المطورين العقاريين: القطاع العقاري يُمثل من 25 إلى 30% من الناتج القومي    مكتب نتنياهو: الإفراج عن "ألكسندر عيدان" يمكن أن يقود لمفاوضات إطلاق الرهائن    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب جنوب غربي الصين    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    النصر يتطلع للعودة إلى الانتصارات بنقاط الأخدود    أمن الإسماعيلية: تكثيف الجهود لكشف لغز اختفاء فتاتين    بينهم أطفال.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين في حادثين منفصلين بالأقصر    لبنى عبد العزيز لجمهورها: الحياة جميلة عيش اليوم بيومه وماتفكرش فى بكرة    يارا السكري ترد على شائعة زواجها من أحمد العوضي (فيديو)    الدولار ب50.56 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 12-5-2025    حكم اخراج المال بدلا من شراء الأضاحي.. الإفتاء تجيب    أمريكا تعلق واردات الماشية الحية من المكسيك بسبب الدودة الحلزونية    وفري في الميزانية واصنعيه في البيت، طريقة عمل السينابون    مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025    حريق هائل يلتهم محصول القمح في الغربية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم كفر اللبد ويعتدي على شاب من ذوي الإعاقة    جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف كبيرة فى رفح الفلسطينية جنوبى قطاع غزة    أصالة تدافع عن بوسي شلبي في أزمتها: "بحبك صديقتي اللي ما في منك وبأخلاقك"    الانتهاء من تصوير 90% من فيلم روكي الغلابة    حقيقة وفاة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق    بعد ضم 5 نجوم.. 3 صفقات سوبر منتظرة في الأهلي قبل كأس العالم للأندية    الصراع يشتعل على المقاعد الأوروبية.. جدول ترتيب الدوري الألماني    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 12 مايو    حبس وغرامة تصل ل 100 ألف جنيه.. من لهم الحق في الفتوى الشرعية بالقانون الجديد؟    ملخص أهداف مباراة الاتحاد والفيحاء في دوري روشن السعودي    تكليف «عمرو مصطفى» للقيام بأعمال رئيس مدينة صان الحجر القبلية بالشرقية    خاص| سلطان الشن يكشف عن موعد طرح أغنية حودة بندق "البعد اذاني"    عمرو سلامة عن مسلسل «برستيج»: «أكتر تجربة حسيت فيها بالتحدي والمتعة»    عمرو سلامة: «اتحبست في دور المثير للجدل ومش فاهم السبب»    ترامب: سأعلن عن خبر هو الأهم والأكثر تأثيرا على الإطلاق    المهندس أحمد عز رئيسا للاتحاد العربى للحديد والصلب    اعترافات صادمة لسائق بسوهاج: سكبت البنزين وأشعلت النار في خصمي بسبب خلافات عائلية    البترول تعلن شروطها لتعويض متضرري "البنزين المغشوش"    عاجل- قرار ناري من ترامب: تخفيض أسعار الأدوية حتى 80% يبدأ اليوم الإثنين    سعر الذهب اليوم الإثنين 12 مايو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    ندوة "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فتاوى دار الإفتاء المصرية" بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة    نجم الزمالك السابق: تعيين الرمادي لا يسئ لمدربي الأبيض    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    وزيرا خارجية الأردن والإمارات يؤكدان استمرار التشاور والتنسيق إزاء تطورات الأوضاع بالمنطقة    محافظ الشرقية يصدر قرارًا بتكليف رئيس جديد لصان الحجر    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    أسعار كرتونة البيض اليوم 11 مايو 2025    مشاجرة عائلية بسوهاج تسفر عن إصابتين وضبط سلاح أبيض    عاصفة ترابية مفاجئة تضرب المنيا والمحافظة ترفع حالة