في حوار علي مائدة إفطار سألني احد قيادات الحزب الوطني المحترمين حيث كان يجلس علي المائدة التي اجلس انا عليها. »هل تصدق المؤشرات التي تنشرها الحكومة عن النمو الاقتصادي في مصر وكذلك عن تدفق الاستثمارات الاجنبية؟ .. واذا كنت تصدق هذه الارقام التي تكررها الحكومة عبر وسائل الاعلام التي تسيطر عليها فلماذا لم يشعر المواطن المصري العادي بتحسين معيشته«؟ هنا تنبه جميع الحاضرين علي مائدة الافطار التي كنا نجلس عليها للحوار الذي بدأ وانتظروا ردي حيث توقعوا اطلاعي علي حقيقة الوضع الاقتصادي بصفتي رئيسا لجمعية رجال الاعمال المصريين وبصفتي عضوا في مجلس ادارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وجاء ردي سريعا مؤكدا انه ليست فقط الارقام التي تنشرها الحكومة المصرية صحيحة وانما هي مؤكدة بواقع ما ينشر في الخارج سواء من البنك الدولي او من منظمات الاممالمتحدة ومنظمات التجارة الدولية التي لم تختلف في ان النمو الاقتصادي المصري بدأ يرتفع تباعا حتي وصل إلي اكثر من 7٪ سنويا في العامين الاخيرين قبل الازمة الاقتصادية التي ضربت العالم كله ومع ذلك كانت مصر من اقل الدول تأثرا فإنخفض النمو إلي ما يقرب من 5٪ في السنة الاخيرة وهو اعلي بكثير من معظم دول العالم كما ان تدفق الاستثمارات الخارجية تجاوز 31 مليار دولار في السنة الاخيرة قبل حدوث الازمة الاقتصادية العالمية وهذه الارقام صحيحة ولايمكن انكارها. وهنا عاد محدثي بتكرار النصف الاخير من سؤاله اذن لماذا لم يشعرالمواطن العادي بأي تحسن في حياته المعيشية، فالتعليم متدن والعلاج متدن والمواصلات العامة متدنية بل والاكثر من ذلك ما زالت تكلفة المعيشة لهذه الطبقات تزيد عن دخولها ومازالت البطالة مستمرة. والعشوائيات في تزايد وكان ردي اني اؤكد صدق الارقام بنمو اقتصادي وتدفقات استثمار اجنبي ولكن توزيع ثمار ذلك ليس بالتساوي علي المواطنين فالطبقات الغنية القادرة تمتعت بنتائج هذه الطفرة والطبقات الكادحة لم تصلها الخيرات المترتبة علي النمو الاقتصادي وعلي تدفق الاستثمارت الاجنبية. فلو نظرنا إلي نوعية الاستثمارات الاجنبية المباشرة لوجدنا معظمها في قطاعات مثل البترول والغاز كثيفة رأس المال وقليلة العمالة وحتي عمالتها القليلة فإنها عالية التخصص اذا نظرنا إلي تدفق الاستثمارات الاجنبية في قطاع الصناعة لوجدنا انها تمركزت في القاهرة والاسكندرية والجيزة والمدن الصناعية الاربع الكبري القريبة من القاهرة والاسكندرية والجيزة ولم يستفد منها من يسكنون في صعيد مصر وفي الدلتا حيث توجد الكثافة السكانية الفقيرة من الشعب المصري ولايجب ان ننسي ضعف انتاجية العامل المصري وقلة كفاءته، الامر الذي جعل الطلب علي العمالة الاجنبية المدربة و الرخيصة من شرق اسيا يزداد علي حساب العمالة المصرية ويجب الا ننسي عدم رغبة العمالة المصرية في ان تتلقي مزيدا من التدريب وان تقبل العمل بمزيد من الانتظام وهي الامور التي فقدناها في السنوات الماضية بسبب سوء إدارة الموارد البشرية. ان حجم الدعم الذي تنفقه الحكومة المصرية يزداد سنويا مما يغل يدها عن توفير مبالغ للاستثمار فتراجعت عن كثير من مسئولياتها في الاستثمار تاركة هذا المجال للقطاع الخاص المصري والاجنبي فمع ازدياد تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة ومع إزدياد استثمار المصريين وفتحهم لمجالات عمل ومشروعات جديدة وتوسعهم في نشاطاتهم القائمة، الا ان ذلك لايعوض ضرورة قيام الحكومة بالاستثمار حتي تكون قيم الاستثمار من القطاعين العام والخاص في حدود 52٪ من الناتج القومي وهذا الحجم من الاستثمار سيكون قاطرة للنمو السريع اما حجم الاستثمار الحالي من القطاعين العام والخاص فإنه لايعجل بالرخاء الذي حدث في بلاد اخري كانت أسوأ منا حالا ولكنها الآن تفوقت علينا مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وحتي فيتنام. ويجب الا نغفل بتاتا ثلاثة موضوعات تؤرقني وتؤرق كل مهتم بمستقبل مصر الا وهي موضوعات الديموقراطية والفساد والبيروقراطية التي لو تم اتخاذ اجراءات حاسمة بشأنها سيترتب عليها مضاعفة الاستثمارات الاجنبية القادمة إلي مصر وايضا توزيع اكثر عدالة لخيرات هذا الشعب علي جميع طبقاته.