تصدر قريبًا عن المركز القومي للترجمة، الترجمة العربية لموسوعة أكسفورد في البلاغة. أشرف على الترجمة وشارك فيها وراجعها الدكتور عماد عبد اللطيف، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب، بمشاركة الدكتور مصطفى لبيب ونخبة من المترجمين العرب. يرى الدكتور عماد عبد اللطيف في تقديمه لموسوعة أكسفورد أنها الأضخم والأكثر شمولاً من بين الموسوعات الحديثة المكرَّسة لعلم البلاغة. وقد صدرت في نسختها الورقية في العام 2001، وفي نسختها الإلكترونية في العام 2006. تقع الموسوعة في أربعة مجلدات وتتضمن الموسوعة أكثر من مائتي مدخل، وتقدم معلومات وافرة عن آلاف المفاهيم والمصطلحات والظواهر والكتب والمدارس والشخصيات وثيقة الصلة بالبلاغة. وتعالج الموسوعة مدىً واسعًا من الموضوعات التي تقع في صلب علم البلاغة أو تتقاطع معه أو تتماس به. تقدم الموسوعة صورة دقيقة ومفصَّلة وطازجة للبلاغة في ماضيها وحاضرها، موليةً اهتمامًا متميِّزًا للآفاق التي ترتادها في الوقت الراهن، وتلك التي يمكنها ارتيادها في المستقبل. وقد شارك في تأليف الموسوعة نخبة من أبرز دارسي البلاغة في العالم المعاصر وأشهرهم قاطبة. وحرص هؤلاء على إتاحة معلومات دقيقة وشاملة حول المداخل التي قاموا بتأليفها. وتيسيرًا على القراء الراغبين في مزيد من المعرفة، فقد ذُيِّل كل مدخل بقائمة من المصادر والمراجع، تتضمن تعليقات إرشادية موجزة، لمحتوى كلٍّ منها وأهميته. ذكر الدكتور عماد عبد اللطيف أن الفترة الزمنية التي تغطيها الموسوعة تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام؛ وإذا وضعنا حديث جورج كينيدي المقتضب عن البلاغة الفرعونية في الاعتبار، فإن هذه الفترة قد تصل إلى أربعة آلاف عام تقريبًا. ويتوازى هذا الامتداد الزمني الشاسع مع امتداد جغرافي مماثل؛ فقد مُثِّلت البلاغة في قارات العالم القديمة والجديدة، وإنْ بشكل غير متوازن. كما شارك في تأليف الموسوعة باحثون من أقطار العالم المختلفة؛ وإنْ على نحو رمزي، نظرًا لهيمنة الباحثين من أمريكا وأوروبا الغربية. من الطبيعي أن يُثير هذا التنوع والاتساع الكبير في مفاهيم البلاغة ومصطلحاتها ونظرياتها وإجراءاتها وغاياتها ووظائفها أسئلة ابستمولوجية حول طبيعة المعرفة البلاغية، وطبيعة تقديم هذه المعرفة. والموسوعة تُعد عملاً لا غنى عنه للمتخصصين في العلوم الاجتماعية الإنسانية بعامة، والمتخصصين في علوم البلاغة واللغة والأدب بخاصة. تقدم موسوعة أكسفورد في البلاغة دراسات معمَّقة لأبرز المفاهيم والمصطلحات والتوجهات البلاغية التقليدية. فهناك مداخل خاصة بمبادئ البلاغة أو قوانينها (الابتكار، والترتيب، والأسلوب، والحافظة والإلقاء) وأنماط الدليل (الباتوس واللوجوس والإيتوس)، وأنواع الخطابة، والمحسنات البلاغية، والعلوم التقليدية ذات الصلة؛ مثل الفلسفة والمنطق والشعر والنحو والقانون والسياسة. وقد حافظ المؤلِّفون على الطابع الأصلي لهذه المعرفة الكلاسيكية، فاحتفظوا بأصول المصطلحات اليونانية واللاتينية..، ووضعوا بعضها في صدارة عناوين مداخل الموسوعة. وسوف لا يُعدم قارئ الموسوعة شعورًا بالألفة نتيجة دوران مصطلحات ومفاهيم وأسماء معروفة في هذا الحقل المعرفي العتيق. غير أن قارئ الموسوعة سيغمره بين الحين والآخر شعور بالجِدَّة والطزاجة وربما الدهشة أيضًا، بفضل وجود مداخل غير تقليدية، وموضوعات وقضايا لم تؤلَف مقاربتُها من منظور بلاغي. يذكر الدكتور عبد اللطيف أنه بقدر ما كانت بلاغات الماضي محورًا لاهتمام الموسوعة، كانت بلاغات الحاضر انشغالاً من انشغالاتها. فقد عالجت الموسوعة أنواعًا بلاغية غير تقليدية، مغايرة على نحو كبير للأنواع التقليدية التي درستها البلاغات القديمة. من هذه الأنواع: الحملات الانتخابية؛ والأجناس الأدبية المهجنة؛ والنصوص المدمجة؛ والحركات الاجتماعية؛ والاتصال التقني؛ وبلاغة العرض والإيضاح. كما خصصت الموسوعة مقالات لبلاغات المهمشين؛ فأفردت – على سبيل المثال- مدخلاً للبلاغة الأفرو-أمريكية، عالج بلاغة السود في المجتمع الأمريكي، ومدخلاً للبلاغة النسوية؛ تناول ملامح بلاغة حركات الدفاع عن المرأة في العصر الحديث. كذلك اهتمت الموسوعة اهتمامًا كبيرًا بظواهر معاصرة مثل الجماهير الغفيرة والجمهور الافتراضي وبلاغة صفحات الإنترنت وبلاغة الصورة والفكاهة والموسيقى والفن. وفي الحقيقة فإن الاهتمام براهن الدرس البلاغي في العالم أحد نقاط التميز الأصيلة لموسوعة أكسفورد في البلاغة؛ فهي تقدم لنا معرفة فاحصة حول مسائل بلاغية راهنة، تهمُّ القارئ العربي، وتكاد تحظى من الدارسين العرب باهتمام محدود أو نادر.