الطوارئ لمواجهة الطقس السيئ    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    بسبب ذهب مسروق.. فك لغز جثة «بحر يوسف»: زميله أنهى حياته ب15 طعنة    مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن    حسام المندوه: لبيب بحاجة للراحة بنصيحة الأطباء.. والضغط النفسي كبير على المجلس    خبر في الجول - جاهزية محمد صبحي لمواجهة بيراميدز    مواعيد عمل البنك الأهلى المصرى اليوم الاثنين 12 مايو 2025    الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برغم الإنجازات .. حلبة «الكهنة والثوار» عنوان ثقافة مصر 2014
نشر في محيط يوم 30 - 12 - 2014

أبرز الأحداث : المسرح القومي وعودة ال10% والمهرجانات
السيسي يدعو المثقفين لبلورة رؤية تكافح التطرف في مصر
انتقادات حادة بعد جوائز الدولة وتضييق الحريات و"دراما رمضان"
استراتيجية يسين وأبوغازي لتطوير الثقافة .. اختلاف الرؤية جذريا
المثقفون يرفضون تولية الغزالي .. والنشطاء يحتجون على سراج الدين
الإرهاب وقانون التظاهر و"حكم العسكر" والدستور .. هموم المثقف السياسية
زيدان وسعيد .. بطولة مطلقة للاستقالات
"ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ... ولو نطق الزمان لنا هجانا" ربما كانت مقولة الإمام الشافعي صالحة لدنيا المثقفين العرب. ولكن هذا العام تحديدا شهد وزيرين للثقافة المصرية ؛ فقد بدأ مع د. صابر عرب، وانتهى بالدكتور جابر عصفور؛ كلاهما تعرض للنقد، ولكنهما سعيا لإنجاز أمور لافتة كالتشبيك بين الوزارات المعنية بالعقل المصري والإشراف على مشروعات الوثائق والمسارح والسيرك والسينما وقصور الثقافة ، واجتذاب الدعم لترميم ما طالته يد الإرهاب الغشوم سواء بالمتحف الإسلامي أو دار الكتب ونحوها ..
أما د. أسامة الغزالي حرب فمر مرور الكرام على حقيبة الثقافة، فقد رفضته "الجماعة الثقافية" بحجة أنه من خارجها وظل بعيدا عن همومها منغمسا بالسياسة والحزب الوطني قبل أن ينشق عنه ، وهو ما وصفه الغزالي بأنه تعبير عن الشللية السائدة بحياتنا.
لكن على أية حال ، فقد جرت إنجازات عديدة تستحق الرصد على الساحة الثقافية المصرية، ووسط تصفيق مدوٍ، رفع ستار المسرح القومي بالعتبة أخيرا بختام عام 2014، بعد إغلاق دام 6 سنوات، وتطوير تكلف 61 مليونا .
والمسرح الذي تأسس في عام 1869 بأمر من الخديوي إسماعيل، وقدمت على خشبته روائع النصوص المسرحية وأشهرها، اعتبره الدكتور جابر عصفور وسيلة ثقافية رفيعة لنشر الوعي ومواجهة القبح والإرهاب وازدهار الاقتصاد ، فيما أعلن رئيس الوزراء الذي شارك بالافتتاح مضاعفة ميزانية وزارة الثقافة في السنة المالية القادمة.
ومنذ توليه حقيبة الثقافة في حكومة الدكتور إبراهيم محلب، سعى الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة لعقد بروتوكولات تعاون مختلفة مع وزارات السياحة والبيئة والشباب والتعليم والتربية والداخلية، إضافة للأزهر الشريف والكنيسة والأوقاف، لتنسيق العمل المشترك .
وتعهد عصفور باستعادة قوية للمسرح التجريبي الدولي في مصر، وورش فن المسرح، ودعم المسرح المستقل والمبادرات الشبابية الثقافية ومسرح الحدود ، وهو ما انتقده عدد من النشطاء بعد إغلاق "الفن ميدان" بعابدين . وشهد العام أيضا اتفاقية هامة لمسرحة المناهج الدراسية ، وذلك عبر اختيار أفضل النصوص وتدريسها لطلاب المراحل المختلفة، كما تمكن عصفور من افتتاح مجمع السامر بأكتوبر والذي يشمل السيرك والمسارح والسينمات، وأطلق مشروعا للتذاكر الموحدة للمراكز الثقافية والتي تحظى بدعم كبير من الدولة، وأخيرا تمكن من إحراز مشروع تنوير 100 قرية مصرية نائية عبر تشغيل وتدشين قصور ثقافة .
