2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    موسكو تبدي استعدادًا للعمل مع واشنطن لصياغة اتفاقيات حول أوكرانيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    انقلاب سيارة محملة بزيوت طعام أعلى الطريق الدائري في السلام    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل مصرع شخص قفزا فى النيل    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل ياسر الغبيري لحصوله على جائزة التفوق الصحفي فرع القصة الإنسانية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    الأرصاد تحذر من أمطار ليلة رأس السنة ومنخفض جوي يضرب السواحل الشمالية    إيداع أسباب طعن هدير عبدالرازق في قضية التعدي على القيم الأسرية    النيابة العامة تُجري تفتيشاً ل مركز إصلاح وتأهيل المنيا «3»| صور    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    قفزة لليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز مان سيتي وآرسنال وخسارة تشيلسي    نيجيريا تهزم تونس 3-2 وتصعد لدور ال16 بأمم إفريقيا    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    حرب تكسير العظام في جولة الحسم بقنا| صراع بين أنصار المرشحين على فيسبوك    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب مينى باص بمنطقة مدينة نصر    كأس أفريقيا.. نيجيريا تتأهل بثلاثية في تونس    مدرب المصرية للاتصالات: لا أعرف سبب تفريط الأهلى فى مصطفى فوزى بهذه السهولة    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    يوفنتوس يعبر اختبار بيزا الصعب بثنائية ويشعل صراع القمة في الكالتشيو    نجوم الفن ينعون المخرج داوود عبد السيد بكلمات مؤثرة    صحف الشركة المتحدة تحصد 13 جائزة فى الصحافة المصرية 2025.. اليوم السابع فى الصدارة بجوائز عدة.. الوطن تفوز بالقصة الإنسانية والتحقيق.. الدستور تفوز بجوائز الإخراج والبروفايل والمقال الاقتصادى.. صور    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    سوريا تدين بشدة الاعتراف الإسرائيلي ب«أرض الصومال»    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    خبير اقتصادي: تحسن سعر الصرف وانخفاض التضخم يحدان من موجات الغلاء    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين.. بث مباشر مباراة الأهلي والمصرية للاتصالات في كأس مصر من استاد السلام    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»الألعاب الشعبية« فرحة البسطاء وبهجة الأطفال.. تواجه الاندثار
فارس خضر: هجمة الفيديو جيم السبب في تراجع الألعاب الشعبية
نشر في آخر ساعة يوم 06 - 09 - 2011


خيري شلبي:
جمع الألعاب الشعبية وتوثيقها بدأ مع الاهتمام بالمسرح
مضي شهر رمضان بلياليه، وانقضت أيام العيد سريعا وسط غياب ملحوظ للألعاب الشعبية التي اعتاد عليها الأطفال لسنوات وسط مخاوف من أن تسيطر نماذج الألعاب الحديثة أمريكية الهوي علي عقول أطفال اليوم شباب المستقبل، ما يعيد تشكيل الوعي الجمعي للمصريين في السنوات القادمة علي النموذج الأمريكي الذي تدعمه ألعاب البلاي ستيشن الفردية، بعيدا عن ألعابنا الشعبية الجماعية. ف"الألعاب الشعبية" عالم سحري دخلناه جميعا في مرحلة الطفولة فمن منا لم ينطلق في شوارع مصر يلهو ويلعب "عسكر وحرامية"، "فريق التحطيب"، "تريك تراك"، "الحجلة"، "السبع طوبات"، "القطة العمياء"، "الاستغماية"، "الأولي"، "نط الحبل". ألعاب صبيان وبنات كانت تضيء شوارع وحواري مصر بضحكات البراءة والمرح، خصوصا في شهر رمضان الكريم والعيد، جذبتنا هذه الألعاب في فترة الطفولة، مرورا بفترة المراهقة، فهي بالنسبة للطفل بمنزلة تكوين لقدراته المختلفة (الاجتماعية والبدنية والعقلية والنفسية).
وبرغم اختلاف هذه الألعاب إلا أن هدفها واحد وهو خلق عقل رياضي يرتكز علي التفكير والإبداع، لكن اختلاف بيئة الصعيد عن بيئة الدلتا أدي لاختلاف الألعاب ونوعيتها فمثلا في الصعيد كانت العادات والتقاليد تدعو إلي تقوية الجسد فكانت ألعاب التحطيب التي تتطلب ألعاباً تنمي الليونة والقوة الجسدية، أما في الدلتا كانت ألعاب المراوغة والسرعة هي الحاكمة لطبيعة الدلتا بأشجارها وترعها. أما البنت فكانت تلعب ألعاباً تمهيدية لمهامها التي ستقابلها مستقبلا.
