«إى تاكس» تشارك في مؤتمر جامعة القاهرة الأول للذكاء الاصطناعي    رئيس هيئة قناة السويس: وقعنا عقد تصدير قاطرتين إلى ايطاليا.. والحرب أدت لانخفاض عدد السفن 50%    وزارة الخارجية الباكستانية: وفدا باكستان وطالبان أفغانستان يعقدان مباحثات في الدوحة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة طوباس شمال الضفة    منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين: منصة إفريقية لترسيخ الحوار وبناء الشراكات العادلة    إنتر يهزم روما وينتزع منه صدارة الدوري الإيطالي    البلوجر ياسمين.. الحبس 5 سنوات لشاب لانتحال صفة أنتى على مواقع التواصل الاجتماعي    ضبط عاطل وفتاة بحوزتهما آيس وهيروين قبل ترويجه على الشباب ببنها    تفاصيل مشاجرة بين عضوة بنادي الزمالك والأمن الإداري    بدء عرض فيلم "كولونيا" بمهرجان الجونة    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد المراكز الحضرية بالعريش    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    عمر محمد رياض يلمح لجزء ثان: في حكايات بتختار ترجع بنفسها.. لن أعيش في جلباب أبي 2    آرسنال يعود للصدارة بفوز صعبة على فولهام    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    حلوى ملونة بدون ضرر.. طريقة عمل كاندي صحي ولذيذ للأطفال في المنزل    هيئة الدواء تسحب 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية من الأسواق    وزارة المالية: بدء صرف مرتبات أكتوبر 2025 في هذا الموعد    «الوطنية للانتخابات»: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة كثافة التواجد قبل الذهاب للتصويت    منة شلبي في أول ظهور بعد تكريمها بالجونة على شاشة النهار مع لميس الحديدي الليلة    3 وزراء ومحافظ القاهرة يشاركون في حفل الاتحاد المصري للغرف السياحية لتكريم الدكتور خالد العناني    إزالة 10 مخالفات بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في الأقصر    رغم الارتفاعات القياسية.. «جولدمان ساكس»: اشتروا الذهب الآن    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مقاطعة سوريجاو دل سور الفلبينية    هل نستقبل شتاءً باردًا لم نشهده منذ 20 عامًا؟ الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    الرماية المصرية تتألق فى أثينا.. أحمد توحيد وماجي عشماوي رابع العالم    قصور الثقافة تفتتح أول متجر دائم لمنتجات الحرف التراثية في أسوان    مي الصايغ: اعتراض أول شاحنة مساعدات كبّد الهلال الأحمر المصري خسائر كبيرة    البعثة الأممية ترحب بانطلاق انتخابات المجالس البلدية في ليبيا    البنك الأهلى يتقدم على الجونة بهدف فى الشوط الأول    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    يلا شووت بث مباشر.. الهلال VS الاتفاق – مواجهة قوية في دوري روشن السعودي اليوم السبت    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    غادة عادل عن ماجد الكدواني: فنان حقيقي وعميق وحساس وبيحب شغله جدًا    رامي ربيعة يقود العين ضد بني ياس في الدوري الإماراتي    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    ضبط لحوم غير صالحة وتحرير 300 محضر تمويني خلال حملات مكثفة بأسيوط    تشييع جثمان الطفل ضحية صديقه بالإسماعيلية (صور)    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    اكتشف أجمل الأفلام الكرتونية مع تردد قناة 5 Kids الجديد لعام 2025 على النايل سات والعرب سات    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    مصرع 3 أشخاص وإصابة 14 آخرين إثر اصطدام سيارتين على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوني عبدالصادق يقرأ مدلولات «نساء القاهرة .. دبي»
نشر في محيط يوم 25 - 07 - 2015

قالت : لأنك منذ القدم .. أمام السماء جلست .. فقأت عين العدم .. وأرسلت قصائد العشق عبر المدى . بعثرت ظل الخطوط ، خنت من ألهموك . في أخر الكون .. حيث رد الصدى . قف هنا أيها الفارس .. أطلق خيل الجنون . حيث شجر الشعر .. وزهر القصائد . وعطر النساء ..
يعتبر رولان بارت أهم من وضع مفاهيم التحليل البنيوي ، هذه المفاهيم التي أسست أدوات تحليلية ، ألقت الضوء على الكثير من أسرار السرد الروائي، وفسرت مع التطور المتلاحق الكثير من كيمياء الإبداع في لحظة التخلق الدافئة، لحظة الكتابة الخلاقة، هذا على المستوى الداخلي .
أما على المستوى الخارجي فتعتبر " الرواية الحديثة تعبيراً عن وعي فني متطور، وتجسيداً لمفاهيم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة الرواية وما هيتها وصلتها بالواقع وعلاقتها بالمتلقي ، فهي بنية أدبية متميزة تتخلق نتيجة للتفاعلات الذاتية ( طبيعة العناصر الروائية وتفاعلاتها ) والتفاعلات الموضوعية ( علاقتها بالواقع والتراث المحلي والعالمي وعلاقتها بجمهور القراء ) .