ويعد مؤتمر "الإبداع مستقبل مصر" الذي أقامته مؤسسة "أخبار اليوم" وافتتحه رئيس الحكومة إبراهيم محلب، أحد أبرز الأنشطة الثقافية المصرية خلال 2014؛ حيث تشكلت لجان متخصصة وأعلن مطالبها في مجالات النشر والترجمة والتراث .
وقد وجه الدكتور جابر عصفور إلى إنشاء متحف نجيب محفوظ بوكالة أبو الدهب، كذلك إنشاء مخازن مركزية لإصدارات وزارة الثقافة بمدينة 6 أكتوبر، كما اتفق مع رؤساء القطاعات الثقافية علي البدء في تنفيذ مشروع «إقرأ»والذي يتمثل في إنشاء مراكز بيع لإصدارات وزارة الثقافة داخل الجامعات على أن يتم البدء بالجامعات التي بدأت بتجهيز أماكن البيع مثل جامعة القاهرة وعين شمس وبني سويف.
وعلى مستوى ميزانية الوزارة، تمكن الوزير من استعادة ال10% من الآثار لخزانة الوزارة . وتم إنجاز لجنة جديدة لتنسيق النشر بوزارة الثقافة بحيث لا يتكرر النشر للمؤلف الواحد والكتاب الواحد بأكثر من جهة.
وتعد إقامة مؤتمر أدباء مصر بأسيوط برئاسة د. عماد أبوغازي، إحدى إنجازات العام الثقافية في مصر، وقد أوصى بدعم الأدب الإفريقي المترجم ورفض التطبيع ودعم الدولة المصرية وحربها ضد الإرهاب، والاهتمام بالمحافظات الحدودية وسرعة ترميم المسارح المعطلة.
وقد شهد العام كذلك افتتاح عدد من قصور الثقافة المغلقة، ومنها قصر ثقافة الشاطبي، ومركز محمود سعيد بالإسكندرية، ومركز ثروت عكاشة للفنون، وتنظيم الملتقى الدولي للمأثورات الشعبية ، كما افتتح معرض دائم للكتاب بالسادس من أكتوبر ، وافتتح بيت زنين وعاد قصر "البحر الأعظم" للعمل من جديد بالجيزة.
شهد العام كذلك عودة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ، وانطلاق "أيام الثقافة البحرينية" التي أشرفت عليها الشيخة مي آل خليفة ، وانطلق مهرجان "الموسيقى الروحية" بالقلعة، ومهرجان "كام" للأفلام القصيرة ، ومهرجان المسرح القومي ، كما جرت سلسلة تفاهمات ثقافية مع دول عديدة منها الصين وتايلاند وكوريا وإثيوبيا وجنوب السودان لدعم التعاون الثقافي .
اتهامات المثقفين .. للوزير
لقد تلقى د. صابر عرب تهما عديدة، كان أبرزها ما تصدى له حزب "البديل الحضاري" تحت التأسيس حين كشف بمؤتمره 250 مستندا لفساد الأداء الثقافي لعرب ويشمل ذلك حقبة توليه دار الكتب ومشروع ميكنة الوثائق الذي اتهم بأنه أسلوب لتسريب أسرار مصر لأمريكا عبر شركة فورد ما يهدد الأمن القومي . أما التهمة الثانية فكانت توجيه المصريين لتصويت بعينه على الدستور المصري الجديد الذي أعدته لجنة الخمسين برئاسة عمرو موسى ، وذلك عبر قصور الثقافة المختلفة.
