بل الاستثمار الأجنبي هو الحل د. عبد المنعم سعيد من الصعوبة بمكان أن تجد لدى جماعة الإخوان المسلمين ومفكريها تحديدا للمشكلات التي سيقوم المنهج المطروح - الإسلام هو الحل- بحلها، وتكاد تشعر أن المقصود من الشعار هو توصيف الدين الحنيف كما لو كان نوعا من الدواء الذي إذا ما تناوله مجتمع فسوف يشفى من كل داء فيحدث التقدم، ويسود الهناء، ويزدهر الانسجام بين جماعات الدولة. وأحيانا أخرى سوف يكون «الإسلام هو الحل» لأنه لا يوجد أي حل آخر، ومن ثم فإن كل طرح لتقديم حل لمشكلات المجتمع الاقتصادية على سبيل المثال يتم التشكيك فيه فورا باعتباره لا يصلح. ومن ذلك ما قام به الأستاذ فهمي هويدي في مقاله بصحيفة الأهرام يوم الثلاثاء 21 أغسطس الجاري تحت عنوان «الاستثمار الأجنبي ليس حلا»، وكان فيه رافضا لقول لرئيس الوزراء أحمد نظيف إن حكومته ليس لديها حساسية تجاه الاستثمار الأجنبي، وأن هذه النوعية من الاستثمار تمثل أساسا محوريا للتنمية. وهو قول يفهم منه إنه طالما كانت الدولة، وحكومتها واعية وتتخذ ما يلزم من إجراءات كما تفعل دول العالم العاقلة الأخرى، فإننا لا ينبغي أن نحجم عن تشجيع الاستثمار الأجنبي، وكما أن كل دولة تحاول التنمية من خلال مواردها الداخلية فإذا ما قصرت هذه الموارد فإنه ينبغي استكمالها من خلال الاستثمارات الأجنبية. هذا القول الواضح انتقل فورا لدى الأستاذ هويدي إلى غموض، وطالما لم تكن هناك حساسية فلا بد أن هناك تفريطا، وطالما ذكر أن الاستثمارات الأجنبية أساسية ومحورية فمعنى ذلك هو الاستغناء عن الموارد المحلية، وأكثر من ذلك فإنها لا تمثل حلا لمعضلاتنا المعاصرة، وبالطبع فإنه بعدها لا يبقى إلا حل واحد معروف ومعلوم يأخذ صفة الأصالة والقداسة. والقضية أنه لا يوجد هنا من يشكك في أن كل الدول تبدأ تنميتها من خلال مواردها المحلية، بل إن الاستثمارات الأجنبية لا تأتي إلى بلد ما لم يكن عبأ موارده الداخلية وأحسن معاملتها وأقام لها النظم الذي تجعلها تدار بكفاءة ورشد. ولكن التنمية تمر عادة بمرحلتين، واحدة منها للخروج من حالة الركود الكامل والنمو المتباطئ الذي لا يساير النمو السكاني؛ والثانية هي تلك التي تنطلق فيها التنمية بحيث لا تعود أبدا إلى الخلف ركودا وانكماشا، أو ما يسمى بمرحلة الانطلاق. وبالنسبة للمرحلة الأولى فإنه من الجائز تماما، بل من الضروري الاعتماد على الموارد المحلية، ولكن الثانية في تجربة العالم النامي خلال العقود الأخيرة فقد اعتمدت بشكل كامل على الاستثمارات الأجنبية. وفي التاريخ المصري الحديث، وفيما عدا العامين الأخيرين، فإن مصر - عدا المعونات الأميركية والأوروبية- لم تحصل على موارد استثمارية خارجية تذكر، ولذلك فإنها مرت دوما بدورات من النمو تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات تعقبها فورا دورات من الانكماش الأطول نسبيا قد تصل إلى ثماني سنوات، وكانت حصيلة ذلك كله في عهد الملكية أو زمن الجمهورية أن مصر بقيت في عداد الدول النامية أو المتخلفة أو العالم الثالث أو أيا كانت التسمية. عكس ذلك حدث تماما في الدول التي جرت فيها التنمية المستدامة، وهي الدول