انتشار هذه الألعاب في جميع الشوارع والقري في الفترات السابقة جعل الجهد المبذول حول جمع الألعاب الشعبية وتوثيقها محدوداً جداً، حتي أشرفت علي الاندثار العديد من ألعاب اطفالنا، بل تم السطو علي بعضها ونسبته إلي شعوب أخري، فمن يمكنه الآن أن يدرك العلاقة بين الهوكي وبين الحكشة المصرية، وبين المصارعة الرومانية والحرة وبين الباط الفرعوني، وأشهر لعبة أمريكية هي البيسبول ما هي إلا لعبة كرة الميس المصرية أو الميسبول الفرعونية .
لكن ألعابنا الشعبية رغم حبنا لها تواجه خطر الاندثار مع تغير المجتمع المصري وانتشار العادات الوافدة عليه من الغرب والشرق، فقد تتجول في شوارع الأحياء الشعبية ولاتجد أطفالاً يلعبون في الشوارع - باستثناء لعب الكورة طبعا-، أين ذهبت ألعابنا الشعبية وأين اختفي أطفالنا، تساؤل دفع مؤسسة "بيت الشاعر" إلي تنظيم أول مهرجان للألعاب الشعبية لتأصيل الألعاب المصرية و توثيقها عبر النيل من الشمال للجنوب. الأكثر من ذلك أن "بيت الشاعر" وجهت الدعوة مفتوحة للأطفال للمشاركة وإعادة التواصل بين تراث الألعاب الغائبة، وهي الدعوة التي قبلها الأطفال.
أصول الألعاب الشعبية
تتعدي الألعاب الشعبية فكرة كونها لعبة يلهو بها الفتيان والفتيات في شوارع مصر، لتكون مخزنا لتقاليد مصرية موغلة في القدم تحكي قصة تطور مصر بين العصور منذ بدايات العصر الفرعوني وصولا إلي العصر الإسلامي، مازجة بين تقاليد كل عصر لتؤكد علي عراقة الشخصية المصرية وتنوعها الأصيل، وتعد تجربة الشاعر درويش الأسيوطي في محاولة رصد الألعاب الشعبية في صعيد مصر في كتابه الفريد "لعب العيال"، تجربة تستحق الإشادة كونها ترسم من عالم الألعاب الشعبية شخصية مصرية متفردة.
والشخصية المصرية تكونت علي مدار قرون منذ بدايات العصر الفرعوني حتي الآن تجد هذا التواصل في ألعابنا الشعبية، ففي إحدي لوحات مقابر بني حسن رسم المصور المصري القديم 220 وضعا مختلفا من أوضاع المصارعة تشرح قواعدها وأصولها وتقاليدها وتشرح بعض الرسوم كيفية بداية المباراة عندما يواجه كل من الخصمين زميله ويتمهل في الهجوم حتي يفرغ خصمه من عقد حزامه حول خصره ثم تبدأ المباراة بإشارة متبادلة من كليهما وتبدأ المباراة هادئة ومنظمة وتتطور إلي العنف بعد أن يدرس كل منهما خصمه بدقة.
اما ألعاب المبارزة بالسلاح فهي تعد امتداداً للتحطيب الفرعوني الذي كان من الألعاب والمباريات الشعبية المستحبة والشائعة بين المصريين من أقدم العصور وخاصة في الصعيد وكانت تلعب بعصي اختلف تصويرها، وما يزال التحطيب يلعب في صعيد مصر حتي يومنا هذا.. ولعبة التحطيب لها جذور قديمة ومتأصلة في التاريخ فقد بدأ في العصر الفرعوني كطقس من الطقوس الكهنوتية التي تؤدي في الأعياد الدينية، وبدلا من العصي الخشبية كانوا يستخدمون لفافات البردي الكبيرة حتي لا يصاب المتبارون بالأذي، ثم تطورت لعبة التحطيب بادخال العصي بديلا عن البردي.
وعادة ما تؤدي لعبة التحطيب بمشاركة رجلين – لايسمح بمشاركة النساء فاللعبة ذكورية بحتة- يتحلق حولهم رجال القرية وشبابها في شكل دائرة، يقوم كلا الرجلين بتقديم التحية للزمار ممسكا بالعصا وراقصا بها يستخدم فيه جسمه كله في رقصات أشبه ما تكون بطقوس الدخول في المعركة، بعدها يدور كل من اللاعبين حول بعضهما والعصي متقابلة بعدها يبدأ الضرب بالعصي الذي يكون أقرب للتلامس من العراك الحقيقي بعدها يستلم متنافسون العصي من المتبارزين لاستكمال اللعبة.
والتحطيب كلعبة ارتبطت بالصعيد بشدة لأن التحطيب تعلي من قيم الرجولة والقوة والشرف وهي القيم المسيطرة علي صعيد مصر حتي يومنا هذا لذلك تعد لعبة التحطيب مهمة لتكوين شخصية الشاب الصعيدي المقبل علي حياة شاقة.
