المرأة المصرية وحقوقها السياسية د. أماني الطويل خلال الأيام الماضية مرت الذكري الخمسون علي حصول المرأة علي حقوقها السياسية بموجب دستور1956, وذلك باحتفال وحيد للمجلس القومي للمرأة وكلمة من السيدة سوزان مبارك وورشة عمل عقدها برنامج المرأة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام حول النظام الانتخابي وتأثيره علي التمثيل السياسي للمرأة المصرية. محدودية الاحتفال بهذه المناسبة المهمة من جانب الصحافة والاعلام يعكس تدني الاهتمام الاعلامي بقضايا المرأة عموما وانحصارها حتي هذه اللحظة في سياق الاهتمام الرسمي للدولة وبعض المراكز البحثية أو منظمات المجتمع المدني. ورغم أن هذه الذكري كانت مناسبة مواتية لطرح معضلة تدني مستوي التمثيل السياسي للمرأة المصرية وطرحها ولكن لم يتوقف أحد ليشير الي حالة التهميش السياسي الذي تعاني منه المرأة المصرية في هذه المناسبة وذلك مع وجود سيدة واحدة في مجلس الشوري واقل من2% من حجم عضوية مجلس الشعب في الدورة البرلمانية الحالية. مرت الذكري مرور الكرام كما اراد لها أطراف كثيرون. وفي هذه الحالة لابد لنا من طرح السؤال: لماذا تعني مسألة التمكين السياسي للمرأة من جمود ومراوحة للمكان علي مدي نصف قرن اختلفت فيها توجهات نظم الحكم من الاشتراكية العربية الي اقتصاد السوق فهل مستوي فاعلية ومصداقية السياسات المطروحة هو المسئول عن هذا التهميش, أم ضعف في قدرات المرأة ذاتها وعدم ايمانها بضرورات ادوارها علي الصعيدين السياسي والاجتماعي كما ذهبت بعض اتجاهات الرأي في ورشة عمل مركز الدراسات؟ حقيقة الأمر أنه لايمكن إغفال تشابك العوامل المؤثرة علي هذا الحضور السياسي المخجل للمرأة المصرية, ونورد هنا بعض هذه العوامل لعلها تكون مناسبة لإثارة نوع من الجدل المطلوب حول قضايا المرأة وذلك مع عدم تجاهل أمرين: الأول: عدم استقرار النظام الانتخابي المصري بما يتيح بيئة محددة المعالم يمكن التعامل معها بأهداف الوصول الي الآليات المناسبة نحو تحقيق التمكين السياسي للمرأة, خصوصا في البرلمان والمحليات, والثاني: الطبيعة العسكرية الذكورية للنخبة الحاكمة بعد ثورة يوليو1952, حيث عكست المؤسسة العسكرية نفسها علي التنظيمات السياسية المدنية في الدولة, وفي تقديرنا أن إقدام ثورة يوليو علي إعطاء المرأة حقوقها السياسية كان تفاعلا بين اتجاهين. الأول نخبة سياسية نسوية ضاغطة لها تاريخ نضالي يسعي لانتزاع حقوق المرأة الانسانية والسياسية بدأ في نهايات القرن ال19 ونجح في انشاء الاتحاد النسائي المصري في16 مارس1913 والثاني نخبة سياسية ترفع شعارات المساواة بين المواطنين وتطرح مشروعا نهضويا. ومع تهميش هذه النخبة( درية شفيق نموذجا) ووجود خطاب سياسي وطني يستوعب الطموحات السياسية والاقتصادية للطبقة الوسطي اقتصرت مسألة التمثيل السياسي علي تخصيص5% للنساء في تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوي الشعبية عام1962. وتعيين وزيرة واحدة في مجلس الوزراء في منصب له علاقة بالأدوار التقليدية للمرأة( الشئون الاجتماعية), وهو منهج تم الاستقرار لضمان وجود رمزي للمرأة المصرية في مجلس الوزراء لم يتم الخروج عليه الا مع الوزيرتين نادية التطاوي وعائشة عبد الهادي, وقد اسفر هذا المنهج عن رفع الحرج عن النظام السياسي فيما يتعلق بالمسئولية الأخلاقية عن التمثيل السياسي للمرأة ولم يقدم هذا النظام في الوقت نفسه تمكينا حقيقيا أو عادلا يضمن تطوير أوضاع المرأة المصرية علي نطاق مجتمعي. ويمكن القول ان اتجاهات التيارات الدينية قد لعبت دورا مهما في ترسيخ الخطاب التقليدي الذي يحجم أدوار المرأة في نطاق مؤسسة الزواج ويحرمها من حقوق المواطنة المتساوية, وتتعاظم التحديات التي تواجهها حاليا قضايا المرأة في المجتمع المصري خصوصا في ظل ماتلعبه التفسيرات الدينية الانتقائية من دور مركزي في تشكيل البيئة الثقافية السلبية المحيطة بحقوق المرأة لاسيما علي صعيد التمكين السياسي. والي جانب موقف التيارات الدينية هناك الموقف السلبي من قطاع من الرأي العام وبعض التيارات السياسية من مسألة التمكين السياسي للمرأة علي اعتبار أنه انعكاس لمشروع خارجي أكثر منه تعبيرا عن ضرورات وطنية, حيث تري هذه الكتلة أن مسألة التمكين السياسي للمرأة يتم توظيفها من قبل الدولة لمخاطبة الخارج. كما أنها تستخدم كتعويض عن تجميد مشروع الاصلاح السياسي الشامل. من هنا تفقد قضايا التمكين السياسي للمرأة قدرا مهما من التأييد والزخم المطلوبين لحصول المصرية علي نسبة معقولة من التمثيل السياسي أو مواقع اتخاذ القرار العليا أو المؤثرة. ولايمكن إنكار أن هناك ضعفا في أداء النخبة النسوية المصرية في بلورة خطاب سياسي واجتماعي يتجاوز الانتماءات السياسية والحزبية علي النحو الذي تم في ايرلندا, حين تحالفت النساء من مختلف الاتجاهات لنيل تمثيل سياسي عادل كما يغيب عن هذه النخبة طرح مشروع نهضوي شامل يأخذ بعين الاعتبار مركزية أدوار المرأة في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ويرفع قدرات الفئات المهمشة من النساء في الأقاليم والارياف. ويسعي الي تحقيق مكانة ونفوذ سياسي يعكس الادوار الاقتصادية للمرأة التي تشكل حاليا25% من قوة العمل في مصر. وبطبيعة الحال لايمكن فك الارتباط العضوي بين تحسين أوضاع المرأة المصرية ومشروع الاصلاح السياسي الشامل في مصر, حيث إن هذا الاصلاح سوف يعني حراكا سياسيا لأحزاب فقدت وظائفها الاساسية في جذب وتنشيط العضوية الجماهيرية المتضمنة للنساء بطبيعة الحال, كما يحقق التوازن المطلوب بين جميع الاطراف والاوزان السياسية والفكرية فيما يتعلق بقضايا المرأة وهو الأمر الذي من المتوقع ان تكون اهم نتائجه فقدان التيارات الدينية معاقل النفوذ والتأثير علي الرأي العام المصري وتحسين البيئة الثقافية والاجتماعية فيما يتعلق بقضايا وحقوق المرأة. عن صحيفة الاهرام المصرية 26/12/2007