رئيس جامعة بنها: التعليم بداية الطريق وتقديم كافة أنواع الدعم للخريجين    بعد «الإحلال والتجديد».. افتتاح مسجد العبور بالمنيا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 فلكيًا في مصر (تفاصيل)    الرئاسة في أسبوع، السيسي يوجه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام.. حماية تراث الإذاعة والتلفزيون.. ورسائل حاسمة بشأن أزمة سد النهضة وحرب غزة    «يا رايح للنبي».. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025    تفاصيل التقديم على الشقق البديلة لسكان «الإيجار القديم» (الأوراق والمستندات المطلوبة)    غدًا.. انطلاق حملة تحصين الماشية ضد العترة الجديدة من الحمى القلاعية في الشرقية    قبل ساعات من قمة ألاسكا.. بوتين في أكبر مصنع روسي لإنتاج كبسولات تعزيز الذاكرة والمناعة (تفاصيل)    «حرب أهلية».. أحمد موسى يرد على تهديدات أمين عام حزب الله    متحدث باكستاني: عدد قتلى الفيضانات المفاجئة في شمال غرب باكستان ارتفع إلى 157 شخصا    المتحدث العسكري ينشر فيديو عن جهود القوات المسلحة في إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة (تفاصيل)    عودة ديانج.. تشكيل الأهلي أمام فاركو في الدوري المصري    الاتحاد السكندري يعاقب المتخاذلين ويطوي صفحة فيوتشر استعدادًا ل «الدراويش» في الدوري    فليك: جارسيا حارس مميز وهذا موقفي تجاه شتيجن    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة بشأن حالة الطقس الأسبوع المقبل    ب6 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    المنيا.. مصرع طفلة إثر صعق كهربائي داخل منزل جدتها بسمالوط    20 صورة من حفل تامر عاشور في «العلمين» بعد تخطي الطاقة الاستيعابية للمكان    فنانو مصر عن تصريحات «إسرائيل الكبرى»: «نصطف منذ اليوم جنودًا مدافعين عن شرف الوطن»    عمرو يوسف: تسعدني منافسة «درويش» مع أفلام الصيف.. وأتمنى أن تظل سائدة على السينما (فيديو)    وفاء النيل.. من قرابين الفراعنة إلى مواكب المماليك واحتفالات الخديوية حتى السد العالي    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة».. إمام المسجد الحرام: تأخير الصلاة عند شدة الحر مشروع    خطيب الجامع الأزهر: الإسلام يدعو للوحدة ويحذر من الفرقة والتشتت    «السلام عليكم دار قوم مؤمنين».. عالم بالأزهر: الدعاء عند قبور الصالحين مشروع    بحث تطوير المنظومة الطبية ورفع كفاءة المستشفيات بالمنيا    نائب وزير الصحة: مهلة 45 يومًا لمعالجة السلبيات بالمنشآت الطبية في المنيا    بطعم لا يقاوم.. حضري زبادو المانجو في البيت بمكون سحري (الطريقة والخطوات)    خدمات علاجية مجانية ل 1458 مواطنا في قافلة طبية مجانية بدمياط    بافارد على وشك مغادرة إنتر.. هل يختار السعودية أم البقاء في أوروبا؟    الصفقة الخامسة.. ميلان يضم مدافع يونج بويز السويسري    متى تنتهي موجة الحر في مصر؟.. الأرصاد الجوية تجيب    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج    ترامب يؤيد دخول الصحفيين إلى قطاع غزة    مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب وتوقيف متورطين بينهم مواطن فرنسي    البورصة: ارتفاع محدود ل 4 مؤشرات و 371.2 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    رانيا فريد شوقي تحتفل بعيد ميلاد الفنانة هدى سلطان    117 مليون مشاهدة وتوب 7 على "يوتيوب"..