أما الكرة فهي أقدم أدوات اللعب التي ابتكرها المصري القديم ، وكان يصنعها من أكياس نسيج الكتان وحشاها بالقش والخيش وهي المعروفة شعبيا اليوم باسم الكرة الشراب، وضع للعبتها أصولا وتقاليد ما زال معمولا بها إلي اليوم لم يطرأً عليها تغيير رغم مرور ستين قرنا علي ميلادها ، وأطلق عليها الفراعنة اسم (حري سنو) أي مرتين الي الخلف و(داوا سنو) أي الرمية الخامسة . ما زالت تلك الأسماء والتعبيرات يطلقها عامة الشعب علي الكرة الشراب الي يومنا هذا .
كما أن لعبة (الحكشة) الريفية التي استعملوا فيها مضارب الكرة صنعوها من جريد النخيل المفرطح الطرف ، أو سيقان الخيزران بجذوره الصلبة ما هي إلا لعبة الجولف العالمية بعصيها وطريقة لعبها . وحتي تتحمل الكور ضربات العصي صلبة الأطراف فقد هداهم التفكير إلي كسوتها بجلد الماعز ثم تطورت صناعة الكور المختلفة الأحجام والاغراض إلي كسوتها بمختلف أنواع جلد الحيوان خاصة ما كانوا يستعملونها في الألعاب المائية.
أما أقدم ألعاب الذهن والتسلية فهي لعبة "السيجة" الشهيرة التي ما زالت تحتفظ باسمها المصري القديم ومعناه "المحاورة" وتعد من أقدم الألعاب الشعبية المصرية علي الإطلاق. وتعد "السيجة" أكثر الألعاب ارتباطا بالفلاح المصري، فكان الفلاح بعد انتهاء أعمال الفلاحة ينتظر النيل وفيضانه طوال العام لايجد إلا "السيجة" ليقضي ساعات النهار الطويلة مع بقية الأصدقاء، لذلك كانت السيجة أكثر انتشارا في الريف بطول مصر وعرضها.
وكانت لوحات لعبة السيجة القديمة تقسم إلي 61 في 63 مربعا ، كانوا يحفرونها أو يرسمونها علي الأرض مباشرة أو تخطط علي الرمال في الحقول وتعد قطع لعبها من الحصي والاحجار المختلفة الألوان أو الأشكال وهي الطريقة المتبعة إلي يومنا هذا في الريف المصري. كما كانت تصنع لها لوحات خاصة من الخشب والأرتواز وفي بعضها كانت الخانات ترقم بالرموز والأرقام وتشكل قطع اللعب بأشكال هندسية من الخشب والعاج أو من الفخار المطي.
هجمات التغريب
رغم هذا التنوع في هذه الألعاب الشعبية وتعددها وأصالتها إلا أن هذه الألعاب تواجه خطر الانقراض بعد قلة الاهتمام بها في مصر نتيجة لتغيرات عديدة وهو ما دفع مؤسسة "بيت الشاعر" لتنظيم أول مهرجان لتوثيق الألعاب الشعبية ومحاولة حفظها ودعوة الأطفال لممارسة هذه الألعاب لخلق حالة من التواصل بين جيل ألعابنا الشعبية وبين جيل النت. من جانبه أكد الشاعر والإعلامي جمال الشاعر –مؤسس بيت الشاعر- أن فكرة هذا المهرجان نابعة من اهتمام مؤسسة بيت الشاعر بالبحث عن جذور هذا المجتمع وتأصيلها لإعادة التأكيد علي الهوية المصرية التي تعرضت للكثير من التشويه خلال هجمات الغرب الفكرية التي استخدمت عوالم شديدة الابتكار من وسائل نت وفيديو جيم، لاتساعد علي خلق شخصية سوية للطفل. ويأتي اهتمامنا بعالم الألعاب الشعبية لأن جزءا من الحياة هو أن تكون مهتمًا وملمًا بكل الأجيال، وإن الهدف من إقامة هذه الاحتفالية، لا يكمن فقط في تأصيل الألعاب الشعبية في مصر، وتوثيقها عبر النيل من الشمال للجنوب، ولكن إضافة إلي ذلك يكمن الهدف في خلق روح التعاون والفكر والحب بين الأطفال، وجدير بالذكر أننا لا نعرف غالبية الأطفال المشاركين في الاحتفالية، ولكن مجيئهم دليل كبير علي وعي الآباء واهتمامهم بالأطفال".