التي حافظت على معدلات عالية للنمو - 7% فأكثر- على مدى 15 عاما فأكثر ومن ثم كسرت تماما حاجز التخلف، فقد قامت كلها على جرعات كثيفة من الاستثمارات الأجنبية التي لم تقدم فقط المال، وإنما قدمت معها المعرفة والتكنولوجيا وطرق الإدارة وتنمية القوى البشرية والتسويق العالمي للمنتجات. وفي مقال الأستاذ هويدي نفسه نجد رقما مهما عندما يشير إلى التجربة الصينية حيث إن الاستثمار المحلي يمثل 45% من جملة الاستثمارات، وهو ما يعني منطقيا أن 55% من الاستثمارات كان أجنبيا. وبرغم أن هذا الرقم يبدو مبالغا فيه، إلا أنني في الحقيقة أميل إلى تصديق ما ورد في المقال لأنه لا يمكن تفسير وصول معدلات النمو الصينية إلى ما يقرب من 10% دون وجود مثل هذا الكم من الاستثمارات الأجنبية. وفي الحقيقة فإن الأستاذ هويدي وجمعا من الكتاب والمفكرين المناصرين للتيار الإسلامي كثيرا ما يعتمدون على إعلانات الصحف لتحليل الأوضاع الاقتصادية، فإذا ما كانت هناك إعلانات كثيرة عن القرى السياحية والمنتجعات الصيفية فلا بد أن ذلك في رأيهم يمثل الصفة الغالبة للاقتصاد، وإذا ما عرضت فيلات غالية على الشواطئ فلا بد أن ذلك هو نمط الاستهلاك الذي تشجعه الحكومة. والغريب أن الاعتماد على هذه الحوادث الفردية يقابله اعتماد كامل على الأرقام الجماعية حول نسبة الفقراء أو الأمية أو غيرها من معدلات الادخار وعجز الموازنة إلى آخره، فيتم بذلك مقارنة البرتقال بالتفاح باعتبار كليهما ثمر. ويحدث ذلك بينما الأرقام تشير بلا لبس إلى أن الاستثمارات الأجنبية في مصر متنوعة وفي مقدمتها الصناعة والإنتاج بينما لا يزيد قطاع التشييد والبناء على 6% من إجمالي الاستثمارات. الغريب في كل ذلك أن الهجوم على الاستثمارات الأجنبية يحدث بينما لا تزال هذه الاستثمارت متواضعة وفق كل المقاييس، فقبل التسعينيات لم تكن هذه الاستثمارت خارج قطاع البترول لا تزيد على بضعة عشرات من ملايين الدولارات في العام، ثم خلال العقد الأخير من القرن العشرين فقد وصلت في بعض السنوات إلى مليار، ثم عادت مرة أخرى مع الانكماش -2000 إلى 2004- إلى بضع مئات. وفقط خلال العامين الأخيرين ارتفعت قيمة هذه الاستثمارات إلى 6 و10 مليارات دولار، وهي تمثل قفزة ضخمة بالنسبة لمصر، ولكنها في الإطار العالمي للدول التي تنمو حقا فإنها لا تزال في مراحل أولية أو بدائية. ولو قارنا مصر مع إسرائيل - 14 مليار دولار في بلد عدد سكانه 7 ملايين نسمة- أو مع تركيا ذات ال 70 مليون نسمة وحكومة إسلامية متنورة-8‚12 مليار - فإن مصر لم تخدش سطح الاستثمارات الأجنبية التي تحصل عليها دول العالم الجادة في التنمية. ولكن جماعة منا في الحقيقة ليست جادة في الموضوع لأنه إذا حدثت التنمية الحقة فإن المجتمع ينشغل بأمور الحياة وهي ما تريده منشغلا دوما بقضايا الموت، ولأنه إذا تسارعت معدلات النمو والاتصال والتواصل مع العالم من خلال التجارة والاستثمارت فإن ذلك سوف يعيد تشكيل قضايا الهوية والخصوصية والذاتية في اتجاهات إنسانية والبعض منا يريدها مؤدية إلى العزلة والانفصام والانفصال ثم يقال لنا فورا إنها «الحل». عن صحيفة الوطن القطرية 3/9/2007