قررت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" إحداث مرصد في بيروت لرصد وتقييم حالة التراث الثقافي في سوريا. وفي نهاية اجتماع دولي للخبراء عقد في مقر اليونسكو في باريس في الفترة ما بين 26 و28 أيار/ مايو الجاري، أعلنت اليونسكو، في بيان أصدرته أمس، ووصل مراسل وكالة "الأناضول" الإخبارية نسخة منه اليوم الخميس، عن إنشاء مرصد لرصد التراث المبني والمنقول وغير المادي في سوريا، بهدف مكافحة الاتجار غير المشروع، وجمع كافة المعلومات التي من شأنها ترميم التراث حالما ينتهي النزاع المسلح هناك الذي دخل عامه الرابع. وبحسب البيان، فإن المرصد، الذي يتخذ من مكتب اليونسكو في بيروت مقراً له، سيضم إطاراً إلكترونياً، حيت تتقاسم أطراف وطنية ودولية المعلومات بشأن الأبنية التي تعرضت لأضرار، والقطع الفنية التي نُهبت، فضلاً عن كافة أشكال التراث غير المادي التي تعرضت للتهديدات. وضمّ الاجتماع الدولي "حشد المجتمع الدولي لصون التراث الثقافي في سوريا" أكثر من 120 خبيراً من 22 بلداً، من بينهم أخصائيون في مجال التراث الثقافي من سوريا ومن الشتات السوري، وممثلون عن المنظمات غير الحكومية السورية، وعلماء الآثار وأعضاء من المنظمات الشريكة لليونسكو، فضلاً عن أكاديميين من العديد من الجامعات الكبرى في الشرق الأوسط وخارجه. كما شارك في هذا الاجتماع ممثلون عن دور المزادات العلنية الدولية الذين دعوا إلى تقاسم المعلومات ووضع السياسات وتحسين التعاون الدولي أثناء النزاعات وبعد انتهائها. واقترح المشاركون في هذا الاجتماع مطالبة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن يعتمد قراراً لتيسير استعادة القطع الثقافية التي سُرقت وصُدّرت على نحو غير مشروع من سوريا وتحريم بيعها ونقلها. كما شدد المشاركون على ضرورة "إزالة الصبغة العسكرية عن المواقع الثقافية"، أي منع استخدامها كقواعد عسكرية أو كأهداف، مع الالتزام بالقانون الدولي القائم، ولاسيما اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح "لعام 1954" التي صادقت عليها سوريا. وأكّد أيضاً المشاركون في الاجتماع على ضرورة تدريب ضباط الشرطة وموظفي الجمارك في المنطقة وخارجها ورفع مستوى وعيهم بشأن الدور المنوط بهم في ما يتعلق بمكافحة الاتجار غير المشروع بالقطع الثقافية. ومن جانبها، حذّرت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو قائلة "لقد بلغنا نقطة اللاعودة حيثما تعلق الأمر بالتراث الثقافي في سوريا"، وأشارت إلى أن تدمير التراث هناك يعتبر بمثابة "نزف ثقافي يقترن بأزمة إنسانية مأساوية يعاني من ويلاتها الشعب السوري". وأعربت المديرة العامة في البيان، عن استيائها البالغ لتدمير كنيس "إلياهو هانابي" التاريخي في دمشق، وقالت إن "تدمير أقدم كنيس في سوريا هو ضربة جديدة ضد تراثها الديني والثقافي، الذي تعرض بالفعل لضرر هائل". وأضافت بالقول: "إن هذا الكنيس هو بمثابة شاهد على التنوع الثقافي التاريخي لسوريا وإلى إمكانية التعايش السلمي بين جميع الطوائف في البلاد". وأكدت على ضرورة حماية كل مكونات ثقافة سوريا الغنية، بما في ذلك التراث الديني، مشيرة بشكل خاص إلى حقيقة أن في سوريا مواقع ومعالم بغاية الأهمية للديانات الثلاث، المسيحية واليهودية والإسلامية. وأوضحت أن المواقع الأثرية والمدن التاريخية ذات القيمة العظيمة في