و رواية " نساء القاهرة . دبي " تعبير صادق عن هذه الرؤية فهى تحكي عبر فصولها السيرة الذاتية لامرأة ( سوزان صبحي ميخائيل ) وقد اختار الكاتب أن يسرد حياتها وهي تحت ضغط غيبوبة عميقة، بما يوحي بأن كل الاستدعاء الحر للبطلة على لسان الكاتب هو مكنون النفس.
هذه السيرة التي تبدأ منذ وصول نبأ استشهاد والدها العقيد ( صبحي ميخائيل ) وهي طفلة خضراء في حرب 6أكتوبر 1973 ، في نفس يوم وفاة عميد الأدب العربي طه حسين ، ( 28 أكتوبر 1973 ) والعلاقة الفكرية والروحية العميقة التي تربطه بجدها جرجس الذي تتلمذ علي يديه في كلية الآداب جامعة القاهرة .
وقد عُلِقت صورة تجمع عميد الأدب العربي مع طلاب دفعته ويظهر بينهم الشاب جرجس، ووضع إلى جوارها صورة الشهيد صبحي ميخائيل .
هذه الصورة التي شكلت وجدان سوزان وكان السبب في ما آلت إليه حياتها وحدد خياراتها التي وصلت بها إلى إصابتها بغيبوبة عميقة لتستقر في مستشفى الوصل بإمارة دبي ، حيث تقيم وتعمل مديرة قسم الديكور في تليفزيون دبي.
منذ محاولتها الأولى لرسم بورتريه لأبيها الشهيد، وقد خاضت في غمار البحث عن ملامح أول رجل ( الأب الشهيد) في حياتها رحلة طويلة، حاولت اقتناص لحظات الحب والسعادة بكل طاقتها ، فشلت في الكثير منها ولكنها تمسكت بصدق المحاولة حتى النهاية .
وتعتبر الشخصية المحورية ( سوزان صبحي ) في الرواية - فضَّل الكاتب - أو اختارت ( لحظة الفعل الروائي ) أن تتم القراءة النفسية لشخصيتها من خلال شخصية أمها إنصاف جرجس.
هذا الخيال كما حدد دورة بدقة كولردج هو أن يختار الكاتب لكل شخصية من الشخصيات الملامح المتقابلة والمتعارضة. بحيث يعيد كل ملمح كأنه حجر يضاف إلي بناء الرواية الكبير.
هذه الحيلة المتميزة حققت أكثر من وظيفة، أهمها وضع خلفية تاريخية عن حقبة شهدت تحولات ضخمة في تركيبة الشخصية المصرية بشكل عام.
وتدور أحداث الرواية في جزء كبير منها في حي شبرا الغارق في المحلية والممثل للطبقة الوسطى، وفي ظرف تاريخي بعد نكسة 5 يونيه، وضع الطبقة الوسطي أمام تحديات ضخمة، كانت تضرب في أعمدتها الصلبة، والمتمثلة في منظومة التعليم .
وقد دشن هذا الهجوم على مؤسسة التعليم بمسرحية ( مدرسة المشاغبين ) في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، واكبه نشر أفلام المقاولات وأغنيات وأصوات شعبية رديئة التعبير وتعيسة المعنى.
ويعتبر التعليم هو الوسيلة الشرعية والمتاحة للفقراء للرقي الاجتماعي، وتحقيق الذات وإثبات هوية الانتماء .
وقد جاءت الإشارة الذكية من الكاتب إلى طه حسين صاحب المقولة الأشهر .. التعليم حق للجميع مثل الماء والهواء ، ولعقله المستنير الذي كان يطل علينا عبر الأثير بصوت متميز " لغتنا العربية عسر لا يسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا أن نضيف إليها .... "
تعتبر إنصاف جرجس مدرسة التاريخ في مدرسة شبرا الإعدادية للبنات ، ممثلة للطبقة الوسطى، في الظرف التاريخي الأخطر وبالظروف التي أحاطت بها ، موت زوجها وهي في ريعان شبابها ويُتْم أولادها وضعها أمام التحدي.
لقد تركها عرضة للتحرش والطمع من حثالة ستسود بعد سنوات قليلة، ممثلة في موريس ألفونس ( أمين المعمل في نفس المدرسة ) والذي سيسبح في ماء الفساد الذي انتشر كالفيضان.
ويصل به إلى مجلس الشعب رفيقا لتاجر عتيد من تجار المخدرات ( حسن بصلة ) ليؤسس مرحلة لا تزال تضغط علي حياة المصريين حتى الآن ..
لحظة بدء الرواية بأحداث محمد محمود " الاثنين 21 / 11 / 2011 الخامسة عصراً " ولأن " الرواية الحديثة " تسعي إلى التعبير عن العلاقات الاجتماعية القائمة ، تمثلها علاقة انعدام التوافق بين سوزان وزوجها فؤاد مسيحة والموقوف في قسم الشرطة لاتهامه بجريمة قتل شاب هندي.