نجاح كبير ل "ملكة جمال الكون"    مديرية الزراعة بسوهاج تتلقى طلبات المباني على الأرض الزراعية بدائرة المحافظة    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.1% خلال الربع الثاني من 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025-2026    الكنيسة الكاثوليكية والروم الأرثوذكس تختتمان صوم العذراء    الزمالك يمنح محمد السيد مهلة أخيرة لحسم ملف تجديد تعاقده    الكشف على 3 آلاف مواطن ضمن بقافلة النقيب في الدقهلية    «الطفولة والأمومة» يحبط زواج طفلتين بالبحيرة وأسيوط    محافظ الدقهلية يتفقد عمل المخابز في المنصورة وشربين    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بمحافظة المنيا ويحدد مهلة 45 يوما لمعالجة السلبيا    الإدارية العليا: إستقبلنا 10 طعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ    ضبط مخزن كتب دراسية بدون ترخيص في القاهرة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة.. الأهلي ضد فاركو    ياسر ريان: لا بد من احتواء غضب الشناوي ويجب على ريبييرو أن لا يخسر اللاعب    قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا    ضربات أمنية نوعية تسقط بؤرًا إجرامية كبرى.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات وأسلحة ب110 ملايين جنيه    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : المقاومة وراء الاعتراف بدولة فلسطين    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد يقطين : البحث عن الشكل هو بحث عن معنى فى عالم بلا معنى
نشر في نقطة ضوء يوم 31 - 08 - 2009

إن رمت كتابته نصا، أجدنى أتحدّث عن قطب من أقطاب النقد الأدبى العربى الحديث وخاصة ما تعلق منه ب"السرديات" وسأسارع خطوى أو خطو قلمى فى تعداد كتبه فأتنقل بينها من "الكلام والخبر" "مقدمة للسرد العربي" إلى "ذخيرة العجائب العربية: سيف بن ذى يزن" ثم "قال الراوي" و"تحليل الخطاب الروائي" و"انفتاح النص الروائي" و"من النص إلى النص المترابط" إلى حلقة أخرى قيد الإعداد هى كتابه "وقال الراوي".
لعلّكم تستشعرون معى هذا الكمّ المعرفى فى مقاربة النص السردى على وجوه مختلفة، وعلى نهج مدروس بدقة، تتضح منه استراتيجية صاحبه فى بناء "مشروعه الابستيمولوجي"، لعلّكم قد أدركتم بعضا من معالم محدثى هو طبعا الناقد المغربى "سعيد يقطين".. قلت بعضا من معالم لأن المخفيّ أعظم من هذا المقدم على السطح، أو كتابة، مخفي، مخبُوء قد أتلمس السبيل إليه حين أجالس هذا الرجل عسانى أستفيد مما علّمنا من "طرائق تحليل" فى تبصر سبيل يجمعنى به، وهو الذى علّمنا طقوس اللقاء بالآخر نصا و"ميتانصا".
ها أنا ذا أتلمس بعضا من هذا السبيل فى اللقاء الذى جمعنى بهذا الناقد المتميز أو الرجل الفذ، فكان لى معه هذا الحوار فى اطار "الندوة الدولية العلمية حول النص وعتباته" الملتئمة بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالقيروان، لكن حضوره قد سبق هذه الندوة بسنوات، من خلال ولعنا الشديد بما كان يكتب، وبأيام لأنه كان "أستاذا زائرا" قدّم جملة من المحاضرات المتعلقة "بتحليل النص" لطلبة هذه الكلية وكلية الآداب بسوسة. وقد احتفت كلية القيروان بهذا الناقد وكرّمته اعترافا بتميزه فى مجال "السرديات" إليكم قليلا من كثيره:
* كيف يمكن أن يتكلّم سعيد يقطين عن كلامه فى الرواية العربية؟
- أتلكم عنها كقارئ شغوف بالفن السردي، يستمتع بما تقدمه النصوص الروائية من متعة فنية وجمالية ويشتغل بالنصوص التى تدخل فى اطار الأسئلة والقضايا التى تؤرقنى على الصعيد النظرى والمنهجى وأحاول انطلاقا منها البحث عن أسئلة جديدة وآفاق مختلفة فى تأمّل ما تطرحه من جوانب تتصل بتقنية الكتابة والإنسان والمجتمع.
