أثارت الخطوة التي أقدم عليها البرلمان القومي بجنوب السودان، بإجازة قانون جهاز الأمن الوطني للعام 2014 ، جدلا واسعا وردود فعل رافضة ومنددة بالقانون على المستويين المحلي والدولي. القانون الجديد، بحسب مراقبين ومحللين، احتوى علي العديد من البنود التي تتعارض في جوهرها مع وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لجنوب السودان للعام 2011، إلي جانب أنه يعبر عن رغبة السلطة السياسية بالدولة الوليدة، في تعزيز صلاحيات أجهزة الأمن على حساب الحريات. معارض جنوب سوداني تساءل "إذا قاموا باعتقالك، إلي أين سياخذونك؟، هل إلي بيوت الأشباح كما كان عليه حالنا في الخرطوم (يقصد مواقع اعتقال غير معلومة)، أم أن هناك أماكن معينة للاعتقال مثل الشرطة والسجون؟". جاء تصويت البرلمان بالموافقة على المشروع الأربعاء الماضي بحضور 87 عضوا من أصل 310 أعضاء، بعد فشله خلال جلستين سابقتين في إجازته لعدم بلوغ الأعضاء للنصاب القانوني (50% +1)، الذين قاطعوا الجلسات كنوع المعارضة على القانون، وتنص اللوائح الداخلية للبرلمان على أنه يمكن إقامة الجلسة في المرة الثالثة بأي نصاب وتعتبر قانونية. مقاطعة ويرجح أن يكون غياب نواب كثيرون عن جلسة التصويت على القانون نوعا من المقاطعة المسبقة من النواب الذين لم يشاركوا في حضور الجلسة بمن فيهم أعضاء من الحزب الحاكم نفسه، ولا يصبح القانون الجديد ساريا إلا بعد مصادقة رئيس جنوب السودان سلفا كير عليه. وواجه مشروع القانون الجديد معارضة شديدة حتي قبيل إجازته بمراحل، حيث طالب بعض أعضاء البرلمان بمنحهم المزيد من الوقت لتنقيحه ومراجعة بعض بنوده. وطالبت منظمة العفو الدولية أعضاء البرلمان القومي بجنوب السودان بعدم المصادقة علي مشروع قانون الأمن الوطني المعروض أمامهم، والذي قالت عنه إنه "يبدو قمعيا في شكله الحالي". وقالت المنظمة، في بيان سابق لها، "يجب علي البرلمان القومي لجنوب السودان عدم المصادقة علي قانون الأمن الجديد بصلاحياته القمعية تلك"، لكن البرلمان لم يلتفت إلي نداءات ومناشدات دولية بعدم تمرير القانون والتحذير منه صوت البرلمان على إجازته دون تعديلات تذكر. كما اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن القانون الذي لم يصادق عليه بعد الرئيس سلفا كير، يقر "الاعتقالات والاستجوابات المفرطة لجهاز الأمن الوطني". ففي تعارض صريح مع الدستور الذي يعرف مهام جهاز الأمن الوطني في المادة 159 فإن المهمة الأساسية لجهاز الأمن هي "جمع المعلومات وتحليلها وتقديم النصائح والإرشادات للجهات المعنية"، لكن القانون الجديد يعطي جهاز الأمن الوطني سلطة مطلقة في الاعتقال، ومصادرة الأملاك بحسب المادة 50 من نص القانون الجديد. نكسة كبيرة واعتبرت المعارضة المدنية في جنوب السودان أن إقدام الحكومة علي إجازة هذا القانون نكسة كبيرة للعملية الديمقراطية بالبلاد. ووصف زعيم الأقلية بالبرلمان القومي لجنوب السودان، وعضو حزب المعارضة الرئيسي المعروف بالحركة الشعبية لتحرير السودان- التغيير الديمقراطي- أونوتي اديقو، القانون ب "المريع". واعتبر اديقو، في حديث لوكالة الأناضول، أن النظام الأمني المقترح مأخوذ من تجربة الحكومة السودانية في الخرطوم، وهي تجعل المواطنين عرضة للاختطاف وأخذهم إلي بيوت الأشباح، وهي الأماكن الغير معروفة والتي تتخذها الأجهزة الأمنية أماكن سرية للتعذيب. اديقو أضاف أن الاستعانة بجهاز منفصل للأمن هو نظام متبع في الحكومات الديكتاتورية، حيث لم يكن موجودا في السودان في ستينيات القرن الماضي. ومضي قائلا "نحن نخشي أنهم إذا قاموا باعتقالك، إلي أين سياخذونك؟، هل إلي بيوت الأشباح كما كان عليه حالنا في الخرطوم، أم أن هناك أماكن معينة للاعتقال مثل الشرطة والسجون؟". مناهضة القانون ودعت مجموعة من الناشطين في المجتمع المدني والإعلاميين في جنوب السودان إلي تكوين جبهة عريضة لمناهضة قانون جهاز الأمن والطعن عليه أمام القضاء كونه يتعارض مع الدستور. ويقول ابراهام مرياك البينو، الكاتب والمحلل سياسي بصحيفة الموقف العربية التي تصدر بجوبا "ندعو كافة المحاميين الوطنيين لأن يتقدموا الصفوف نيابة عن الضعفاء ويطعنوا في هذا القانون في المحكمة العليا في الوقت المناسب" وأضاف ل"الأناضول" أن "التجارب علمتنا أن ضحايا مثل هذه القوانين هم دائما أبرياء ينشطون في المجالات العامة، وقبل هذه الخطوة نتوقع أن يستجيب الرئيس لمطالب الملايين ويجتهد لتوفير قدر معين من الإجماع على القانون المثير". يوافق بيتر كير، الكاتب الصحفي والقانوني الراي السابق . معتبرا أنه من الأفضل لرئيس الجمهورية أن يعيد هذا القانون إلى منضدة البرلمان مرة أخرى حتى يتم مناقشته بشكل شفاف وأمين وعادل ومقنع لكل عضو من أعضاء البرلمان. واستدرك كير قائلا ل"الأناضول" "نحن لانريد لهذه الدولة الفتية أن تتعرض إلى الوهن والضعف من ناحية حفظ أمنها الداخلي، موقفنا ياتي من منطلق دستوري أولا ثم خوفا من إساءة اسخدام هذه السلطات من قبل أفراد جهاز الأمن ". ويخشي مراقبون أن يتم استغلال تلك الصلاحيات الواسعة لتقييد حرية الصحافة والتعبير وملاحقة الناشطين السياسيين والكتاب ومنعهم من المجاهرة بآرائهم. وسبق أن اغلق جهاز الأمن صحيفة "ذا دستني الانجليزية"، ودورية "المجهر السياسي العربي"، دون أن يكون له قانون يعطيه الصلاحيات في القيام بذلك . مخالف للدستور ويطالب الور بيونق، الناشط الحقوقي ومدير مركز للدرسات الأفريقية، رئيس جنوب السودان بعدم السماح بتفعيل قانون جهاز الأمن الوطني ورفضه. وقال في حديثه لوكالة "الأناضول" "هذا القانون يخالف الدستور الانتقالي لعام 2011، لان الدستور ينص بأن مهام جهاز الأمن القومي هي جمع و تحليل المعلومات و تقديمها للجهات المختصة، إضافة لذلك هذا القانون ينتهك الحريات العامة لأفراد شعب جنوب السودان وحريات الصحافة والإعلام، لذا نطالب فخامة الرئيس برفض هذا القانون ".