ابتسامة فرح كبيرة ارتسمت على وجوه الفلسطينيين في قطاع غزة، عقب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين الفصائل الفلسطينية، وإسرائيل برعاية مصرية، آملين أن تنزاح أوجاع سبع سنوات عجاف، من الحصار الإسرائيلي ، وأن يتم فتح كافة المعابر التجارية. غير أن المعاناة الإنسانية لنحو (1.9 مليون فلسطيني)، تفاقمت، وازدادت سوءا، يوما بعد آخر، في مشهد قاسٍ لا يحمل بشرى قريبة بالفرج وفق ما يرى سياسيون واقتصاديون، بفعل ما وصفوه ب"لعنة الجغرافيا". ويقول معين رجب، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر بغزة، إنّ قطاع غزة، بات يخضع لما يُوصف ب"لعنة الجغرافيا". وأضاف لوكالة الأناضول، إنّ الشريط الساحلي الضيق على أرض مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً، يئن تحت وطأة حصار سياسي، واقتصادي، وجغرافي. وتابع:" الجغرافيا تحّول اليوم قطاع غزة، إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، فإغلاق إسرائيل للمعبرين الوحيدين الخاضعين لسيطرتها، إضافة إلى إغلاق معبر رفح الحدودي، كفيل بتطويق هذه المنطقة الصغيرة، وعزلها بالكامل". ومساء أمس أغلقت السلطات الإسرائيلية ، معبري "كرم أبو سالم" وبيت حانون (إيريز)، دون أن تحدد مدة إغلاقهما، وعزا الجيش الإسرائيلي قرار الإغلاق ب"دواعٍ أمنية". وأكد رجب، أن قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ عام 2007، أصبح رهن التغيرات السياسية التي تحددها الجغرافيا. وتابع: "شمال وشرق القطاع هناك إسرائيل، التي تحدد متى وكيف تغلق المعابر الخاضعة لسيطرتها وفق المزاج الأمني والسياسي، ومن الجنوب هناك مصر، والمنفذ البري الوحيد الذي يخضع هو الآخر للتغيرات السياسية والأمنية في مصر، وهو ما يجعل القطاع محاصرا، على الدوام". وكان القطاع في السابق، يتمتع بسبعة معابر تخضع ستة منها لسيطرة إسرائيل، فيما يخضع المعبر السابع، (رفح البري)، للسيطرة المصرية. لكن إسرائيل، أقدمت بعد سيطرة حركة حماس على القطاع في صيف عام 2007، على إغلاق 4 معابر والإبقاء على معبرين فقط، هما معبر كرم أبو سالم، كمنفذ تجاري، ومعبر بيت حانون (إيرز) كمنفذ للأفراد. وأغلقت السلطات المصرية معبر رفح البري، عقب الهجوم الذي تعرض له الجيش المصري في محافظة شمال سيناء، بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين أول الماضي، والذي أدى إلى مقتل 31 جنديا، وجرح آخرين. وهذه "الجغرافيا"، والحدود كما يرى هاني البسوس أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، زادت من قسوة الحصار. وأضاف البسوس لوكالة الأناضول: "في السنوات السبع الماضية، لعبت الجغرافيا والحدود دورا كبيرا، في زيادة معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، فعند أي حدث سياسي، أو أمني هناك إغلاق لكافة المنافذ". ومنذ أن فازت حركة "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي. وحذر البسوس، من أن تراكم آثار ما وصفه ب"اللعنة" سيفجر قطاع غزة، إلى نحو غير مسبوق. واستدرك بالقول: "يشعر سكان قطاع غزة، بعد أكثر من شهرين على اتفاق الهدنة بالإحباط، والضيق، وأنّه لا شيء تغير، وهذا قد يولد انفجارا غير مسبوق تجاه الجغرافيا والحدود". وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم 26 أغسطس/ آب الماضي، إلى هدنة، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال شهر من الاتفاق، ومن أبرزها تبادل الأسرى وإعادة العمل إلى ميناء ومطار غزة. وجاءت هذه الهدنة، بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق أرقام فلسطينية رسمية. وهذه الجغرافيا تحاصر قطاع غزة، من جميع النواحي، وتعرقل أي مشاريع استثمارية، وتنموية كما يرى "عادل سمارة" مدير مركز "مشرق للدراسات الثقافية والتنموية (غير حكومي) في رام الله بالضفة الغربية. ويقول سمارة، لوكالة الأناضول إنّ إسرائيل تتحكم في خارطة قطاع غزة الاقتصادية، والسياسية والجغرافية. وتابع: "إسرائيل تفتح المعابر وتغلقها متى أرادت، وبالكيفية التي تريد، وللأسف هذه الطريقة، تحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة، ومعزولة، لا يمكن أمامها الحديث عن أي إعمار". وأكد أن هذه الحدود، والجغرافيا وإغلاق معابر القطاع بين الفينة والأخرى، يجعل الحديث عن الخطط الاقتصادية، منقوصا ولا فعالية له على أرض الواقع. وعلى المجتمع الدولي، أنّ يتصدى لإسرائيل، ولكافة اللعنات التي تحاصر قطاع غزة (الجغرافية، والسياسية) كما يقول علي الحايك، رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين. ويُضيف الحايك لوكالة الأناضول: "لا يمكن أن تبقى معابر غزة رهينة للمزاج السياسي، والتقلبات الأمنية، أو أي توتر يحدث في المنطقة، يجب عزل القطاع عن كل ما من شأنه أن يزيد الحصار، فهذه المعابر يجب أن تبقى في الإطار الإنساني، بعيدا عن أي عناوين أخرى". وأكد الحايك، أن إبقاء قطاع غزة على هذا الحال، وعدم التحرك لإنقاذه، كفيل بتفجير الأوضاع، وإعادتها إلى دوامة العنف والتصعيد. واستدرك بالقول: "يجب فتح كافة الحدود، والمعابر للبدء في إعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وإعادة المشردين إلى بيوتهم، فنحن أمام كارثة لا يمكن وصفها". ووفق بيانات أممية، فإن أكثر من مائة ألف شخص من سكان غزة مازالوا مشردين حتى اللحظة، بينهم 50 ألف يعيشون في مبانٍ تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).