* على قدر اختلاف النصوص الروائية العربية الحديثة تتسّع المدونة النقدية المتعلقة بهذه النصوص، وتتشرب مناحى متعددة فى النظر والبحث والتقييم، فأين يمكن أن ينزّل سعيد يقطين نفسه فى هذه المدونة؟
- ضمن لائحة النقد الروائى العربى أقول بإيجاز بأننى أولا أؤمن بالاختصاص، وأنه دون الانطلاق من تصور وآفاق محددة للرواية وللتفكير وللسؤال لا يمكن الاشتغال الملائم بالقضايا الروائية. يمكن أن أقدّم نفسى كمشتغل بالسرديات كأفق للتفكير والتحاور مع ما يقدّمه السرد فى النص الروائى العربى وكذلك فى النص الأدبى والثقافى بصفة عامة وأسعى لاشتغالى بالسرد فى مختلف تجلياته سواء تحقق ذلك من خلال الصورة أو الحركة أو الوسائط المتفاعلة بصفة عامة، وأقصد الوسائط التى تعتمد تكنولوجيا الاعلام والتواصل وخاصة الحاسوب والفضاء الشبكي.
* استُتْبع بشكل النص الروائى العربى الحديث بحديث عن المناهج الكفيلة بفضّ مغالقه، فهل أن الحديث عن هذا النص هو تأصيل لمناهج ذات أصول غربيّة ورؤى عربية أو ذات أوصول عربية برؤى غربية؟
- استفاد النص الروائى العربى من الكتابات النقدية الغربية وخاصة من ترجماتها وحاول أن ينسج على منوالها وفى هذا المنحى هناك "محاكاة" ولكن فى الوقت نفسه كانت محاولات لتجاوز هذه "المحاكاة" والانتاج.. ومع الزمن بدأ يتأكد الوعى بتأصيل التجربة الروائية وإعطائها نفسا عربيا متميزا عبر الاستفادة من مختلف التقنيات التى نجدها فى التراث السردى العربى أو فى التجارب الروائية الإنسانية أو العالمية.
فالسرد موجود فى كل الثقافات ولدى كل الشعوب أما الأنواع السردية "ومنها الرواية" فهى متحوّلة ومتغيّرة ويمكن أن تظهر أو تختفى حسب ما يستدعيه الظرف التاريخى وذائقة المتلقى ذلك أن كل رواية هى وليدة مجتمع دون آخر، فرغم وجود سبق غربى إلا أن الإنسان العربى وهو يتفاعل مع هذه التطورات يحاول أن يوجد له موطئ قدم فى هذا العالم مستفيدا من الثقافات الأخرى ومؤكدا الهوية وانتماءه وأصوله التاريخية والثقافية.
* يعنى أنك تؤكد الأصول بأعين غير عربية؟
- حين نقرأ النص العربى "نقصد النص الأدبي" نقرأه بلغتنا، بذوقنا الفنى والجمالي، وقد ارتقى هذا الوعى مستفيدا من الانجازات التى تحققت بالثقافة الانسانية بوجه عام لأن المعرفة الغربية الحديثة هى وليدة سيرورة طويلة من التاريخ ولقد تدخلت فى هذه السيرورة عناصر وأمشاج من الثقافات الإنسانية على مرّ العصور.
* يأخذنى كلامك هذا إلى السعى إلى تحديد مختلف العلائق بين بؤر النظر الغربية والنص العربى وأجدنى أكرّر ما قلته سابقا، فهل يمكننا اعتبار هذه البؤر تجنيا على النص العربي؟
- لا أعتبرها كذلك، إذ كانت تتوفر على حس نقدى ومعرفى يراهن على الملاءمة العلمية وليس على الاجترار والاسقاط، فى الحالة الأخيرة فقط يمكننا الحديث عن ممارسة سلبيّة لا تتوفر فيها الشروط المناسبة لإنتاج معرفة جديدة ومغايرة ويبدو لى أنه صار الآن ممكنا الحديث عن نقد عربى معاصر له سماته وخصائصه ومميزاته، صحيح نجد فى هذا النقد حضورا لمفاهيم وتصورات نجد لها جذورا فى الثقافة الحديثة لكن فى الوقت نفسه نجد تميزا واختلافا فى تمثل هذه النظريات وفى الاشتغال بها بما يتلاءم مع ما يقدمه النص العربى وما تحبل به اللغة العربية، لذلك سارت بعض المصطلحات والمفاهيم ذات الاصول الغربية حاضرة فى لغتنا بخصوصياتها ودلالاتها العربية الخاصة مثل مفاهيم: الخطاب/ النص/ التناص/ التواصل التى وفدت إلينا بفضل النقد الأدبى وصارت جزءا من اللغة العربية بحمولاتها الدلالية الخاصة.