ولم يسلم د. جابر عصفور من الانتقادات أيضا ، فهو المعروف بمشاركته بحكومة شفيق الأولى، المكروهة من قبل المشاركين بثورة يناير والتي جاءت كوسيلة لاستمرار نظام مبارك، ورأى المثقفون أن مشاركة عصفور تعد تحديا للثورة، ولكن الأخير نفى وأكد أنه تقدم باستقالته منها بعد أن تأكد أنها ليست حكومة "ائتلافية لإنقاذ الوطن" كما ظن بالبداية . وتواصلت الانتقادات لعصفور باستبعاده للكفاءات والعمل بالنظام السائد قبل الثورة من حيث تقريب الموالين واستبعاد المعارضين والشباب تارة وتقييد حرية التعبير تارة أخرى ! لكن ظلت هناك انتقادات أخرى لعصفور من قبل التيار الإسلامي على خلفية آرائه الثقافية التي تنتقد انتشار الحجاب بالجامعات واعتبار الصور العارية "جمال إنساني" .
وتتكرر كل عام الاحتجاجات ضد "جوائز الدولة" التي تذهب للأسماء المكرسة أصلا من قبل السلطة، وتمنح بآلية تقليدية لا تجعل من السهل وصول التكريم لمستحقيه خاصة وأن لجان التصويت غير متخصصة ، في ظل سيطرة نخبة بعينها على المجلس الأعلى للثقافة، وسيطرة ترشيحات الجهات الرسمية على المستقلة، وهو ما دعا المجلس لإعلان آلية جديدة للجوائز العام القادم.
جدل الحريات يتصاعد
كالعادة تطل أزمة الحريات الثقافية برأسها كل عام، فقد شهد العام سجن عدد من المبدعين بينهم الشاعران عمر حاذق وهيثم زهدي، لموقفهما المناهض للفساد ، فيما أضرب الناشر محمد هاشم تضامنا مع المعتقلين بتهمة خرق قانون التظاهر، وهو القانون "سيء السمعة" في الوسط الثقافي المصري بشكل عام ، لأنه ينتهك حق دستوري أصيل في حرية التعبير السلمي عن الرفض.
وقد تطايرت السخرية بين شبكات التواصل الاجتماعي بعد اعتقال ناشط وتحريز رواية "1984" بصحبته، وهي الرواية التي أبدعها جورج أورويل وسخرت من "مراقبة الأخ الأكبر" . وقد شهد العام إغلاق دار ميريت لأسباب مادية، وهو ما اعتبره بعض المثقفين فرصة يقتنصها النظام للحيلولة دون استمرار الدار كمقر لاحتضان معارضيه!
وتصاعدت أزمات عديدة على خلفية تصريحات المثقفين بهوية مصر الإسلامية، فحين تحدث الكاتب حلمي النمنم أن مصر علمانية بطبيعتها وأن مجابهة المنادين بالشرعية يجب أن تستمر حتى لو وصل الأمر للدماء ، هاجمه عدد من الكتاب خاصة من المنتمين للتيار الإسلامي مؤكدين أنه لا يعبر إلا عن نفسه وأن الشعب المصري متدين بفطرته ولا يقبل العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة ورفضوا أن يكرس الدستور الجديد لعلمانية الدولة . أما أحدث الأزمات فقد حملتها تصريحات الشاعرة فاطمة ناعوت ، المحالة حاليا للقضاء، بتهمة ازدراء العقيدة الإسلامية، بعد تصريحات لها عقب عيد الأضحى الفائت تتحدث عن وحشية ذبح الخراف عند المسلمين!
الدستور شكل أزمة عند المثقفين، البعض أيده بشكل مسبق لمجرد عبور المرحلة، والبعض اعتبر أنه مسرحية هزلية لن تأت بجديد خاصة وأنه لم يطرح لمناقشة مجتمعية كافية ، وتضمن نقاطا شائكة حول الحريات وميزانية الدولة والرقابة عليها وغيرها.
