كأنها لم تكن، وهو ما يعني بقاء مجلس النواب اليمني المقرر أن ينظر في استقالة الرئيس عبده ربه منصور هادي وفقًا للدستور اليمني.. إرباك التحالف الإعلان عن تشكيل المجلس أربك التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وأحدث صدمة للرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي والأممالمتحدة، ويدل ذلك هو الرد السريع من قبل التحالف على لسان مصدر فيه أن إعلان تشكيل مجلس سياسي أعلى في اليمن ينسف المشاورات وعلى مجلس الأمن اتخاذ خطوات فورية، وهو نفس ما رأته الحكومة اليمنية التي اعتبرته نسفًا لجهود إحلال السلام، كذلك موقف المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ الذي أصدر بيانًا أقل ما يقال عنه إنه إدانة، وقال إنه انتهاك قوي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. لكن المشاورات اليمنية لم تنسف ولا غير ذلك عنها شيئًا، بل تم تمديد لها أسبوع آخر، وكان الرد السريع من قبل عبده ربه منصور هادي بالقبول بالخارطة الأممية التي أعلن عنها ولد الشيخ، مشترطًا أن يوقع عليها الحوثيين قبل يوم سبة من شهر أغسطس 2016. لن يوقع الحوثيين على تلك المبادرة لكونها مجزأة، وهم يطالبون بأن يتم التوقيع عليها بشكل كامل دون تجزأتها، وسط رفض من قبل وفد هادي بتجزئتها. مراعاة الصدام الأممي في حقيقة الأمر أن الاتفاق سهل من التحاور مع وفدين اثنين (الحوثيين وصالح) واختزله إلى وفد واحد، ولن يكون له أي تأثير على نتيجة المفاوضات في حال التعامل مع المجلس الجديد على أنه يمثل خصم واحد دون خصمين سياسيين، لاسيما وأنه حقق هدفا واحدًا من أهداف القرار الأممي 2216، وهو إلغاء الإعلان الدستوري الذي بموجبه ينسحب الحوثيين من المؤسسات الحكومية التي يسيطرون عليها. التراجع عن الإعلان الدستوري والتنازل عنه، كان هدف أساسيًا وشرطًا غير قابل للنقاش بالنسبة لعلي عبدالله صالح الرئيس اليمني السابق، مقابل أن يوافق المؤتمر الشعبي العام على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة من الطرفين، ومع قبول الحوثيين هذا الشرط وعدم تشكيل حكومة وحدة وطنية يبدو أنه راعا محذور التصعيد مع المجتمع الدولي، واختار ما يسمى "المجلس السياسي" كحل وسط " بدلا عن "الرئاسي"، وهو كما يعني أيضًا اللعب بقطع الشطرنج، وعدم تشكيل حكومة جديدة أو مجلس رئاسي أو منح فرصة أخيرة للحل السياسي، وإن فشلت التسوية السياسية قد يصبح هذا المجلس فيما بعد مجلسًا لحكم البلاد وإدارتها. ومن خلال تسمية هذا المجلس " المجلس السياسي الأعلى" وبنوده يبدو أنه وليد ضغوط ومجاراة، ضغوط من الحوثيين على الرئيس اليمني السابق لتشكيل حكومة وحدة وطنية وتخفيف الضغط عليهم، ومجاراة لهم من صالح، لكن الأخير أستطاع أن يخفف من حدة المشروع حتى لايزيد من حدة الصدام مع الإقليم والعالم، مع تحقيقه في المقابل نقطة هامة هي اسقاط الاعلان الدستوري الذي كان هدفًا أسمى له. الخلاصة "المجلس السياسي الأعلى" هو اتفاق سياسي يعزز من تماسك الجبهة الداخلية أكثر من كونه شرعية جديدة، ومازال غامضًا في بعض بنوده التي تركت لتحديد الاختصاصات، ويبدو أنه أعد على عجل لمواجهة ضغوط المفاوضات أو ربما لقطع الطريق على محاولات شق الصف بين المؤتمر والحوثيين، ومازالت نقطة إحياء المؤسسة التشريعية كخط مواز لشرعية الرئاسة او بديل عنها غامضة ولم تحدد في الاتفاق حتى فيما يتعلق بمصير ما يسمى "اللجنة الثورية العليا" والتي دعت الى خروج مسيرات يوم الاثنين مما يشير إلى بقائها وأنها لم تمس حتى الان.