لألعاب ظاهرة طبيعية وتلقائية فهى قديمة قدم الخلق ذاته و قد امتلأت الحضارة الفرعونية وصولا إلى العصر الإسلامى بحكايات ممتعة عن الألعاب الشعبية فهى عالم سحرى جميل. فهى تعد جزءًا من الموروث الشعبى لايتجزأ عن الحارة الشعبية التى استخدمت اللهو و التسلية و قضاء اوقات الفراغ حافزا لإبراز الطاقات الكامنة لدى الكبار و الصغار على حد سواء موروث مفردات الحياة اليومية سواء للاطفال أو الكبار اذ تعتبر الالعاب إحدى طرق المساهمة فى صقل شخصية الطفل و بنائها. بداية يقول أحمد زحام - كاتب أطفال و نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة سابقا - تكونت الألعاب على مدار قرون منذ بدايات العصر الفرعونى ففى إحدى لوحات مقابر بنى حسن رسم المصور المصرى القديم 220وضعا مختلفا من أوضاع المصارعة تشرح قواعدها وأصولها وتشرح بعض الرسوم و كيفية بداية المباراة عندما يواجه كل من الخصمين زميله. وكذلك ألعاب المبارزة بالسلاح فهى تعتبر امتدادا للتحطيب الفرعونى الذى كان من أهم الألعاب المستحبة و الشائعة بين المصريين وقد بدأ التحطيب فى العصر الفرعونى كطقس من الطقوس الكهنوتية التى تؤدى فى الأعياد الدينية إلا أنهم كانوا يستخدمون لفافات البردى بدلا من العصى الخشبية حتى لا يصاب المتبارزون بالأذى، ثم تطورت باستخدام العصى بدلا من البردى ومازال التحطيب له شعبية كبيرة فى صعيد مصر و تؤدى لعبة التحطيب بمشاركة رجلين ولا يسمح بمشاركة النساء فى تلك اللعبة فهي لعبة ذكورية يتحلق حولها شباب القرية فى شكل دائرة ويقوم كل رجل بتقديم تحية للزمار ممسكا بالعصا و راقصا بها يستخدم فيه جسمه كله فى رقصات تشبه الطقوس، ثم يدور كل اللاعبين حول الآخر مؤدين التحية ثم تبدأ اللعبة بضرب العصا فى حركة أشبه ما تكون للعراك الحقيقى، والتحطيب لعبة انتشرت فى الصعيد إذ يعتبرها أهل الصعيد لعبة تعلى من قيم الرجولة والقوة والشرف. وعن كرة القدم قال هى: من أقدم أدوات اللعب التى ابتكرها المصرى القديم و كان يصنع الكرة من أكياس نسيج الكتان بالقش و الخيش وهى تعرف شعبيا اليوم باسم الكرة الشراب ورغم مرور ستين قرنا إلا أن قواعدها مازلت معروفة حتى الآن وبخصوص لعبة الحكشة أوضح أنها لعبة ريفية تستخدم فيها مضارب الكرة والتى يتم صنعها من جريد النخيل المفرطح الطرف أو سيقان الخيزران بجذورة الصلبة ما هى إلا لعبة الجولف العالمية بعصيها وطريقة لعبها، ثم تطورت تلك اللعبة إلى صناعة كرات مختلفة الأحجام و الأغراض فاستخدمت الكرة فى الألعاب المائية و أخرى فى السيجة وهى لعبة شهيرة تعنى المحاورة وهى أكثر الألعاب ارتباطا بالفلاح المصرى وكان يلعبها فى وقت الفيضان و كانت لوحة لعبة السيجة القديمة تقسم إلى 61 فى 63مربعا وكان يتم حفرها أو رسمها على الأرض أو تخطط علي الرمال فى الحقول وتعد قطع لعبها من الحصي و الأحجار المختلفة الألوان و الأشكال. و أكد زحام أن التطور الاقتصادى والتقدم العلمى كان أحد الأسباب المهمة فى اختفاء الألعاب الشعبية و اندثار معظمها خاصة فى المدينة فالتطور العمرانى أدى إلى قلة مساحات اللعب فى المدينة و التطور العلمى أدى إلى وجود أساليب ترفيهية أخرى كألعاب الكمبيوتر والانترنت إلى جانب السينما والتليفزيون كما أن انتشار الألعاب العلمية أثرت على حركة الطفل وأضعفت من علاقاته الاجتماعية بين الأطفال بعضهم البعض وحذر من تعرض الألعاب الشعبية إلى الاندثار والانقراض وانتشار الألعاب الوافدة. ويضيف: من المؤسف أن تتعرض الكثير من ألعابنا الشعبية إلى الاندثار أو تنسب إلى شعوب أخرى كما تعرضت كثير من ألعابنا إلى الكثير من التشويه خلال هجمات الغرب الفكرية التى استخدمتها عوالم شديدة الابتكار من وسائل تقنية حديثة كالنت و الفيديو جيم أدت إلى الانعزالية و عدم الإبداع. هذا فى الوقت الذى يعتبر علماء النفس أن اللعب وسيلة لفهم ودراسة الطفل و سلوكه ودراسة مشكلاته وعلاجها فاللعب ينمى جوانب عديدة من حياة الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والانفعالية. و أوضحت الباحثة هدية دندراوى أستاذ مساعد التربية الموسيقية بجامعة الوادى أن للموسيقى واللعب قدرة كبيرة على استعادة التوازن النفسى لمن يعانون مشاكل نفسية والقضاء