* تحضرنى الآن إشكالات عدة لعل أهمها مسألة الذاتى والوافد، وتفاعل الذاتى مع الوافد ومدى تلبّسه به فهل يجوز لنا القول إن التجربة الروائية العربية الحديثة قد أدركت أفق الخصوصية فتجاوزت المقاربات الوافدة نحو تأسيس مقاربة مخصوصة بها؟
- الابداع الروائى العربى منذ بدايته الصعبة حاول أن يقدم تجربة روائية عربية فى مختلف تلاوينها وصورها فهى تتصل بالإنسان العربى والواقع العربى وحاولت من خلال هذا الانتاج أن تجعل هذا النوع عربيا بامتياز، لذلك لا يمكننى اعتبار الروايات العربية حتى الجنينيّة منها ترجمات للرواية الغربيّة. فالروائى العربى استفاد من قراءاته للرواية الغربية ومن ترجماتها وحاول أن ينسج على منوالها وفى هذا النسج كانت هناك "محاكاة" ولكن فى الوقت نفسه كانت محاولات لتجاوز هذه "المحاكاة" والانتاج.. ومع الزمن بدأ يتأكد الوعى بتأصيل التجربة الروائية وإعطائها نفسا عربيا متميزا عبر الاستفادة من مختلف التقنيات التى نجدها فى التراث السردى العربى أو فى التجارب الروائية الانسانية أو العالمية.
فالسرد موجود فى كل الثقافات ولدى كل الشعوب أما الأنواع السردية "ومنها الرواية" فهى متحولة ومتغيّرة ويمكن أن تظهر أو تختفي.
فالمقامة مثلا نوع سردى ظهر فى القرن الرابع لظروف وأسباب خاصة وعندما انتفت هذه الشروط اختفى هذا النوع، يمكن قول الشيء نفسه بصدد الرواية والقصة القصيرة فهى قد ظهرت فى العصر الحديث فى أوروبا لسياقات وظروف خاصة، أفاض الباحثون فى تشكّل الرواية فى تحديد مسببات ظهورها لذلك فانتقالها إلى الثقافة العربية والانسانية يؤكد أن هذا النوع يتجاوب أكثر مع الواقع الحديث أكثر من الأنواع السردية الأخرى التى اختفى بعضها أو حاول التكيف مع السرد الحديث ليتحقق من خلال الرواية وقد صارت نوعا يتسع لأنواع سردية متعددة فى اطار ما يسمى بالحوارية.
* قلت فى إحدى مقارباتك للنصوص الروائية "إن السرد الروائى يعتبر أفقا للسؤال الفنى والمعرفى فى علاقته بمجمل التطورات التى تعرفها المنطقة وعلى المستويات كافة" ألا يعتبر هذا التناول أحادى الجانب فى تعامله مع النص ومرجعه؟
- إن الرواية العربية منذ بدأت تكتب وإلى الآن وهى تحاول أن تكون رصدا دقيقا لحياة المجتمع والفرد فى العالم العربى وما تجاوب النصوص السردية العربية مع بعضها بعضا وفى مختلف البلاد العربية إلا خير دليل على ذلك، ولإبراز خصوصيات هذه الفكرة يمكننى القول إنه يمكننا أن نقدم تاريخا للرواية العربية ممثلا من خلال مختلف التجارب العربية، مع تفاوت فى التجارب، مختلفا عن أى تاريخ للرواية الغربية، إن المحطات الكبرى التى قطعتها الرواية الغربية منذ بداية تشكلها فى أواخر القرن 19 وإلى الآن مرت بنفس المراحل التى عرفتها الرواية فى مختلف الأقطار العربية ولاسيما بعد هزيمة 1967 التى يمكن اعتبارها محطة هامة فى تاريخ الرواية العربية، فتاريخها يبيّن بجلاء أنها قد حققت تطورا يتلاءم مع تطور المجتمع العربى ومجمل قضاياه المحورية التى تبرز لنا فى مختلف التجارب العربية وإن اختلفت "الأقطار" علاوة على أن التيمات والموضوعات وطرائق التعبير ظلت مشتركة وتسير فى سيرورات موحدة وإن كانت متنوعة بتنوع التجارب الفردية أو الشخصية. فالسرد كان صدى لتحولات المجتمع بمشاكله كما أن الرواية قد تطورت أكثر فى التعبير عن مشاكل المجتمع.
