وصلت رواية "صيف سويسري للكاتبة العراقية إنعام كجه جي، الصادرة في طبعة مصرية عن الدار المصرية اللبنانية، إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها العشرين لعام 2026. تمثل رواية «صيف سويسري» لإنعام كجه جي تجربة سردية تستند إلى تراكم طويل في مشروع الكاتبة، حيث يتقاطع فيها عمل الذاكرة مع منطق الأمثولة ومع دلالة المكان الغريب وصيغة الاعتراف التي تتسلل إلى النص بكثافة. هذا التكوين الرباعي يمنح الرواية طبيعتها الخاصة، بوصفها نصًا يعيد تفكيك بنية الإخفاق العراقي عبر سلسلة من الحكايات المتجاورة التي تتشابك ولا تتصالح. ورغم الاقتصاد الشديد في عنوانها، فإن «صيف سويسري» ليست رواية عن فصل موسمي عابر، بل عن ماضٍ يلاحق أصحابه حتى وهم في فضاءٍ نقي، بعيد تمامًا عن جغرافيا الألم الأولى. تلتقي في مصح سويسري أربع شخصيات عراقية، يجمعها الظاهر العلاجي وتفرّقها باطنًا الجروح التي لم تُشفَ. الشخصيات هي حاتم الحاتمي، بشيرة، غزوان البابلي، ودلاله شمعون؛ وكل منهم يحمل سرديته الخاصة عن بلدٍ أنهكه التحول السياسي والعنف الممنهج، بحيث يصبح كل صوت تجسيدًا لتجربة عراقية مختلفة. وأكثر ما يلفت في بناء الرواية أن السرد يمنح الحاتمي وحده حق الصوت المباشر بصيغة المتكلم، في خمس عشرة فقرة من أصل ست وعشرين. هذا الامتياز ليس اختيارًا عابرًا، بل علامة على أن الرواية تتبنى منظورًا يُبقي صوت الجلاد حاضرًا ومهيمنًا، حتى في مساحة تبدو محايدة مثل المصح السويسري. يمتد زمن الرواية بين نقطة تأسيسية تتصل بما جرى في قاعة الخلد عام 1979، وهي لحظة ولادة «القاتل» في الوعي العراقي الحديث، وبين زمن الرحلة العلاجية أواخر الألفية. تتفرع عنها سرديات الضحايا: بشيرة التي تتحمل أذى الاغتصاب السياسي، وغزوان الذي ينتمي إلى طبقات الوجع الشيعي، ودلاله التي تحمل ذاكرة آشورية مثقلة بالفقد. كل شخصية تمثل نموذجًا لقراءة المظلومية، لكن الرواية تتعامل مع هذه النماذج بحذر، فلا تُغرقها في الرثائية، ولا تمنحها قوة مطلقة في مواجهة الحاتمي، بل تضع الجميع في فضاء واحد متساوٍ تحت سلطة المكان. في هذا الإطار، تبدو «صيف سويسري» قبل كل شيء رواية عن القاتل، عن حضوره الذي لا يزول، وعن محاولته صياغة اعترافٍ لا يكتمل. فالرواية لا تكشف جرائمه تفصيليًا، بل تُظهرها عبر التلميح والفراغات التي يتركها السرد لكي يفهمها القارئ. يتوسع النص في حكاية الحاتمي مع السلطة وعلاقته ببشيرة، وكأن الماضي يصر على أن يتكلم عبره مهما حاول الهروب منه. أما بشيرة، رغم كونها الضحية الأشد حضورًا، فلا تُمنح صوتًا يروي ذاتها، في إشارة إلى أن الضحية لا تستطيع استعادة ماضيها في لغة ليست لغتها. في خاتمة الرواية، يظهر صوت سندس، ابنة بشيرة، لتروي مصائر الشخصيات جميعًا بعد الاحتلال. صوت شاب يتعامل مع العراق بوصفه وطنًا يمكن زيارته لا حمله، كأن الرواية تختتم بدرسٍ يقول إن الشفاء الكامل قد يأتي من جيلٍ لا يحمل عبء الأمثولة، ولا يخشى النظر إلى الذاكرة من مسافة.