اهتمت الصحف المصرية والعربية ببيان المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي وجهه إلى الشعب المصري بخصوص الأحداث التي يشهدها ميدان التحرير منذ مطلع الأسبوع الجاري. بعد أن تفاقمت الأحداث, وسالت الدماء وسقط مئات الجرحي وعشرات الشهداء عاد ميدان التحرير ليوحد صفوف المصريين من جديد، فعلى وقع ضغط الحشود الهائلة، التي ناهزت المليون وتدفقت على ميدان التحرير في قلب القاهرة، أمس، في “مليونية الإنقاذ الوطني”، وفي خضم المواجهات التي تجددت وأوقعت عشرات الجرحى، إلى جانب الاحتجاجات في العديد من المحافظات المصرية الأخرى.
وأشارت صحيفة المصري اليوم إلى أنه على النقيض من حشود جمعة الغضب فى 28 يناير الماضى، غابت جماعة الإخوان المسلمين عن المشهد تماماً، فيما شاركت التيارات الثورية والليبرالية والسلفية بكثافة، مدعومة بمسيرات من طلاب المدارس الثانوية والجامعات والأقباط، وأغلقت الشرطة العسكرية جميع المداخل المؤدية إلى وزارة الداخلية بالأسلاك الشائكة، وتحول ميدان التحرير إلى مستشفى ميدانى واسع لعلاج المصابين بطلقات الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع.
وكانت خطوات البحث عن حل سياسي تتواصل، حيث عقد نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رئيس الأركان الفريق سامي عنان اجتماعاً مع ممثلي القوى السياسية جرى خلاله الاتفاق على تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإجراء الانتخابات في موعدها وتسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة قبل نهاية يونيو 2012 .
وحسب صحيفة الخليج الإماراتية أن هذه المطالب أكدها لاحقاً رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي في خطابه إلى الشعب، إلى جانب إعلانه قبول استقالة حكومة الدكتور عصام شرف، وتكليفها تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وأبدى استعداده لتسليم السلطة فوراً عبر استفتاء شعبي، مشدداً على أن القوات المسلحة لن تكون بديلاً عن سلطة الشعب ولا تطمح في الحصول على السلطة.
لكن لسان المشهد الناطق في قلب مصر، وفق ما نشرت صحيفة الأهرام، ردد طويلا وكثيرا ( الشعب يريد) رحيل المجلس العسكري: إرحل.. إرحل يا مشير، وقالت الصحيفة: دوت الهتافات بالرغم من الطلقات المطاطية والقنابل المسيلة للدموع, التي لم تنقطع طوال أمس حتي وصلت إلي ميدان باب اللوق.
وأشارت صحيفة روز اليوسف إلى أنه تم تشييع جنازة أحد المتظاهرين الذي توفي وسط الميدان، وردد المتظاهرون أثناء تشييع الجنازة: مش هنسيبك.. مش هنسيب حقك يا شهيد، و.. «إحنا الشعب الخط الأحمر.. يسقط يسقط حكم العسكر» وأجمع المعتصمون داخل التحرير علي ضرورة تسليم السلطة للمدنيين في أقرب وقت، وأن يعود الجيش إلي ثكناته، ورفضوا التفاوض نهائيا مع المجلس العسكري، واعتبروا هذا التفاوض تكراراً لنفس السيناريو الذي حدث من قبل أثناء ثورة 25 يناير.
فيما نقلت صحيفة الأهرام عن الدكتور ممدوح حمزة الأمين العام للمجلس الوطنى المصرى اعتقاده بأن طرفا ثالثا ربما يكون قد دخل بين الجانبين ويطلق طلقات الخرطوش على الشرطة وعلى المعتصمين فى وقت واحد.
كان هذا هو أبرز ما تناولته الصحف المصرية والعربية حول الأزمة الحالية التي تشهدها مصر من مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث جاء في عناوين الصحف المصرية:
وفي صحيفة الأهرام " الملايين تطالب بالانقاذ.. والشرطة تطلق الرصاص.. هتافات بالميادين: يامشير.. الشرعية في التحرير.. الاخوان يقاطعون والوسط والسلفيون يشاركون" و"الجماهير تهتف: يسقط.. يسقط.. حكم العسكر" و"ممدوح حمزة : طرف ثالث يوجه طلقات الخرطوش على الشرطة والمعتصمين".
وفي صحيفة الأخبار "قبول استقالة شرف وتشكيل حكومة إنقاذ"، انتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية يونيو القادم" و"طنطاوي: مستعدون لتسليم المسئولية فورا إذا أراد الشعب عبر استفتاء"، "الجماهير في التحرير: القرارات غير كافية"، " 11.6 مليار جنيه خسائر البورصة بسبب أحداث التحرير".