لو اتجهنا للفن، سنجد فيلمين شغلا الوسط الثقافي بعد جدل منعهما عبر الرقابة على المصنفات الفنية؛ الأول "حلاوة روح" إنتاج السبكي وبطولة هيفاء وهبي، والذي عاد بحكم المحكمة للسينما من جديد، وكان متهما بالإباحية وبث قيم جنسية سلبية لدى الأطفال . أما الفيلم الثاني والأخطر فهو "الخروج" ، إنتاج أمريكي وتم وقفه عبر لجنة مشكلة من وزارة الثقافة وجهاز الرقابة على المصنفات لتضمنه مزاعم تاريخية مزيفة عن زمن خروج نبي الله موسى – عليه السلام – من مصر والمؤمنين من اليهود الذين واجهوا – كما يزعم الفيلم – وحشية المصريين ، كما يدرج الفيلم مزاعم صهيونية بدور اليهود في بناء الحضارة الفرعونية . وفي الحالتين انقسم المتابعون بين من يؤيد حرية التعبير المطلقة، حتى إذا تضمنت خروقات تاريخية أو أخلاقية، ومن يعتبر واجب أجهزة الثقافة حماية المجتمع من تلك الإنحرافات.
وقد حلت دراما رمضان ضيفا على مائدة النقد والتشريح الثقافي ، ورأى المثقفون أنها تزيف التاريخ سواء مسلسل "سرايا عابدين" أو مسلسل "صديق العمر" ، وقال الكاتب المخضرم محفوظ عبدالرحمن أمام حشد من المثقفين : تليفزيونات العالم أجمع بها رقابة، وهذا تحدٍ مني، حتى تلك القنوات الإباحية عليها رقابة ما .. اذكروا تليفزيون في العالم يعرض مشهد إبن يقتل أبوه حرقا كما جرى بمسلسل "حبيشة" لمحمود رمضان، فهذه مسألة تسقط لها حكومات ، ناهيك عن مشاهد البذاءة اللفظية والفعلية على الشاشة والتي تدخل بيوت العائلات .. هل هذه هي الحرية في الإبداع ؟
وبينما اتهم "سرايا عابدين" بأنه استنساخ رديء من "حريم السلطان" ، فقد اتهم "صديق العمر" بأنه مؤامرة على زعامة عبدالناصر العربية، وقد اعترف وزير الثقافة نفسه بأن دراما رمضان كانت الأسوأ ، لكنه ملتزم بإتاحة حرية التعبير .
تطوير الثقافة
شهد العام ورقتين هامتين لتطوير الثقافة المصرية؛ الأولى قدمها د. السيد يسين بناء على طلب وزير الثقافة د. جابر عصفور وحملت اسم "ورقة عمل مقترحة للسياسة الثقافية لمصر" ، وبرغم اعتراف الورقة بثورة يناير التي "غيرت بشكل جذري المجتمع السياسي السلطوي الذي ساد طوال عصر مبارك، وحولته لمجتمع ثوري بكل ما في الكلمة من معان" لكنها أكدت أن الإنجراف الثوري تتخلله فوضى تحتاج لضبط، ودعت الورقة للتنمية المعرفية وتدريس الفلسفة والتركيز على خطاب إسلامي وسطي وتفعيل النقد .
وقد أثارت تلك الورقة حالة جدل في الوسط الثقافي المصري، بين من يؤيد مضمون الورقة، ومن يعتبر أن وزير الثقافة يعيد إنتاج "كهنة الثقافة" في مصر، خاصة بعد تجديد الحكومة تعيين عدد من الوجوه الثقافية لعضوية المجلس الأعلى للثقافة، والتفكير بعضويات "مؤبدة" لعدد من تلك الأسماء ومن أمثلة هؤلاء : المستشارة تهاني الجبالي، محمد اسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية، الكاتب صلاح عيسى ، الباحث السيد يسين، الداعية أحمد عمر هاشم، الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد ، الشعراء فاروق شوشة وفاروق جويدة وغيرهم ..
