"شاشه وما شاشه.. شيه.. مرة كنت ماشي.. شيه.. على الكورنيشه.. شيه.. شفت الشاويشه.. شيه.. راكبه ع الجحشه.. شيه". هذه الكلمات هي مطلع أهزوجة منغومة باللهجة السورية، ترددها إحدى المتطوعات لإدخال السرور على قلوب أطفال مخيمات النازحين السوريين في العيد.. حيث تتبادل المتطوعة والأطفال المقاطع في انتظام، يحول الأغنية للعبة طريفة، يعشقها الصغار المحرومين من أبسط الاحتياجات. وغير بعيد عنها في ساحة مخيم "دعاة الكويت" للنازحين السوريين بمحافظة إدلب شمال سوريا، يجلس عمار الشيخ (27 عاما)، بزي كرنفالي ملون، وشعر مستعار كثيف تختلط فيه ألوان الأصفر والأحمر والأزرق، ممسكا بفرشاة ألوان، تخط رسومات مبهجة على وجوه الصغار التي لوحتها حرارة الشمس وتراب المخيم. ويقول عمار وفرشاته لاتزال على وجه الصغيرة ميس، "أشعر أنني أرسم الأمل على وجوههم، وأنتزع البسمة من بين أحزانهم". ويشير إلى الفتاة التي يخط على خدها فراشة خضراء تتناغم مع لون عينيها الجميلتين "هذه مثلا، طفلة لم تتجاوز العامين ونصف، تدعى ميس، استشهد والدها بصاروخ مؤخرا، كم تليق بها الفراشة، فالفتيات تناسبهن الرسوم الناعمة، بينما الصبية يفضلون الرسومات التي تدل على القوة، مثل وجه النمر وغيرها". أما الصغيرة إلهام التي قتل أخوها الشاب في قصف صاروخي على منطقتهم منذ عام، ورفيقتها سدرة التي كان والدها معتقلا في سجن تدمر الشهير، ففضلتا أن تلعبا معي لعبة "الصحافة"، وراحتا تساعداني في الحديث إلى أطفال المخيم. محمد عباس (7 سنوات)، من محافظة حمص، يسابق أخاه الأكبر منه بعامين، نحو لعبة كبيرة منتصبة وسط ساحة مخيم الشهداء، يصعد الأطفال على سلم لقمتها من جهة، ثم ينزلقون في اسطوانة من الجهة الأخرى، يتوقف لحظات ليتحدث إلينا قائلاً "جئنا المخيم منذ شهر فقط، بعد أن استشهد والدي برصاصة طائشة في رقبته، وهذا العيد جميل لأن في المخيم لعبة الزحاليطات التي أحبها كثيرا".. وأسرع مجددا نحو لعبته المفضلة. "الفيشة".. طاولة خشبية، تقطعها عرضيا عدة عصي خشبية كذلك، معلق فيها نماذج مصغرة للاعبي كرة قدم، يحرك الأطفال أطراف العصي، فتترحك نماذج اللاعبين لتضرب كرة صغيرة على الطاولة، تنتقل بين الجميع حتى تدخل في فتحة صغيرة بأحد أركان الطاولة.. وهكذا يصبح الفريق قد حقق هدفا.. وحول هذه اللعبة التي وضعت داخل غرفة مبنية بالحجر الجيري، لا يتجاوز مساحتها متر ونصف المتر المربع، تزاحم أكثر من 12 طفلا تتراوح أعمارهم بين خمس واثنى عشر عاما، بعضهم يلعب وبعضهم يشجع بحماس والبعض الآخر ينتظر دوره في اللعب. ميسر عوض (36 عاما)، من مدينة حماة وسط سوريا، وصاحب هذه اللعبة الموجودة وسط مجمع للمخيمات بإدلب، يوضح "هذه اللعبة نموذج لمباراة كرة قدم، والإقبال عليها خاصة في أيام العيد كبير، قد يصل إلى 300 طفل في أول يوم، خاصة لرخص تكلفتها، فالطفل يدفع في المباراة الواحدة 5 ليرات فقط (0.03 دولار)". وغير بعيد عن دكان ميسر، يدير مازن ( 27 عاما) النازح من مدينة حماة للمخيم منذ عام، صالة للبلياردو، بها 3 طاولات للعبة الشهيرة بأصلها الأرستقراطي، ويشير إلى أن "أكثر الأيام إقبالا، يوم العيد من الصبح للمساء، وخاصة من الشباب، الناس ملت من حياة النزوح وتعب المخيمات، فهذا المشروع مصدر دخل لي وسعادة أيضا لشباب المخيم"، لافتاً إلى أن "سعر المباراة 50 ليرة (0.3 دولار)".