وفي صحيفة الجمهورية: الشعب يريد إنقاذ مصر"" مليونية التحرير: سلطة مدنية.. حكومة قومية.. عدالة اجتماعية" و"المشير حسين طنطاوي في كلمته: القوات المسلحة لن تكون بديلاً عن الشرعية الحقيقية.. لم ننفرد بقرار سياسي.. كنا ومازلنا علي قرارنا بعدم إطلاق النار علي أي متظاهر"، الميدان يغلي.. الصدام مستمر.. الجرحى يتساقطون.
وفي صحيفة المصري اليوم دماء «الثورة الثانية» تدفع ثمن أخطاء «العسكرى»، ثوار «التحرير» يرصدون مكافأة مالية لمن يدلى بمعلومات عن الضابط «قناص العيون»، انشقاق داخل «الإخوان» بسبب الغياب عن المليونية"، "مرشحو «الشعب» يعلقون حملاتهم الانتخابية تضامناً مع «التحرير».
وفي صحيفة روزاليوسف: "غليان ضد المجلس العسكري" .. "الشرعية الثورية تحكم مصر".. "ضباط جيش ينضمون للمعتصمين.. وينادون بتسليم السلطة لمجلس مدني".
وفي صحيفة الشرق الأوسط " «التحرير» لا يزال غاضبا والمشير: مستعد للتسليم باستفتاء".. "المشير طنطاوي: المجلس الأعلى لا يطمح للحكم.. والجيش ليس بديلا عن الشرعية .. متظاهرو التحرير يرفضون بيان المشير طنطاوي ويهددون بالتصعيد.. فنانو مصر يستقيلون من مناصبهم الحكومية والنقابات الفنية ترفض العنف.. الدراجات النارية تتحول إلى «سيارات إسعاف» لإنقاذ مصابي التحرير".
وصدرت صحيفة الحياة اللندنية صفحتها الرئيسية ب: "مليونية صاخبة تختصر عهد المجلس العسكري.. طنطاوي: لا نريد الحكم ونغادر فورا إلى الثكن بعد استفتاء.. والميدان يرد بمليونية جديدة الجمعة".
وكتبت صحيفة القدس العربي : "تعهد بتسليم السلطة نهاية حزيران وقبل استقالة شرف ولم يعتذر عن سقوط شهداء.. خطاب طنطاوي يفشل في ارضاء ميدان التحرير.. نجاح المليونية يهمّش 'الاخوان' والاحزاب.. والثوار يواصلون الاعتصام حتى تنفيذ مطالبهم.. واشنطن تشيد بتطمينات المشير طنطاوي على تسليم السلطة في مصر للمدنيين".
وفي صحيفة الخليج الإماراتية : "التحرير" ينبض لمصر و"العسكري" مستعد للتسليم باستفتاء".
وكتبت صحيفة البيان الإماراتية: "انتخابات مصر في موعدها وقبول استقالة «شرف».
وعلق الكاتب أحمد رجب على الأحداث في صحيفة الأخبار قائلا: نحن نصنع مآسي مصر بأيدينا، مصر هي الضحية، ومصر هي الهدف لكل طلقة نار، ومصر هي التي تختنق بقنابل الغاز، ومصر هي التي تنزف أمام عيوننا، ومصر هي التي ننظر إليها بقلب بارد وهي تطلق الأنين . ما الذي نفعله بمصر نحن المصريين؟!
وفسر الدكتور كمال الهلباوي المتحدث باسم الإخوان المسلمين في الغرب، في حوار مع صحيفة الأخبار ما يحدث في مصر الان بأنه نتيجة للتحول الثوري الذي وقع ولم يكتمل فالثورة قامت واجبرت رأس النظام والدائرة القريبة منه علي التنحي، وحملت مسئولية ادارة البلاد الي الجيش، ولم يشارك الثوارفي الإدارة ووقفوا في الجانب الاخر بمطالبهم.
وقال: هذا خطأ في حق الثورة نتج عن عدم وجود قيادة مستقلة لها تضع مصلحة البلد أولا وأخيرا أمامها، فاضطر الثوار الي العودة الآن الي الميدان مرة أخرى، ولكن بروح جديدة، خاصة ان الاحزاب انشغلت باجندتها الخاصة ومتطلباتها.
وفي هذا السياق قال الدكتور عمرو الشوبكي في مقاله بصحيفة المصري اليوم : إن الخطأ الهيكلى الأكبر بدأ فى إصرار المجلس العسكرى على تحويل ميزة عدم ممارسته السياسة إلى عيب نتيجة إصراره على التفرد بإدارة المرحلة الانتقالية بعيدا عن شراكة من أى نوع تقوم بها حكومة إنقاذ وطنى حقيقية، وحرصه وفق الطريقة المباركية الشهيرة على الاحتفاظ بحكومة ضعيفة وباهتة، واستبعاد كل المقترحات التى دعت إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطنى.