ولكنه تعبير يعنى أيضا أن الكاتب مهما كانت صلته بالواقع وعلاقته به يعبر بصورة أو بأخرى عن أحاسيسه ومشاعره متأثرا ومتفاعلا مع العصر الذى يعيش فيه وهذه العلاقات قد تتخذ أبعادا وأشكالا متفاوتة، تتفاوت حسب الوعى بالواقع وكيفية التعبير عنه حتى وإن اختلفت الصيغ والخلفيات التى تتلوّن بالأفق الثقافى والمعرفى السائد.
* من جملة تصوراتك اعتبرت كتابة الرواية بحثا مستمرا عن الشكل باعتباره أيضا بحثا عن محتوى غير جاهز، إلى أيّ حد يجوز لنا الإقرار بنجاح الرواية المغاربية فى نحت مجراها الشكلى كما ينحت النهر مجراه خاصة وأن هذا البحث قد اتخذ رؤية متوترة تعكس القلق السائد لدى الأجيال الجديدة؟
- البحث عن الشكل هو بحث فى أشكال التعبير والتواصل وهو بحث فى عملية التفكير وإدراك العالم وتمثله وكلما تطور الوعى بأشكال التعبير وتم امتلاك أدوات وتقنيات أدق فى عملية التمثيل هذه كان ذلك تطويرا للوعى وأنماطه المختلفة. ويبدو لنا ذلك بصورة واضحة من خلال تشبيه الطفل والإنسان الراشد فى علاقته بالعالم من حوله: فكلما تطورت لغة الفرد وأشكال تعبيره عن العالم كان أرقى مما كان عليه وهو بمنأى عن تطوير أدوات تفكيره وتعبيره عن العالم من حوله. فالبحث عن الشكل يتخذ رؤية متوترة، والتوتر ليس فى الشكل ولكن فى إدراك العالم، هذا الإدراك كانت تعترضه عوائق وشروط متعددة كامنة فى الواقع وهى التى تولد هذا التوتر الذى يحاول الشكل تجسيده من خلال محاولته الإمساك به وإدراك مختلف أبعاده وجوانبه، لذلك كان الشكل بحثا عن معنى فى عالم بلا معنى وهنا مكمن المفارقة التى تتعدى الشكل إلى المحتوى ثم إلى الدلالة.
* لنخصّص قولنا حول "المشروع الابستمولوجي" الذى طرحه الناقد سعيد يقطين خاصة فى كتابيه "تحليل الخطاب الروائي" الذى عنى بمستوى تركيب الخطاب وكتاب "انفتاح النص الروائي: النص- السياق" الذى عنى بوظائف النص وهما معنيان بسردية الخطاب الروائى وطرائق تحليله، فهل تشعر أنك قد استنفذت طرائق البحث فى النص أو هل تشعر بالخيبة بعد إنهاء عملية التحليل هذه؟
- إذا كان الجواب بالإيجاب عن هذا السؤال فالمفروض أن أتوقف عن البحث والتأليف وما دمت أشتغل منذ القراءة والتجربة وليس تحليل الخطاب الروائى فهذا المشروع لا يمكن إلا أن يستمر ويتواصل وكلما فتحت نافذة وجدتنى أطل منها على باب يسلمنى إلى فضاءات متعددة ينفتح بعضها على بعض. وهكذا عملت فى كتاب "الرواية والتراث السردي" على توسيع البحث الذى كنت قد قدمته فى "انفتاح الخطاب الروائي" لأشتغل بنظرية التفاعل النصى من خلال الانطلاق من علاقة الرواية العربية بالتراث السردى وكان ذلك منطلقا للذهاب إلى التراث السردى العربى فجمعت ذخيرة للعجائب العربية لتكون أساس دراسة أنتروبولوجية سردية ولما ظهر لى أن هذا العمل يتطلب مجهودا أوسع حاولت العمل على طرح الأسئلة الأولى للاشتغال بالسرد العربى فكان كتابى "الكلام والخبر" مقدمة لتأطير السرد العربى وابحث فى أنواعه وأنماطه مع محاولة تطوير السرديات انطلاقا من خصوصية ما يقدمه السرد العربي.
