يعد الشيعة ضمن الحركات الأيديولوجية التي نشأت في صدر الإسلام ثم تطورت إلى أن وصلت إلى العصر الحديث. ولم يكن في مصر عدد كبير من الشيعة في الفترة من النصف الأول من القرن العشرين حتى أوساط الخمسينات؛ إلا أن الشيعة بإيران والعراق امتدت آثارها إلى مصر مما جعل علماء الدين والمفتين يهتمون بهم وخاصة في مسألة بعض المغالين من الشيعة الذين يؤلهون عليا، والبعض الآخر من غلاة طائفة الاثني عشرية الذين يقومون بتكفير الصحابة وخاصة أبي بكر وعمر، وادعائهم بتحريف القرآن الكريم وأن المصحف الموجود حاليا ناقص لأن منافقي الصحابة – بحسب زعمهم – حذفوا منه ما يخص عليا وذريته، وأن القرآن الذي نزل به جبريل على محمد سبعة آلاف آية والموجود الآن 6262 آية والباقي مخزون عند آل البيت فيما جمعه عليَ رضي الله عنه. وهذا ما دفع كثير من العلماء لبحث حقيقة الشيعة وأفكارهم وكيفية التعامل معهم باعتبارهم مذهبا فكريا أو حركة أيديولوجية. شيعة المذهب وشيعة التاريخ يقسم الدكتور محمد عبد المنعم البري إلى شيعة التاريخ وشيعة الحاضر؛ أما شيعة التاريخ فتلك هي الفرق المتقدمة والذين كانوا في أغلبهم من الغلاة ولا نستطيع الحكم بإسلام أكثر هذه الفرق. أما شيعة الحاضر فهم الفرق المتبقية من هذه الفرق القديمة والتي بقيت حتى اليوم وهي فرق كبرى أشهرها الزيدية والإمامية ويعدهم أغلب مؤرخي الفرق من المسلمين وعلى الأخص الزيدية، فهم أقرب الفرق إلى معتقدات أهل السنة والجماعة وفقههم لا يخالفونه إلا في بضع مسائل يسيرة، وأقرب الفرق إلى معتقدات الشيعية ويخالفونهم في مسائل يسيرة أيضا. وكذلك الأمامية الإثني عشرية والإسماعيلية فأصولهم واحدة وإن اختلفت الفروع من فرقة لأخرى، وتميل أن هذه الفرق مسلمة على الإجمال وهو ما يميل إليه أهل الحديث الذين رووا عن الشيعة في كتبهم وهم قد اشترطوا فيمن يروون عنه أن يتصف بالعدالة ومن أهم شروط العدالة الإسلام، لذلك حكمنا لهم بالإسلام(1). التقريب بين المذاهب انتشرت في الأربعينات فكرة التقريب بين المذاهب وخاصة الشيعة، وقد سئل فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية في 25 أغسطس 1949م سؤالا عن طائفة تدعى "الباكتاشية" كانت موجودة في مصر، فأجاب فضيلته قائل: هذه الفرقة من الشيعة ولا نعدهم من الصوفية ولا من أهل السنة والجماعة ولا نقرهم على تقليدهم وفيها ما يأباه الدين، كالسجود لغير الله ونحوه، ونعدهم من المبتدعة، ولا نرى أن تعترف بهم مصر رسميا، وهي القائمة على الدعوة الحقة إلى الله والهدي الصحيح منذ انقرضت الدعوة الشيعية الفاطمية وقامت الدولة الأيوبية السنية إلى الآن.(2) بدأت دعوة التقريب بين السنة والشيعة "الإثني عشرية" على وجه الخصوص في مصر عام1946، وتبناها الكثير من علماء الأزهر ورجاله. ولم يكن من أهداف تلك الدعوة أن يترك السني مذهبه أو يترك الشيعي مذهبه، وإنما كانت تهدف إلى أن يتحد الجميع حول الأصول المتفق عليها، ويعذر بعضهم بعضا فيما وراء ذلك مما ليس شرطا من شروط الإيمان، ولا ركنا من أركان الإسلام، ولا إنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة. وواجهت الدعوة إلى التقريب في بدايتها معارضة من كلا الفريقين السني والشيعي لسوء فهمهما لمقصدها.. حيث أشيع أنها تريد إلغاء المذاهب أو إدماج بعضها.(3) كما حاول الإمام شلتوت إدخال فقه الشيعة في مناهج الدراسة بالأزهر إلى جانب فقه المذاهب الإسلامية للتقريب بين جماعات المسلمين، وأصدر من خلال مجلة "رسالة الإسلام" لسان حال جماعة التقريب، تفسيرا للقرآن اتخذ من خلاله منحى يساير جماعة التقريب في طرح الخلافات المذهبية، فلا يقحم فيه القرآن أو على القرآن من رأي خارج عنه أو مصطلح انتزع من مصدر آخر، فجعل كلمات القرآن يفسر بعضها بعضا، كما أطلق الحرية للقرآن في أن يدلي بما يريد دون أن يحمل على ما يراد وبهذه المثابة يصبح تفسير القرآن تفسيرا للمسلمين أجمعين، وعليه يقام أساس التوفيق بين المسلمين.(4) ———————- عبد المنعم البري :الشيعة الاثني عشرية في دائرة الضوء، دار الحقيقة للإعلام الدولي، الطبعة الأولى 1410 ه - 1989 القاهرة ص 295 – 296 سجلات دار الإفتاء المصرية، فتوى 679 ( غرة ذي الحجة 1368 ه ،25 أغسطس 1949م ) وقد مثلت فتوي الشيخ شلتوت أساسا لدعوة التقريب، باعتبار الشيعة الإثني عشرية مذهبا إسلاميا يجوز التقرب به إلي الله تعالي، والتي تنص علي "أن الإسلام لا يوجب علي أحد من أتباعه أتباع مذهب معين، بل إن لكل مسلم الحق في أن يقلد أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينقله إلي غيره - أي مذهب كان - ولا حرج عليه في شيء من ذلك"، وأضاف "أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة،وثيقة بمكتب شيخ الأزهر بإمضاء الشيخ محمود شلتوت، عام 59 . جريدة الأهرام، عدد بتاريخ 14 أغسطس 2010 ، صفحة فكر ديني.