اعترف عسكريون وسياسيون معارضون، أن النظام السوري استطاع خلال ال60 يوماً الماضية، إحراز تقدم لصالحه على حساب المعارضة وذلك على الصعيدين السياسي والعسكري، مثلت "أياماً عجافاً" مرّت على الثورة، على حد قول أحدهم. وأوضح المعارضون، في تصريحات لوكالة "الأناضول" الإخبارية، أن قوات النظام استطاعت خلال الشهرين الماضيين السيطرة على عدة مدن استراتيجية كانت قوات المعارضة تسيطر عليها قبل عامين خاصة في منطقتي القلمون بريف دمشق "جنوب" وريف حمص الغربي "وسط". في الوقت الذي استطاع فيه النظام أيضاً فك العزلة عنه في مؤتمر "جنيف 2"، وإظهار نفسه في صورة المتعاون مع المجتمع الدولي من خلال تسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية التي يملكها، بحسب المعارضين أنفسهم. إلا أن عضواً في "المجلس الوطني السوري" المعارض رأى أن الثوار عوضوا تراجعهم في بعض المناطق، بتقدم ملحوظ في مناطق أخرى وخاصة جبهة الساحل (غرب) التي بدؤوا، أمس الجمعة، معركة كبيرة فيها ضد قوات النظام. وفي هذا الصدد، قال عمر أبو ليلى، الناطق باسم هيئة أركان الجيش الحر- الجبهة الشرقية، إن النظام تقدم خلال الشهرين الماضيين في مناطق جنوب وغربي البلاد، عجز عن التقدم فيها أو استعادتها من قبضة الثوار خلال العامين اللذين سبقاهما. وأوضح أبو ليلى، في حديثه ل "الأناضول"، أن تخاذل بعض الدول في تقديم الدعم اللازم لقوات المعارضة، وانشغال الأخيرة في معارك جانبية مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في مناطق الشمال، أدى إلى تشتيت قوتها وتقدم قوات النظام في بعض المناطق. واستعادت قوات النظام السيطرة، خلال الشهرين الماضيين، على عدة مدن في القلمون جنوبيسوريا كان أخرها يبرود، الأسبوع الماضي، كما تقدمت في مناطق عدة بريف حمص الغربي "وسط" مثل بلدة الحصن وقبلها بلدة الزارة. واستطاعت بذلك بسط سيطرتها بدءاً من منطقة الساحل "شمال غرب" ذات الغالبية العلوية، التي ينحدر منها رأس النظام بشار الأسد وأركان حكمه، وصولاً إلى العاصمة دمشق"جنوب". ومنذ نهاية العام الماضي شنّ الجيش الحر وحلفاؤه من قوات المعارضة السورية أبرزها "جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية"، حملة عسكرية، ما تزال مستمرة، ضد معاقل "داعش" في مناطق بشمال وشرق سوريا، كونهم يتهمون التنظيم بتشويه صورة الثوار والتعامل مع النظام، وأدى ذلك لسقوط قتلى وجرحى من الطرفين. وأضاف أبو ليلى أن النظام استغل انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية مؤخراً، لتكثيف عملياته العسكرية والاستعانة بحزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات، كما استخدم جميع أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، لم يحددها، وكل ذلك ساهم في تقدّم قواته. وأشار الناطق إلى أن النظام استطاع "التمدمد" في بعض المناطق من خلال "الهدن" أو "المصالحات" التي عقدها وخاصة في عدة مدن وبلدات بريف دمشق "جنوب"، وأيضاً في حمص القديمة "وسط"، الأمر الذي عجز عن تحقيقه عسكرياً خلال عامين. وأعلن النظام السوري، مؤخراً عن عقد "مصالحات" مع أهالي عدد من البلدات بريف دمشق، وأحياء في مدينة حمص، التي تسيطر عليها قوات المعارضة، فيما عدّتها المعارضة المسلحة "هدناً" لإدخال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين من قبل قوات النظام منذ أشهر في المناطق المذكورة. ونوه أبو ليلى إلى أن تركيز بعض وسائل الإعلام على ما أحرزه النظام من تقدم مؤخراً، وتهميش التقدم الذي تحرزه قوات المعارضة أوحى بالتقدم الكبير لصالح النظام. واعتبر الناطق أن الشهرين الماضيين كانا "عجافاً" في عمر الثورة، واستدرك بالقول إن قوات المعارضة على الرغم مما خسرته من مناطق مؤخراً، إلا أنها ما زالت تسيطر على نحو 65 % من أنحاء سوريا. في سياق متصل، قال العقيد فاتح حسون، قائد جبهة حمص في هيئة أركان الجيش الحر، إن النظام استطاع خلال الشهرين الماضيين تحقيق مكاسب جغرافية على الأرض إلى جانب تحقيق مكاسب سياسية على الصعيد الدولي. وعزا حسون في تصريح ل "الأناضول"، السبب إلى وجود مؤسسات صورية ليست فاعلة - على حد وصفه - تمثل المعارضة مثل الأركان "هيئة أركان الجيش الحر" والائتلاف "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" والحكومة المؤقتة التابعة له، حيث تم إعطائها أكبر من حجمها شكلاً، إلا أنها