على ما يعانيه البعض من قلق اجتماعى وإكسابهم الجرأة والشجاعة كما يستخدم العلاج باللعب أو اللعب العلاجى طريقة فعالة للعلاج النفسى بالنسبة للأطفال الذين يعانون من مخاوف نفسية وتوترات عصبية. و تقول دعاء صالح باحثة فى مجال الدراسات الشعبية ومدير إدارة الرسوم والخرائط والإصدارات بالإدارة العامة لأطلس المأثورات الشعبية يساهم اللعب بشكل كبير فى نمو الإدراك وعمليات التخيل لدى النشء كما إن له أهمية كبيرة فى حياة الطفل و سنواتهم الأولى: ويقول الكبار أن لعبة عسكر وحرامية على سبيل المثال لعبت دورا كبيرا فى إثراء روح المغامرة لدى الأطفال و إعلاء قيم الخير على الشر وقديما انخرط الكبار فى الاهتمام وممارسة الألعاب الشعبية و إعداد دمى و أدوات اللعب للأطفال و تواجه الألعاب الشعبية خطر الاندثار، بالإضافة إلى تغير أنماطها ويقل ظهورها بشكل بطىء شديد خاصة فى أواسط الأغنياء. ومن أهم الألعاب وأشهرها لعبة السبع طوبات و التى يتم فيها رص 7 طوبات فوق بعضها والتنشين عليها بكرة فإذا استطاع أن يسقط ال 7 طوبات يكسب وكذلك لعبة صيادين السمك وهى لعبة تمارس فى أى مكان مفتوح لأنها تحتاج إلى عدد كبير من اللاعبات وتكون فيها البنات فريقين كل فريق 3 فتيات بالإضافة إلى «الطيشة» وهى البنت التى تلعب لصالح الفريقين فقط تراقب سير اللعبة و كذلك لعبة القطة العامية وهى لعبة بين فريقين أو لاعبين وتمثل قرعة لاختيار اللاعبة أو الفريق الذى بدأ التبارى فى اللعبة اللاحقة و نضيف إليها لعبة كيلو بامية القطة العامية. ويقول فؤاد مرسى - كاتب روائى ومديرعام الثقافة العامة - من أكثر المساوئ التى تؤثر فى الألعاب الشعبية هى نمط الثقافة السائد لدى الكثيرين من فئات المجتمع المصرى التى باتت تحتقر كل ما هو شعبى، فأصبحت تصف السلوكيات المشينة بالشعبية مما جعل مصطلح الشعبية سيئ السمعة، و يشير إلى حالة من تدنى السلوك. و يرى مرسى أن الحديث عن الألعاب الشعبية وعاء حافظا لتقاليد الأمة وعاداتها العاكسة لمعتقداتها ورؤاها التى تشكلت عبر العصور المختلفة كونها مجرد أنشطة للتسلية واللهو و تبديد الوقت مما يجعلها مرآة عاكسة لحقائق المجتمع الراسخة ومكوناتها القيمة، فضلا عن دورها الكبير فى اكتشاف الذات وتنشيط علاقتها بالواقع المحيط و التعرف على مكوناتها بالإضافة إلى ما تدخله من بهجة على النفس وتحقيق الذات وتقديم علاج نفسى للأطفال كما تعمل الألعاب على احترام تقاليد المجتمع والامتثال لأخلاقياته عبر الالتزام بقوانين اللعبة ومن أشهر الألعاب المنديل والبلى والتريك تراك وسيف يد والأولة والسيجة والمربع والكبه والاستغماية وكهربا والنحلة . فى حين ترى صفاء عبد المنعم روائية و باحثة فى مجال الدراسات الشعبية أن الشعب المصرى فنان بطبعه فرغم ما مر و يمر به من عملية اندثار و عدم الاهتمام بالجانب الشعبى فإن مصر لها باع و تاريخ فى مجال الألعاب الشعبية إلا أنها مازالت تنتج إبداعا شعبيا، فمازالت هناك بعض الألعاب التي تمارس فى الحوارى و الأزقة وأشارت إلى أن الشعب الذى لا يحافظ على تراثه ويتنازل عن عاداته و تقاليده هو شعب مجهول الهوية. وفي نفس السياق تقول عزة أنور إن اللعب عملية فطرية وسلوك ذاتى ويعد مادة مهمة فى التنشئة الاجتماعية فاللعب وسيلة مهمة لنقل ثقافة المجتمع من جيل إلى جيل كما يعتبر اللعب وسيلة يجد فيها الطفل ذاته و يظهر فيها قدراته أمام اقرانه كما يعد وسيلة لإعداد الطفل للحياة المستقبلية فالوقت الذى يقضية الطفل فى اللعب هو وقت مستغل جيدا وليس وقتا ضائعا. ومن ناحية أخرى فالألعاب الشعبية تساهم فى نمو الطفل الاجتماعى والانفعالى والحسى والعقلى كما أنها تساعد على تخلص الطفل من الانعزالية وحب الذات والانفتاح على حب الجماعة تكسب الطفل القدرة على حل المشكلات و الثقة بالنفس وهذا ما لا تفعله الألعاب الحديثة فالألعاب الشعبية تتميز بالحرية والتنوع فى أشكالها وأنماطها. وتقترح أنور عددا من النقاط لمنع اندثار الألعاب الشعبية على رأسها إدراج الألعاب الشعبية ضمن خطة الأنشطة الترويحية فى رياض الأطفال و المدارس و كذلك إدراجها فى برامج الاحتفالات و المهرجانات وابتكار طرق جديدة لممارسة الألعاب الشعبية باستخدام جهاز الكمبيوتر.