أما الاستراتيجية التي طرحها د. عماد أبوغازي، وزير الثقافة الأسبق، فبالرغم من غياب الأضواء المكرسة عليها، لكنها حظت مع ذلك بتقدير شريحة كبيرة من المثقفين المؤمنين باستقلالية المجلس الأعلى للثقافة والمثقفين عن الدولة ، كما دعمت الصناعات الثقافية المستقلة ورأت دورا للدولة بتشجيعها وركزت على صياغة تشريعات لحماية الإرث الثقافي المصري وحرية التعبير وتوفير الخدمة الثقافية للمواطنين ، كما ركزت على مفهوم العدالة في توزيع الثقافة كخدمة، وربما نشط أبوغازي حين كان وزيرا في هذا الاتجاه ، فكان يجوب المناطق المهمشة ويكرس فرصا لدعمها، وركزت الورقة على منحى أصيل برؤية أبوغازي وهو ديمقراطية الإدارة الثقافية، وقد طبقه بالفعل ، كما دعا للرقابة على الإنفاق الحكومي بالثقافة لوقف بؤر الفساد.
وإلى جانب الرؤيتين، فقد جرى اجتماع حاشد للمثقفين لتطوير أداء المجلس الأعلى للثقافة، ودعوا لأن يصبح مستقلا عن الدولة، ويحظى بدعمها المادي فحسب، مؤكدين أننا بمرحلة حرجة يصعب فيها إلغاء وزارة الثقافة، ولكن الوزارة يتعين عليها دعم الثقافة المستقلة وتطوير أدائها المتردي بقصور الثقافة بروح تقضي على نظرية المركز والهامش السائدة .
وجوه ومقاعد
في عالم النشر المصري، تم انتخاب عاصم شلبي رئيسا لمجلس إدارة اتحاد الناشرين ، وعادل المصري نائبا له، ود. أحمد إبراهيم أمينا عاما، وشريف قاسم لصندوق الاتحاد ، وأحمد بدير للملكية الفكرية، وشريف بكر للتطوير المهني والنشر الإلكتروني ، وخالد عزب للإعلام والتسويق، وأحمد عبدالمنعم للنشاط الاجتماعي وفض المنازعات ، ومحمد شطا للمعارض.
وقد شهد العام تعيين الباحث مسعود شومان رئيسا لهيئة قصور الثقافة خلفا للدكتور عبدالناصر حسن الذي تولى لفترة وجيزة خلفا للشاعر سعد عبدالرحمن ، ثم تم استبدال شومان بعد عدة أشهر بالدكتور سيد خطاب الرئيس السابق للرقابة على المصنفات الفنية، وتولي شومان مسئولية الفنون الشعبية . أما الشاعر أشرف عامر فتم انتدابه رئيسا للإدارة المركزية للبحوث بالهيئة . وشهد العام تجديد انتداب الفنان فتوح أحمد للبيت الفني للمسرح .
وفي هيئة الكتاب تولى د. خالد منتصر سلسلة "الثقافة العلمية" ، أما الكاتب جمال الغيطاني فتولى البانوراما العسكرية . وفي دار الكتب صدر القرار بتولي الكاتب حلمي النمنم رئاستها . أما المركز القومي للترجمة فقد تولاه د. أنور مغيث .
وتولى د. محمد عفيفي أمانة المجلس الأعلى للثقافة ،خلفا للدكتور سعيد توفيق .
وقد اختار رئيس الوزراء ابراهيم محلب، د. إسماعيل سراج الدين مستشارا ثقافيا له، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من الكتاب الذين اتهموا سراج بأنه من رجال الحزب الوطني البارزين، وأيدوا الاتهامات بحقه في فساد مكتبة الإسكندرية، لكن الأخير دافع عن موقفه بحلقة فضائية مؤخرا مؤكدا أنه أحد أكبر المتبرعين للمكتبة وأنه اسم بارز دوليا بمجال المكتبات الرقمية ولا يمكن أن يلوث اسمه لأي سبب أو منصب
أخيرا ،شهد العام تولي الدكتور سمير مرقص، المفكر القبطي البارز، الجهاز القومي للتنسيق الحضاري لمبادراته الفكرية الهامة في الآونة الأخيرة من أجل الإصلاح الشامل وصياغة دستور عصري .
