"العقاقير الموجهة".. طريقة جديدة تعمل على استهداف خلايا السرطان في الجسم واستهداف الحمض النووي داخل النواة الخاصة بتلك الخلايا السرطانية، كما أنها تزيد من فاعلية الدواء وتعمل على تقليل الأعراض الجانبية وتخفض من تكلفة العلاج. هذا ما أكدته الدكتورة ليسا أندرسون رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد اليوم، مشيرة إلى أن المعالجة بالعقاقير الجديدة الموجهة التي تُعطى بحسب حالة المريض قد تكون هي البديل الناجح للعلاج، فالطريقة الجديدة تزيد من فاعلية الدواء وتعمل على تقليل الأعراض الجانبية وتخفض من تكلفة العلاج. ومن جانبه، أوضح الدكتور تامر شعيب الأستاذ المساعد ورئيس الفريق البحثي وقسم الكيمياء بالجامعة الأمريكية، أن الطريقة الجديدة للعلاج تجدد الأمل لأحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم وهو السرطان. وأوضح شعيب أنه يعكف حالياً على إجراء أبحاث تهدف إلى تصنيع عقاقير موجهة لعلاج مرضى السرطان تتسم بمزيد من الفاعلية وتكون الجرعة مركبة تبعاً لحالة كل مريض على حدة، مشيراً إلى أن 65 % من مرضى السرطان يتلقون العلاج الكيمائي، كما يتلقى 40 % منهم الجرعة الخاطئة لأن العقاقير تكون مركبة على أساس واحد لكل مرضى السرطان، ولا تكون مركبة بصورة معينة تبعاً لحالة كل مريض. وبالرغم أن نمط العلاج الكيمائي الحالي يراعي حجم الجسم ووظائف الكلى الخاصة بالمريض، إلا أنه غير مأخوذ في الحسبان كيفية تفاعل كل مريض على حدة مع العقار الكيمائي الموصوف، وذلك لأنه ببساطة غير موجه وغير موصوف على حسب حالة المريض الذي يتلقى العلاج. وأفاد شعيب أن نتيجة العلاج بالعقاقير الكيمائية الحالية غير مضمونة، والآثار الجانبية لا يمكن التكهن بها، وهناك اختلاف كبير في استجابة المرضى للعلاج، مشيراً إلى أن هناك اختلاف لاستجابة مريض السرطان حسب حالته تعتمد في المقام الأول على كيفية تفاعل العقار الكيمائي مع خلايا السرطان والخلايا السليمة في جسم المريض. ويقول شعيب: "لا تستهدف معظم العقاقير الكيمائية الموجودة الخلايا المصابة تحديداً، فأين تذهب بالضبط؟ وما مدى سرعة استهدافها للخلايا المصابة؟، ويعمل البحث الذي نقوم به على تفصيل وتركيب الجرعة الكيمائية بحسب احتياج المريض وحسب الحالة الصحية له وصولاً إلى تحديد عما إذا كانت هناك عوامل خطر جينية تساعدنا في فهم آلية عمل الدواء في الجسم وكيفية تفاعله مع الجزء المصاب". وأضاف شعيب أن العقاقير الموجهة المقننة لا تقتصر على علاج السرطان فحسب، بل يمتد البحث ليشمل أثر هذه العقاقير في علاج بعض الأمراض المزمنة الأخرى مثل مرض السكر، والزهايمر، وأمراض القلب، وهذا الاتجاه يعتمد في الأساس على اختبار كيفية عمل الخلايا الجينية والجزئية في جسم الشخص المصاب، بالإضافة إلى اختبار البنية الجزئية للمرض ذاته. ومن جانبه، أوضح طارق شوقي عميد كلية العلوم والهندسة، أنه يجب تكوين صورة كاملة تتعلق بالمخاطر المحتملة من جراء تطبيق بروتوكول علاجي بعينه وتحديد العلاج المناسب الذي يتماشى مع كيفية عمل جسم المريض، مع الأخذ في الحسبان التاريخ المرضي لعائلة المريض، واختلاف العوامل الوراثية بالإضافة إلى اختلاف العوامل البيئية من مريض لآخر. وأشار شوقي إلى أن الاتجاه الحالي لتصنيع وتركيب عقاقير موجهة تكون مناسبة لحالة كل مريض بعينه يساعد بالتأكيد في إحداث طفرة في عالم العقاقير الطبية وظهور أنواع