وجاء بعد ذلك كتابى "قال الراوي" ليكون بداية جديدة وتطويرا فى الوقت نفسه لتحليل الخطاب الروائى وما يزال كتاب آخر قيد الإعداد تحت عنوان "وقال الراوي" وهو تطوير للمشروع السردى فى صيغة أراها شبه متكاملة. وكتاب "قال الراوي" يوسع مجال السرديات كما أتصورها بجعلها منفتحة على قضايا تاريخية واجتماعية ونفسية أنتروبولوجية. وقد فتحت نافذة أخرى تتعدى النص المكتوب إلى "النص الرقمي" وبرز ذلك فى كتابى "من النص إلى النص المترابط" الذى هو فى جزء منه تطوير لانفتاح النص الروائى وخاصة فى الجزء المتعلق فيه بنظرية التفاعل النصى الذى أدخلت ضمن أنماطه الستة النص المترابط".
* من "السردية اللسانية" إلى المستوى البنائى التركيبى إلى "السردية السيميائية" ثم "نظرية التفاعل النصي"، وصولا إلى تحليل "البنيات السوسيو-نصية" مسيرة فى التعامل مع النص انتهت بمحاولة تأسيس سوسيولوجيا لفن الرواية توازى مستويات الدرس التركيبى والدلالى ألا ترى أن هذه المحاولة تشكل استعادة لبديهيات التعامل مع النص؟
- وفق التصور الذى اشتغلت به وهو السرديات، لا يمكننى البحث فى النص وأبعاده الاجتماعية إلا بعد استيفاء البحث فى المكونات النحوية أو الخطابية التى تتصل بتقنية الكتابة وبعد الانتهاء من تشخيص هذه البنيات الخطابية يمكننا آنذاك البحث فى دلالاتها الاجتماعية المختلفة وهذا التصور هو الذى يجعلنا نتحدث عن سوسيولوجيا النص الأدبى وليس عن سوسيولوجيا الأدب بالشكل الذى مارسه النقد العربى الذى كان يبحث فى أبعاد النص الاجتماعية بالاستناد إلى المحتويات والمضامين والموضوعات. إننا نبحث فى سوسيولجيا الشكل الأدبى عن العلاقة الوطيدة والخاصة بين الإنتاج الادبى وطريقة التعبير.
* النص نسيج مركب لا يشى بحقائقه الابداعية بسهولة فما بالك بوقار بُناه من حيث العتبات، والعتبة مكان والنص السردى زمان، فهل تشكل العتبة لحظة فنية ودلالية كفيلة بفض مغالق النص الروائي؟
- العتبة مكوّن من مكونات النص الأدبى وغير الأدبى ويمكن لصلتها بالنص أن تتعدد بتعدد أنواع النصوص ولا يمكن للتحليل المطابق أن يدرس النص بمعزل عن عتباته كما أنه لا يمكن دراسة العتبات بمنأى عن النص إن هذه العتبات تقدم افتراضات أو إضاءات أو ايحاءات تمكننا من الدخول إلى النص عن طريق الاستئناس بما تقدمه من إمكانيات ايحائية وتخلق للقارئ أفق انتظار يوجه قراءته للنص ويحدد مسارها وتكمن خصوصيات العتبات فى إدماج القارئ فى النص وفسح المجال أمامه ليعاين فى النهاية مدى تحقق أفق انتظاره من عدمه وفى ذلك تحديد لمسار القراءة وتوجيه لآفاق انتظارها وذلك هو سر تميزها.
البحث فى النص السردى هو بحث عن أسئلة جديدة تتأمّل ما تطرحه الكتابة الروائية
سوسيولوجيا النص: قراءة منفتحة توسّع حلقات الدلالة وتكشف المخبوء المغيّب خلف الظاهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.