اتحاد الكتاب .. الحاضر الغائب
بيانات يومية يحملها بريدك بالتأكيد تحمل توقيع "اتحاد كتاب مصر" أما العنوان فهو "ندعم حرية التعبير" ، "نشجب التطرف والترهيب" ، "نؤيد الدولة في مواجهتها مع الإرهاب" ، "ندين العدوان الصهيوني الغاشم" ، نؤمن ب"الوحدة العربية والحفاظ على مقوماتها الثقافية" ، ربما كانت كلمات مفيدة، لكنها مستهلكة تنتقل بين مضابط الاتحاد من عام لآخر بلا جديد ، ربما لذلك عبر المثقفون عن خيبة أملهم بالاتحاد الذي لم يجاري يوما نبض الشارع الثائر ولا ربيع العرب !
وقد شهد الاتحاد أزمة أخيرة بعد إحالة الشاعر أحمد سراج للتحقيق الداخلي بالاتحاد، على خلفية انتقاده لشراء الاتحاد شهادات استثمارية بمشروع قناة السويس بمبلغ خمسة ملايين جنيه من أموال علاج الكتاب، ورد الأخير بأن الاتحاد هو المتهم بالتجسس على الحسابات الشخصية لأعضائه على الفيس بوك ، كما أنه متهم باستخدام الجمعية العمومية لأغراض سياسية، وأكد أن محمد سلماوي رئيس الاتحاد لا يؤمن بالثورة فعليا، معتبرا أن جوائز الاتحاد يشوبها الفساد.
السيسي والمثقفين
اختتم العام بلقاء موسع جمع الرئيس السيسي بثلة من المثقفين المصريين ، أعرب خلالها عن دعمه لحرية الإبداع وطلب منهم وضع خطة فكرية لمواجهة التطرف بالشارع المصري. كما التقى السيسي خلال ديسمبر عددا من شباب الصحفيين والأدباء، وكشف لهم عن رأيه بأن نظام الرئيس مبارك كان لابد أن يسقط منذ 15 عاما، بل وزاد بأنه تنبأ بثورة يناير وأن الإخوان هم الفصيل الأكثر فرصة للصعود للحكم ، وأعرب أخيرا عن أمله بإنهاء حالة الانقسام في الشارع المصري واحترام الدولة المصرية والقيم الديمقراطية .
لكن القصة ليست بهذه الوداعة دائما، فشريحة كبيرة من المثقفين لديها حساسية كبيرة مما يصفونه ب"حكم العسكر" الممتد عبر ستين عاما، والذي يقيد الحريات (قانون التظاهر وسجن النشطاء نموذجا) وزاد وتيرة الأمر حدة بعد الفض الخشن لميداني رابعة والنهضة ما خلف آلاف الضحايا . بعض المثقفين ذهب إلى أن قيادات الجيش لا يمكنهم وضع تصورات بعيدة عن نظام مبارك ورجاله وسياساته وضربوا الأمثلة بأحكام البراءة لمبارك وكثير من رجاله المتهمين بإفساد الحياة السياسية ونهب المال العام وقتل المتظاهرين، بل إن عددا كبيرا من رموز الحزب الوطني المنحل يستعدون لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بما يهدد مباديء ثورة يناير ، وتمنوا لو سلم الجيش قيادة مصر للمدنيين، وتفرغ لحماية أمن الوطن وهي مهمته الأصيلة، في ظرف دقيق كالذي تعيشه المنطقة العربية بأسرها والمهددة من قبل تنظيمات إرهابية شرسة.