غزو الفيديو جيم
يذهب الشاعر والمتخصص في الدراسات الشعبية فارس خضر إلي أن الألعاب الشعبية في طريقها للاندثار نتيجة لعوامل عديدة يأتي علي رأسها انتشار ثقافة التلفزيون والجلوس أمامه بالساعات الطويلة دون حركة فلم يعد هناك وقت لأي ألعاب في الشارع –باستثناء الكورة- وهو ما أثر علي الألعاب الشعبية في شوارع مصر، وأبسط مثال علي ذلك ليالي رمضان ففي الفترة السابقة كانت الشوارع تمتلئ بالأطفال ويلعبون بجميع أشكال الألعاب الشعبية من ألعاب ك"عسكر وحرامية" و"الاستغماية" و"عروستي"، وكان الأطفال في ليالي رمضان يلفون علي المنازل يطالبون بحلوي أو نقود بسيطة قائلين "ادونا العادة...". الآن لاتجد هذا موجودا والسبب التلفزيون الذي تجلس الأسرة حوله ساعات طويلة بلا حركة. كما أن ألعاب النت والفيديو جيم اصبحت اكثر إبهارا للأطفال فبعدوا عن الألعاب الشعبية البسيطة، وهي تشكل غزواً كاملاً لجميع القيم المصرية القائمة علي التسامح لتدخل ألعاب "الفيديو جيم" وتزرع القيم الأمريكية القائمة علي العنف والقتل في مجتمعنا من خلال هذه الالعاب، وهو جانب من الجوانب السلبية لانتشار العولمة وطغيان النموذج الأمريكي في العالم كله.
ويشير خضر إلي أن الألعاب الشعبية عالم خيالي واسع تسمح للطفل بمرحلة من الابداع وتكوين شخصية إيجابية. علي أن من أهم الأسباب التي ادت إلي غياب الألعاب الشعبية كان الثقافة العامة لدي الكثير من فئات المجتمع المصري التي تحتكر كل ما هو شعبي، فتصف الأغاني السيئة بالشعبية وتصف انعدام الأخلاق بالشعبية، فصار المصطلح سيئ السمعة ككلمة "بيئة" التي أصبحت سبة ولفظاً للتجريح.. وطالب خضر بسرعة التحرك لرصد وتسجيل جميع الألعاب الشعبية لحفظها وتوثيقها لأنها مخزن الشخصية المصرية المعبرة عنها، وهذا الدور منوط به وزارة الثقافة بهيئاتها المختلفة ويجب أن يتم استغلال قصور الثقافة المنتشرة في ربوع مصر ونجوعها لرصد وتسجيل جميع الألعاب الشعبية التي ما تزال باقية حتي يومنا هذا ورصد خصائص كل إقليم وقرية في تطويع الألعاب الشعبية لمفاهيمها الخاصة.
من جانبها أوضحت الباحثة هدية دندراوي أستاذ مساعد التربية الموسيقية في جامعة »جنوب الوادي« المصرية- في دراسة لها- قدرة الموسيقي والألعاب الشعبية علي استعادة التوازن النفسي للطفل، والقضاء علي ما يعانيه بعضهم من قلق اجتماعي وإكسابهم الجرأة والشجاعة، وأن ممارسة الألعاب الشعبية علاج ناجح لظاهرة الخجل عند أطفال المرحلة الابتدائية من التعليم.
تأخر التوثيق
أبدي الكاتب الكبير خيري شلبي أسفه علي عدم تسجيله الألعاب الشعبية التي كان يلعبها في الصغر، معللاً ذلك بانتباهه المتأخر إلي ما في هذه الألعاب من فن تقف وراءه خبرات تربوية هائلة، وثقافات وحضارات عنيت بتربية الإنسان وبنائه في معمار نفسي وثقافي واجتماعي عبقري لا تقل عن المعمار الهندسي في المعابد الفرعونية القديمة، فحين تتحول قيم أخلاقية من إطارها النظري إلي فعل في لعبة محببة يمارسها الطفل بعفوية فإن ذلك هو التأصيل الحقيقي لقيم المجتمع. فهناك لعبة الهدف منها تعميق الأخوة وتجسيد معني الأبوة والأمومة مثل لعبة "الغراب النوحي"، وهناك لعبة لتعميق الوعي السياسي وتجسيد معني القيادة والانتماء للجماعة كلعبة "لا ينزل ولايستنزل".
ويري شلبي أن الاهتمام بدراسة الألعاب الشعبية لم يبدأ إلا في الستينيات عندما بدأ البحث من قبل المثقفين عن جذور للمسرح المصري في تجارب لا تتقيد بقيود المسرح التقليدي، كشفت عن عالم غاية في الخصوبة تمثل في ألعابنا الشعبية الذي بدأ يحصل علي اهتمام بعض الباحثين ومحاولة جمع أشكال الألعاب المختلفة والعمل علي دراستها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.