سوريا دمرت، وذلك منذ نشوب النزاع في آذار/ مارس 2011، كما ألحق هذا النزاع أضراراً في مواقع التراث العالمي في سوريا الستة، ولاسيما في مدينة حلب القديمة وفي قلعة الحصن بحمص؛ وهناك من الشواهد التي تدل على أن هذه المواقع قد استخدمت كأغراض عسكرية وتعرضت لقصف مباشر بالقنابل والانفجارات. أما التراث العالمي وسائر البقايا القديمة العديدة هناك فقد تعرضت للحفريات غير المشروعة، والتدمير المتعمد، والإنشاءات غير القانونية الضارة، فضلاً عن ضغط "الاحتلال الإنساني المؤقت"، حسب تعبير المديرة. وفي ما يخص التراث الثقافي غير المادي بما فيه الممارسات الثقافية والعروض الحية وغيرها، أوضحت بوكوفا إنه يتعرض لأضرار جسيمة بسبب ظواهر التشتت الاجتماعي، وعوامل النزوح والهجرة. من جانبه، قال فرانسسكو باندارين مساعد المديرة العامة لليونسكو: "إن وضع الآثار في سوريا كارثي ولم تشهده أي دولة من قبل لا العراق أو أفغانستان أو ليبيا، كما لا يمكن مقارنته مع بقية الدول التي تعرضت لحروب". وفي تصريحات لوكالة "الأناضول"، أوضح باندارين إن التراث في سوريا أصبح هدفا وكذلك المعالم السياحية تعرضت لدمار كبير. ولفت المساعد إلى أن تهريب الآثار يتم عبر دول الجوار السوري، كاشفا عن وجود ممثلين عن هذه الدول في الاجتماع الذين قدموا لوائح بآثار تم ضبطها في المطارات. ونقل باندارين عن الممثلين أن بعض المضبوطات مزيف، مشيراً إلى أنه ينبغي التعاون مع هذه الدول لوضع مجلدات خاصة بالمسروقات. من جانبه، قال حمد الهمامي المكلف بإدارة المرصد في بيروت للأناضول، إنه يوجد معلومات كثيرة متوفرة حول وضع الاثار السورية لكن ينبغي التحقق منها. وأشار الهمامي إلى أن اختيار بيروت لتكون مقراً للمرصد يعود لقربها جغرافيا من سوريا مما مما يسهل العمل. من جانبه، أعلن الممثل الرسمي لسوريا في الاجتماع، مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف عن أن جميع السوريين من موالاة ومعارضة للنظام متفقون على إنقاذ تراث سوريا. وفي تصريح لوكالة "الأناضول"، كشف عبد الكريم أن وضع الآثار في سوريا مأساوي وصعب جداً وهناك عمليات نهب منظمة مع وجود مافيات دولية. وأشار إلى أنه علينا ان نترك السياسة للسياسيين وأن نعمل كخبراء ومختصين على حماية التراث السوري. من جهته، دعا أنس المقداد رئيس قسم الاثار في جامعة حلب سابقا وباحث في مركز البحوث الفرنسي، إلى إخلاء المواقع الأثرية من المظاهر العسكرية، مشيراً إلى أن بعض تلك المواقع تحولت إلى ثكنات. وأضاف في تصريحه ل "الأناضول"، أنه تم قصف بصرى الشام القديمة والجامع العمري ومئذنته الشهيرة التي تعود للعصر الأموي، في محافظة درعا، ما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة فيهما. وبالتزامن مع المؤتمر افتتح في الدائرة الخامسة عشر في باريس معرض للصور الفوتوغرافية تحت عنوان "ذكريات من سوريا"، يضم صورا لعدد من المواقع الاثرية كقلعة حلب وقلعة الحصن ومواقع سمعان وصيدنايا ومعلولا. وفي تصريح لوكالة "الأناضول"، أشار علاء الحمصي القيّم على المعرض الذي يستمر حتى 12 يونيو/حزيران المقبل، إلى أن الهدف من إقامة المعرض "إنساني بحت"، حيث يعود ريع الصور إلى جمعية تعنى بصحة الأطفال في سوريا، لم يسمّها. ولفت إلى أن المعرض يهدف أيضاً إلى "إعطاء الغرب نظرة أشمل للعالم عن حقيقة سوريا"، حسب تعبيره.