الفساد، هذه المعزوفة الخالدة صاحبة التشبيهات التقليدية كالفساد العالق، والفساد المتراكم الناعم، وغيرها من المفردات التى بات المثقف المصرى يألفها ولم تعد بالنسبة له حصرية بالمرة.. تحدثنا إلى وزراء الثقافة الثلاثة الذين جاءوا بعد الثورة، لكى نعرف هل وصل «عيش حرية عدالة اجتماعية» إلى وزارة الثقافة أم لا؟ الثقافة وزارة الحزب الوطنى الدكتور جابر عصفور كاتب ومفكر عمل رئيسا للمجلس القومى للترجمة وكان أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة. تولى منصب وزير الثقافة فى 31 يناير 2011 خلفا للوزير السابق فاروق حسنى، ثم استقال من منصبه فى 9 فبراير 2011 لرفضه حكومة الفريق أحمد شفيق التى وصفها آنذاك بحكومة لجنة السياسات. من خلال عرض سريع لتلك الأيام التى قضاها عصفور وزيرا للثقافة قال: إن دخوله الوزارة وقبوله المنصب جاء بعد مكالمة تليفونية من رئيس الوزراء آنذاك أحمد شفيق، الذى طلب منه الاشتراك فى حكومة إنقاذ وطنى. وأضاف عصفور: لأننى لا أقبل الأوضاع غير الصحيحة، حذرت شفيق من أن يملى على أوامره، ويوم أداء اليمين اتضح لى أن نصف الوزراء بالحكومة موجودون من قبل فى لجنة السياسات والحزب الوطنى المنحل، وقلت ذلك فى أول وآخر اجتماع وزارى أحضره حينما اعترضت على ما قاله أنس الفقى بأن «وزارة الثقافة ما هى إلا وزارة للحزب الوطنى واستعنا بك لخبرتك لا أكثر ولا أقل». وأكمل عصفور: كان من الطبيعى أن أقدم استقالتى لأننى كنت أرغب فى حكومة ائتلافية لا حكومة يسيطر عليها الحزب الوطنى. الفن ميدان الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة الثالث الذى تولى مهام الوزارة فى حكومة عصام شرف 5 مارس 2011، وقدم استقالته فى 20 نوفمبر 2011 بسبب سياسة المجلس العسكرى فى قمع المتظاهرين، يرى أن هناك تغييرا طفيفا ولكن المشكلة تكمن فى التعامل مع الوزارة باعتبارها للمثقفين والمبدعين وهذا ليس دورها لأنها وجدت لتقديم الخدمات الثقافية للمواطن وليس المبدع الذى يحتاج فقط حماية لإنتاجه الفكرى والأدبى ضد القرصنة على حرية الإبداع والفكر والتعبير بالإضافة إلى الحفاظ على التراث الثقافى الحديث والقديم. ويضيف أبوغازى: بخصوص عملية النهوض الثقافى ورؤيته الخاصة بتفعيل العملية الثقافية، بدأنا العمل فى لحظة حاسمة يحاصرها الظرف السياسى للبلاد، بالإضافة إلى مشكلات العمل المتوقف بصورة ثابتة فى العديد من المؤسسات الحكومية، ولكن بالنقاش والتحاور استطعنا تذويب الكثير منها وتم تفعيل المواقع الثقافية بمزج لجان المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب ودار الكتب والأوبرا. وعلى مستوى الاحتفالات قال أبوغازى: «خرجنا بها وحققت نجاحا باهرا وذلك بالاقتصاد من ميزانية فعاليات ليالى المحروسة التى تقدر ب300 ألف جنيه وكانت تنفق على موقع واحد ولكن قسمت بشكل يجعلها تقام فى جميع المحافظات لتفعيل تجربة قوافل الثورة الثقافية فى الميادين والشوارع وتجربة المسرح والخروج بها جميعا إلى الحدائق العامة والساحات وهذا كان جزءا من خطتى». ويؤكد أبوغازى أن الريادة الحقيقية والمبادرة الأهم فى تجربة خروج الفنون إلى شوارع مصر كانت بفضل فعاليات المهرجان الفنى الثقافى «الفن ميدان» الذى سجل له التاريخ هذه الريادة. عوامل الإحباط واليأس الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الرابع بعد قيام ثورة 25 يناير والذى تولى حقيبة الوزارة بحكومة كمال الجنزورى فى 7 ديسمبر 2011 وقدم استقالته فى مايو 2012، قال إن التغييرات الوزارية على مستوى وزارة الثقافة ليست مكسبا أو قدرة على مواجهة الثبات واحتلال المناصب لأنها تخضع دائما لأسباب سياسة معروفة. وعن اعتراض الدكتور جابر عصفور على سياسة عبدالحميد داخل الوزارة قال د.شاكر: إن الجميع يعرف من البداية أن الدكتور جابر عصفور أتى إلى الوزارة مع حكومة أحمد شفيق لذلك فهو يحكم على تجاربنا فى الوزارة باعتباره أستاذنا وكان يتمنى أن نؤدى بشكل أفضل ولكن الظروف كانت بالغة الصعوبة، فجزء كبير من الوقت كان يهدر فى فض المظاهرات ودراسة المشاكل وتصفية الحسابات ولكن فى حدود ما أتيح لنا أنجزنا الكثير مما يستهين به البعض. ويضيف عبدالحميد: أنا وزملائى أنجزنا معرض القاهرة الدولى للكتاب وكان ناجحا إلى درجة كبيرة، ورغم كل صعوبات هذه الفترة قاومنا كل عوامل الإحباط واليأس وخيبة الأمل، وتم افتتاح المعرض بعد أول عام من الثورة وقد شارك فى ندواته عدد كبير من المثقفين، واجتمع فيه عدد كبير من المصريين والعرب والأجانب، بالإضافة إلى مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، ومهرجان القاهرة لسينما الأطفال، وعودة مكتبة الأسرة بروح جديدة وبشكل أفضل وتفعيل بعض المجلات الثقافية مثل مجلتى «فصول والمجلة» وعدد ليس بقليل من الافتتاحات على رأسها افتتاح مسرح بيرم التونسى ومركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية، وقصر ثقافة الغردقة. وعن تجربة الدكتور عماد أبوغازى يقول عبدالحميد، إن أبوغازى كانت لديه توجهات ديمقراطية وكان يسعى لتحقيقها، ليطبع بها لجان المجلس الأعلى للثقافة ويجعلها تمثل جميع التيارات والأعمار ولكن ضغط الوقت كان عامل سلبيا وكانت طريقة أبوغازى غير مثالية وبها بعض العيوب الخاصة بعملية الترشيحات التى تعتمد على معيار المعرفة لا الكفاءة. ويرى عبدالحميد أن الكتابات بعد الثورة اشتملت على نوعين من الكتابات «التسجيلية، الانطباعية». أما الإبداع فى ظل الثورات والحروب بصفة عامة فيحتاج إلى بعض وقت للتأمل وهضم الحدث والتعبير عنه. لذلك فالكتابات الجيدة لن تأتى إلا بعد خمس سنوات على الأقل، وذلك حتى تتوفر مساحة إبداعية بين الكاتب والحدث.