لا تتلقّ الدعم اللازم للقيام بمهامها. وأوضح أن كتيبة واحدة خارج الأركان تتلقى دعماً من بعض الأطراف يعادل كل الدعم المقدم للأركان، دون أن يسمي الكتيبة أو الأطراف التي يعنيها. من جهة أخرى، لفت قائد الجبهة إلى أن سوء توزيع الدعم المقدم للمعارضة وربطه بالولاءات، وعدم إسناد مقاليد المسؤولية إلى أهلها ساهم أيضاً في إضعاف المعارضة وقدراتها. وأشار إلى أن النظام جنى خلال الشهرين الماضيين ثمار أكثر من عام ونصف العام من اختراق المعارضة عسكرياً وسياسياً والتخاذل الدولي في تقديم الدعم الدولي لها، دون أن يورد أمثلة على ذلك الاختراق. ورأى حسون أن توقّع بعض الأطراف الدولية أن الصراع في سوريا سيستمر لعشر سنوات أو أكثر، لم يأت من فراغ، فإما أن يكون ذلك "نتيجة دراسة للمعطيات على الأرض أو لأن هنالك رغبة لدى تلك الأطراف في أن تستمر الأزمة لتلك المدة" - على حد قوله. من جهة أخرى، قال المعارض السوري وائل الحافظ: "إن النظام فك بعضاً من العزلة الدولية عنه التي خنقته خلال العامين الماضيين، خلال حضوره مؤتمر جنيف2 الذي عقدت جولتيه منه في الفترة ما بين 22 و31 يناير/ كانون الثاني و10و14 فبراير/ شباط، وخطاب ممثليه أمام ممثلين ل 40 دولة". وفي تصريحات ل "الأناضول"، قال الحافظ وهو المفوض السياسي للحركة الشعبية للتغيير، إحدى أطياف المعارضة السورية: "إن ذلك الأمر جاء نتيجة ضعف المعارضة وتخبطها وعدم تمثيلها الحقيقي للثوار، وغرفة العمليات الدولية الداعمة للنظام المكونة من روسياوإيران وحلفائهما". وأشار إلى أن المؤتمر على الرغم من الإقرار بفشله في التوصل لحل سياسي من قبل جميع الأطراف، إلا أنه أتاح الفرصة لممثلي النظام لعرض وجهات نظرهم للإعلام العالمي بخصوص "محاربة الإرهاب، وضعف الائتلاف وإصراره على تولي الحكم بأي طريقة". واعتبر أن تخلي النظام "تمكن أيضاً من كسب بعض التأييد الدولي بعد تخليه عن كميات من الأسلحة الكيميائية التي يملكها، في سبيل التغاضي والتغطية عن الحملات العسكرية التي يشنها والقتلى بين المدنيين، وذلك للوصول إلى الانتخابات الرئاسية الباطلة التي يتحضر بشار الأسد لخوضها يوليو/ تموز، ليصور نفسه على أنه رئيس منتخب من قبل الشعب". ورأى الحافظ أن "النظام سيهزم في النهاية والأرض للشعب السوري، وحتى المناطق التي سيطر عليها النظام وخاصة يبرود دخلت حرب استنزاف تقودها قوات المعارضة التي ستعمل على إنهاك قوات النظام وحزب الله اللبناني". من جهته، خالف زهير سالم، عضو المجلس الوطني المعارض، رأي سابقيه، حيث قال إن الثوار لم يستكينوا لخسارتهم مناطق في القلمون وحمص، وعوضوا ذلك بالتقدم في درعا (جنوب)، واللاذقية (غرب)، مشيراً إلى أن المعركة "كر وفر"، والمعادلة لا تحسم بقياس المناطق التي يسيطر عليها كل من الطرفين ب"الشبر"، حسب تعبيره. وقال ناشطون سوريون: "إن قوات المعارضة سيطرت، الجمعة، على معبر "كسب" الحدودي مع تركيا شمال اللاذقية وعدة مخافر حدودية في محيطه، وذلك بعد إطلاقها معركة "الأنفال" التي تستهدف قوات النظام ومواقعها في جبهة الساحل". كما استطاع مقاتلو المعارضة، الأربعاء، السيطرة على سجن درعا المركزي(جنوب) وتحرير عشرات المعتقلين فيه بعد حصاره من قبلهم لعدة أشهر. وفي تصريح آخر للوكالة، رأى سالم أن النظام خسر في "جنيف2"، حيث ظهر بمظهر: "المتعنت والرافض للحل السياسي"، وجميع الأطراف وضعت إشارات على سلوك ممثلي النظام خلال المفاوضات. واعتبر عضو المجلس أن تقييم الأوضاع تتعلق بطريقة قراءة المجريات بشكل سلبي أو إيجابي، لافتاً إلى أنه إذا قرأنا الموضوع بشكل سلبي فإن المعارضة تتلقى دعماً مقنناً ومراقباً وتخضع لضغوط وإملاءات في الوقت الذي يحصل النظام على دعم لا محدود من حليفتيه روسياوإيران. وأضاف أن تراجع المعارضة يعود لنوع من الخلل الاستراتيجي نتيجة الموقف الدولي المتأرجح، وتدخل إيران وحزب الله عسكرياً بشكل علني وبكامل قواتهما إلى جانب قوات النظام. ومنذ مارس/ آذار 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 40 عاماً من حكم عائلة بشار الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة. غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف المظاهرات ضده؛ وهو ما دفع بالبلاد إلى معارك دموية بين القوات النظامية وقوات المعارضة؛ حصدت أرواح نحو 150 ألف شخص، بحسب إحصائيات المنظمات الحقوقية التابعة للمعارضة.