جديدة منها وتكون الجرعة الموصوفة منها مقننة بحسب حالة المريض، ويساعد أيضاً في تحديد الأشخاص المعرضين للإصابة بمرض معين قبل ظهور أعراض المرض ذاته. آلية عمل عقار السرطان واستطرد شعيب: "استطعنا ولأول مرة تحديد آلية عمل العقار داخل جسم المريض والتي كانت غير معروفة من قبل وكانت تعوق فاعلية دواء "Oxaliplatin"، وهو أحد العقاقير المعروفة المتداولة في مختلف دول العالم، عن معالجة الجزء المصاب من جسم المريض". وقد وجدنا أن العقار الذي يستخدمه ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم يتفاعل مع أحد الجزيئات الذي يُسمى "الكارنوزين"، وهو موجود بصورة طبيعية في جميع خلايا جسم الإنسان، ولكن يتواجد بصورة أكثر كثافة في خلايا العضلات وخلايا الجمجمة. وهذا التفاعل يقلل من فاعلية الدواء عن طريق منع وصوله إلى قلب خلية السرطان التي يوجد بها الحمض النووي، لا يقلل هذا التفاعل من فاعلية "Oxaliplatin" فحسب، بل يسبب أيضاً الكثير من الأعراض الجانبية بسبب منع "الكارنوزين" العقار من الوصول إلى خلية السرطان بالجسم، ومن ثم يصل العقار إلى جزء آخر من الجسم ويؤثر عليه بالسلب. ويقول شعيب: "عندما يكون العقار عائقاً عن الوصول إلى الخلية السرطانية بالجسم، تدخل كمية أقل من العقار إلى الخلية السرطانية، وتكون فاعلية العقار ضعيفة في تلك الحالة، بالإضافة إلى ظهور المزيد من الأعراض الجانبية لأن جزيئات الجسم الأخرى التي يصل إليها العقار ليست هي المقصودة بالعلاج". لذا نهدف إلى إزاحة ذلك العائق المتمثل في "الكارنوزين"، أو التغيير بعض الشيء في جزئيات الدواء بحيث لا يمكن "للكارنوزين" التعرف عليه، وبعبارة أخرى نعمل على التحايل على "الكارنوزين " وخداعه بحيث نعوقه عن منع الدواء من الوصول إلى قلب الخلية المصابة بالسرطان، والحفاظ في نفس الوقت على شكل الآلية التي يتم بها العلاج بحيث يصل العقار إلى الجينات الوراثية في الخلية بصورة مباشرة. وهذا في حد ذاته أمر صعب، فنحن نريد أن نغير بعض الشيء في خصائص العقار، ونريد في نفس الوقت أن يكون هذا التغيير طفيفاً ليتمكن العقار من الوصول إلى الخلية المصابة بالتحديد وعلاجها، وهذا بالتأكيد يقودنا إلى الوصول إلى إدخال التعديلات الملائمة للوصول إلى تصنيع العقار المناسب. ويضيف شعيب: "عندما يعوق "الكارنوزين" امتصاص العقار، تحدث بعض المضاعفات وفي هذه الحالة إما أن تُمتص تلك المجموعات في الجسم أو تتكسر إلى أجزاء صغيرة، وفي المعمل نقوم بتكسير تلك المجموعات وتحديد أصغر الأجزاء لتقليد الآلية التي تحدث في الجسم بالضبط". ويعمل شعيب أيضاً في بحث آخر يتعلق بتحديد جزئيات أخرى قد تتفاعل مع عقار "Oxaliplatin" وتعوق امتصاصه وتمنعه من الوصول إلى الحامض النووي الخاص بالخلية السرطانية، وقد يؤدي هذا البحث إلى نتائج أفضل فيما يتعلق بتصنيع العقار بالإضافة إلى علاج مرضى السرطان على نحو أفضل. ويقول شعيب: "يجب على الطبيب الذي يلجأ إليه مريض السرطان لعلاجه أن يبحث أولاً عما إذا كان جسم هذا المريض يحمل الكثير من تلك الجزيئات أم لا؛ وإذا اكتشف الطبيب أن هناك الكثير من تلك الجزيئات في خلايا مريض ما، عليه في هذه الحالة اللجوء إلى استخدام عقار آخر يلائم حالة هذا المريض بالذات ليكون العلاج أكثر فاعلية". ويأمل شعيب أن تحقق العقاقير الموجهة الجديدة التي تُصنع لتلائم حالة بعينها الكثير من الفاعلية في علاج مرضى السرطان.