هذه العلاقة التي لا جدوى منها والذي عرفها فيلسوف العبث ( ألبير كامي ) بأنها انعدام التوافق بين الفرد من ناحية والعالم من ناحية ثانية " والرجل يمثل لسوزان صبحي العالم.
وتهدف الرواية الحديثة إلى التأثير في القارئ عن طريق تقديم " الحقائق النوعية الفنية " بصورة مقنعة .
ويحدث في الغالب التركيز والسعي إلى تجسيد مبدأ مهم من جماليات التلقي يتمثل في الإيهام بالواقعية "
وتظهر العلاقة الجدلية في الرواية، بين الواقع والخيال منذ البداية بأحداث محمد محمود، وبالحديث عن أحداث 18 – 19 يناير 1977 عندما نزل الجيش لحماية الشعب، وما إن رأتها سوزان حتى تذكرت زيارتها لمعرض الغنائم بعد حرب أكتوبر.
وجاءت زيارة السادات لإسرائيل ، لتأكيد واقع جديد فرض شروطه على الجميع، " ولم تصدق إنصاف أستاذة التاريخ هبوط السادات مطار بن جوريون، وجلس أبوها جرجس مذهولاً .
وسألته : هل يمكن أن يحدث سلام بيننا وبين من قتلوا صبحي ؟! هذه العلاقة النوعية بين الرواية والواقع، وقد لا يعنينا هنا الدخول في تفاصيل هذه العلاقة بمقدار ما يعنينا استخلاص الدلالة الكلية في لتصميم الرواية الحديثة وأهدافها من خلال علاقتها بحركة الواقع / العالم ".
وخير من يمثل هذه العلاقة شخصية سيد ابن حسين البقال الذي يسافر إلى العراق ويختفي ليظهر بعد سنوات بهيئة غريبة بعد انضمامه إلى المجاهدين الأفغان.
ورمي أصدقاء أبيه ( جرجس ومرقص ومرسي ) بالكفر ويختفي من الحارة ليظهر مرة أخرى بعد ارتكابه لجريمة قتل السياح في الأقصر، يقبض على أبيه ويعود ليلفظ أنفاسه بعد يومين .. لا حكي دون وظائف كما يذكر فلا ديمير بروب في كتابه ( مورفولوجيا الحكاية الخرافية )
ربما أن وظائف الشخصية الدراماتيكية من الأجزاء الأساسية للحكاية، " ومهمة الفن الروائي هنا تكمن في إثارة الأسئلة والإجابة عن أسئلة أخرى، وهو قادر على فهم العالم وتفسيره وتغييره والسيطرة عليه " .
يقسم رولان بارت الخطاب السردي إلي وحدات . ويري أن الوحدة تتألف من كل مقطع من الرواية، ويسهم ذلك في الرواية الحديثة على الإسهام في خلق علاقات جديدة ( علاقة سوزان ودكتور عزت محمود أبو النيل، الذي يتلقى تليفون يخبره باستشهاد ابن شقيقه في أحداث محمد محمود، فيودعها.
ويعود إلى القاهرة، ويستقر في ميدان التحرير لعلاج الجرحى، وعندما تلقت تليفون من صديقها القديم وزميلها في الحزب اليساري ( محمد وجدي ) يخبرها بأن د. عزت قد تلقى عدة رصاصات استقرت واحدة منها في عينه اليسرى ، وحمل إلى القصر العيني بين الحياة والموت.
تسقط سوزان مغشيا عليها .. وتتشعب العلاقات بين شخصيات الرواية، فيليب / جيسيكا، مادلين / منير سامي، محمود محروس / الفلبينية شيماء ) فهي تصدر عن وعي جمالي يتخطى حدود الوعي السائد، ويتجاوزه إلى آفاق جديدة " .
إن التفاعل بين الحدث والشخصية يؤدي إلى نمو الأحداث وفق مبدأ العلَّية أو السببية، وكل هذا يؤدي إلى التوازن في العلاقة بين الحدث والشخصية والزمان والمكان ، وتأتي تقنيات الرواية الحديثة تلبية لرؤيتها ووظيفتها وتؤدي الأساليب السردية دوراً رئيسياً في توازن البنية الروائية برمتها ، والاهتمام بالتفاصيل والجزئيات وتصوير نثريات الحياة التي تبدو دالة داخل الإطار الفني للرواية " .
وقد اعتمد الكاتب ناصر عراق على خبرته التشكيلية في رسم الشخصيات، وساعدته خبرته السينمائية على استخدام تقنيات القطع السينمائي، ونثر قطرات الزمن السردي عبر الفضاء الرواية، تقديماً وتأخيراً دون أن يفقده ذلك القدرة على التشويق مستخدماً تقنية الفلاش باك ..
قالها قبلنا : كنا نمدح الماء .. اضرب عصاك، فانفجرت عيون الدم خلف هذا المساء . واستحال الأفق قضباناً .. واستحال العمر بهتاناً .. وكان الظلم مسوانا .. بنيَّ .. سكت عن الحق فصار القلب شيطاناً ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.