ولكن يواجه هذا الرأي بمعارضة قطاع آخر من المثقفين يرى أن الظرف الحرج الذي تحياه مصر يستلزم قيادة حازمة وعسكرية، ويضربون أمثلة عديدة حول العالم لزعامات عسكرية قادت أممها للرقي والنهضة، مؤكدين أن مستنقع الفوضى الذي تعيشه المنطقة لا يستطيع انتشال مصر منه سوى الجيش. ودلل هذا الفريق على موقفه بالمشروعات العملاقة التي يقودها النظام الحالي ومنها "قناة السويس" وإنجازه العديد من المهام محليا ودوليا في وقت قياسي.
استقالات بالجملة
كانت الاستقالة المدوية لد. سعيد توفيق، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، هي الأكثر إثارة للجدل في مصر خلال عام 2014، خاصة وأنها جرت وقائعها العلنية خلال التصويت على جوائز الدولة المصرية، وعلى الهواء مباشرة! وقال "إنني أعلم علم اليقين أنكم مثل سلفكم لا تريدون لأي إنجاز حقيقي أن يظهر باسم غيركم، وقد عانيت طويلاً لتمرير لائحة جوائز الدولة التي تحاولون إسقاطها". وأضاف : " سوف أترك هؤلاء ليكونوا شهداء عليكم جميعاً، إضافة لمشروع صندوق رعاية المثقفين الذي يتم تعويقه منذ عهد الوزير الإخواني، وهو ما كان من حيثيات استقالتي المسببة التي قدمتها آنذاك".
يواصل توفيق: والعجيب أنني أضطر لتقديمها مجدداً بعد ثورة، قامت على نظام الإخوان في الثلاثين من يونيو، وقد يبدو في ظاهر الأمر أننا إزاء وزارة جديدة، ولكن المتأمل الفطن لحقائق الأمور سيكتشف أننا إزاء نظام شكلي جديد يستخدم نفس أدوات نظام الإخوان من إقصاء الآخرين المختلفين، وتمكين الأتباع الموالين، والحفاظ على المصالح الشخصية دون اعتداد بمصلحة الوطن، ومحاولة تشويه الشرفاء بكل السبل الممكنة..ما أشبه اليوم بالبارحة.
أما الاستقالة الثانية والتي تعد الأبرز خارج الوسط الرسمي، فهي استقالة الأديب المصري د. يوسف زيدان، احتجاجا على استمرار د. إسماعيل سراج الدين مديرا لمكتبة الإسكندرية برغم شبهات الفساد التي تلاحقه، وقد أعلن الأديب صاحب رواية "عزازيل" أنه سيتوقف عن أى فعلٍ وتفاعلٍ ثقافىٍّ فى مصر والبلاد العربية وسينقطع عن الكتابة الأسبوعية بالصحف، والصالونات والندوات الفكرية ، وما عدل عنه الكاتب فيما بعد كان استقالته من اتحاد كتاب مصر بعد مكالمة من سلماوي .
وكان زيدان قد أثار الجدل خلال العام بتصريحه بضرورة إغلاق جامعة الأزهر، وتعليق الدراسة بكلياتها عامين، وأثار الجدل مجددا بصالونه في ساقية الصاوي الذي برأ فيه اليهود من تنفيذ مذبحة صابرا وشاتيلا ، وهاجم فيها المقاومة الفلسطينية ، وقال أن الماسونية ليست شرا وأن الصهيونية وهم وأن العرب فعلوا قديما ما ينكرونه على يهود اليوم .
شهد العام استقالة د. رشا اسماعيل، رئيس المركز القومي للترجمة، بعد شكواها من تراجع المستوى الفني للعاملين بالمركز .
أما الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي فكان قد أعلن استقالته من جميع المناصب الثقافية ،غاضبا من تعامل وزير الثقافة د. جابر عصفور مع رؤساء تحرير السلاسل الثقافية، غير أنه عاد وتراجع عن استقالته، وهو ما وصفه عدد من الشعراء في تصريحات لمحيط بأنه "ركوب معتاد لعربة السلطة" واستعادة لزمن مبارك ، ملمحين لدور محلب بعودة حجازي، وأكدوا أن المثقفين لا يجب أن يكونوا عيالا على وزارة الثقافة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.