وأضاف: إن مصر تدفع ثمن مسار مرتبك لم نقم فيه بأى تغيير ولو محدوداً فى أى مؤسسة من مؤسسات الدولة، خاصة فى وزارة الداخلية التى يدفع الشرفاء من أبنائها ثمن غياب الرؤية السياسية والفهم السياسى للمجلس العسكرى والحكومة الفاشلة.
وقالت صحيفة الجمهورية في افتتاحيتها: ان الاستجابة لهذه المطالب كفيلة بنزع فتيل أزمة خطيرة تهدد مستقبل الثورة وتضع البلاد علي حافة صدام مروع تلوح نذره بين قوي كاسحة قامت بالثورة وأسقطت النظام السابق وتسعي لنظام جديد يحمل الحرية والكرامة والعدالة للانسان المصري. وبين قوي أخري مضادة لا تريد للثورة أن تنجح وأن لا تمر علي أنقاض مصالحهم وامتيازاتهم إلا فوق أجساد الشباب طليعة الثورة كما حدث خلال الأيام الدامية الماضية وهو ما لن يسمح شعب مصر الثائر بتكراره أبدا.
وتناولت صحيفة الخليج الإماراتية الأوضاع في مصر مشيرة إلى أن " اللوحة المتفككة التي يراد إبرازها لمصر قد تخدم طرفاً إلى حين لكنها لا تخدم مصر بالمرة.
وقالت: هذه التشققات التي يريد البعض تظهيرها وتثبيتها من شأنها أن تسمح لكل ذي غرض أن يتسلل منها، وما أكثر الأطراف الشريرة التي تكيد لمصر وتعمل لإغراقها في فوضى تمنع قيامتها، وفي مقدمتها العدو الصهيوني الذي يعمل، هو وغيره ممن يدعمونه ويحمونه، لشطب أرض الكنانة من أية معادلة".
وقالت صحيفة البيان الإماراتية في افتتاحيتها " الحل الأمني ليس الخيار الأفضل": الحل الأمني الذي فشل في الثورة المصرية، وقاد المحتجين إلى المطالبة بإسقاط النظام بعد أن كانت مطالبهم في البداية أخفض من هذا المطلب، جرى تطبيقه للأسف الشديد قبل أيام قليلة في مصر نفسها. وإن بعنف أقل، ولكنه في النهاية حل أمني أدى إلى سقوط ضحايا أرواحهم غالية. ومن المؤكد أنه لن يؤدي إلى أي نتيجة، لأن الثورة المصرية في جزء كبير من أسبابها كانت قد خرجت ضد ممارسات الأجهزة الأمنية، التي كانت مقراتهم الهدف الأول للمتظاهرين.
وحول تأكيد المشير طنطاوي على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها ، قالت صحيفة الأهرام في افتتاحيتها: لاشك أن إجراء تلك الانتخابات في موعدها هو الضمانة الوحيدة والملاذ الأخير للمصريين لإقرار الديمقراطية, وهو الأمل الأمثل لخروج مصر من كبوتها, في الانتقال الي مرحلة التحول الديمقراطي.
وأكدت الصحيفة أن أي تأجيل للعملية الانتخابية ستترتب عليه مخاطر جسيمة تتمثل في تعطيل الخطوات الديمقراطية الأخري الخاصة بوضع دستور جديد للبلاد, وانتخاب رئيس الجمهورية, وهو مايعني في النهاية تعطيل انتقال السلطة من المجلس العسكري الي الحكم المدني.
وقال الكاتب مأمون فندي في مقاله بصحيفة الشرق الأوسط : إن حالة تآكل شرعية المجلس العسكري ستدفعه لتسليم السلطة «لأي حد»، لأن السلطة بشكلها الحالي أصبحت كجمرة النار التي لا بد للمجلس أن يلقيها بعيدا قبل أن تحرقه، ولكن سيلقيها لمن أو على من؟ تلك ستكون بداية الانفلات الكبير، ما سوف تسفر عنه جمعة استرداد الثورة سيحدد حجم الانفلات الكبير المتوقع، ولكن المؤكد أن الجميع سيتبادلون إلقاء الجمر على بعضهم البعض، فكيف لنا أن نوقف هذا الانفلات؟
وأضاف: مرة أخرى مصر أمام تحدي الانفلات الكبير ويبدو أن المجلس العسكري ليس لديه الرغبة أو الخيال السياسي ليخرج مصر من الأزمة، هو فقط يورط الجيش ولو بالتهم البعيدة في دماء المصريين، وهذه أكبر مأساة لمصر. ويبدو أن مصر ستظل على تنويعات هذه الحال ليس لعام أو عامين وإنما لعقد من الزمان، لأننا أخذنا الثورة في المسار الخطأ وبسوء نية.