كتابة الرباعيات أصعب من القصيدة رباعيات النيل هي الأكثر حزناً في الديوان
قالوا التاريخ تواريخ وكلام ماهوش عننا قلت التاريخ إنسان والأصل هوَّ أنا قالوا الهرم أحجار..قلت الحضارة بُنا واللي بنوها زمان ..بعتوا الرسالة لنا هي إحدى أبيات ديوان "رباعيات بالبلدي" الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر عامية عام 2013، ضمن فروع جوائز معرض القاهرة الدولى للكتاب التي سلمها وزير الثقافة للفائزين أمس. عبرت الشاعرة فاطمة المرسى ل"محيط"، عن سعادتها البالغة لفوز ديوانها وتمنت أن تحظى أعمالها بالقبول لدى القراء دائماً. وقالت في تصريحات خاصة أن الفوز شعور جميل وإحساس يتوج جهود المبدع، قائلة أن لجنة التحكيم تميزت بالنزاهة، في مؤشر على أن كل شئ يتغير في مصر للأحسن. وعن كتابتها للرباعيات، قالت "المرسي" أن لها من قبل ثلاثة دواوين "انتباه يا مصر"، "مولد السيدة مصر"، "على ذمة التحرير"، فأرادت تجربة لون جديد من الكتابة، تقول: كتبت "الرباعيات" ولم أخش المقارنة بالشاعر صلاح جاهين، فلا مقارنة بشاعرنا العظيم، لذلك خضت التجربة ب"قلب جامد". وأكدت الشاعرة أن كتابة "الرباعيات" أصعب من القصائد، ففي الرباعية تحاول تركيز الفكرة في أربعة أسطر فقط تحمل مضموناً ورسالة، لكن القصيدة ذات مدى مفتوح يمكن من خلالها إيصال الرسالة بأريحية. وعن أقرب الرباعيات إلى قلبها قالت أنها الرباعيات التي تتناول النيل؛ "كتبتها بحزن" لذلك تؤثر بنفسي، ومنها : بنوا السدود ع السما اشرب يا نيل م البحر واروي السنابل هنا وسط الغيطان بالمر وأما الشادوف ينزوي ويقول مانيش عطشان ما تاخدش في الحسبان ده رد فعل القهر وتقول الشاعرة في رباعية أخرى عن مصر: اللي حرق مصر كان في الأصل مش منها لا قلبه على قلبها ولا دينه من دينها ولا عمره كان ابنها ولا كان ضيا عينها كسر هلالها وصليبها وخالف أمر قرآنها وعن جديد فاطمة المرسي، تقول أن لها ديواناً جديداً تحت الطبع بعنوان "ليه وجودك مشكلة" وهو ديوان اجتماعي بعيداً عن السياسة. ديوان "رباعيات بالبلدي" يبدأ بتقديم الشاعر والناقد شعبان يوسف الذي أكد في البداية أنه منذ أن نشرت الشاعرة المصرية فاطمة المرسي ديوانها الأول "انتباه يا مصر" في أعقاب ثورة 25 يناير وهي لا تكف عن تقديم الجديد والمدهش، ولا تقف عند فنيات تقليدية، ولكنها تبحث وتنقب وتقلب في الواقع المصري وقضاياه وهمومه دوماً، والنظر إلى الواقع لدى الشاعرة لا يعوقها إطلاقاً عن تقديم فنيات راقية، وهنا يمتزج الشكل الفني المتقدم مع حجم الهموم التي تظهر وتنتشر في القصيدة، والشعر ليس حاملاً للقضايا، بقدر ما يرسل المتعة للقارئ ويقلقه في آن واحد. وفي "رباعيات بالبلدي" تأخذنا الشاعرة إلى ضفاف فنية جديدة – يواصل يوسف - ولا تهاب أن هذه الضفاف قد جرب فيها شعراء عظام مثل صلاح جاهين، فقدمت لنا رباعياتها بكل جرأة وثقة، هذه الرباعيات التي تفوح في مناخها الحكمة النابعة من كثرة الهموم، والغالب على ما تكتبه فاطمة المرسي هو المصرية العميقة، هذه الروح الطاغية على كل مفردة وتركيبة في القصيدة تجعلنا نعود للمثل الشعبي المصري، والحكمة المصرية القديمة والحديثة وتدفعنا دفعاً إلى التفكير فيما هو قائم بيننا دائماً، حيث بقيت عين الشاعرة على طول الخط لا تنفصل عن الواقع في تجريبات هلامية تضع مسافة بين القارئ وقصيدته، بل على العكس تماماًَ. فقصيدة فاطمة المرسي كما يصفها الشاعر والناقد شعبان يوسف، مفعمة إلى حد التورط في الدماء التي تنزف من الجسد المصري، ودائما ما يوجد هذا الأسى الذي يطل من شبابيك الكلام، ويتضمن الديوان رباعية غاية في الألم حيث تقول: وليه لون الأمل مخطوف..وخايف من حروف بكرة مافيش ولا وش بقى معروف..نحن لمين ومين نكره ما بين الخطوة والخطوة..شبح حافر لأخوه حفره ربيع وخريف بيتصارعوا..تعيش فكرة تموت فكرة هنا نلاحظ – الحديث لا يزال لشعبان يوسف - أن هذه الرباعية تحمل جوهر الأمور التي تدور حولنا، وتجسد لنا هذا الشتات الذي يعاني منه المواطن المصري طوال تاريخه، وليس الآن فحسب، ولذلك فالرباعيات تنضح بالحكمة، حيث أن من خصائص الحكمة دائماً هو تقديم الجوهر باختصار، وهنا تفرض الحكمة الشعرية نفسها بقوة وحسم، ولا تكتفي الرباعية بوصف حالنا فقط، ولكنها كذلك تحرض متلقيها على ألا يظل ساكناً دون حراك، ولكنها تحرضه على الحركة والتغيير والاشتباك مع الواقع، فهذه الحركة الإنسانية هي التي تعمل على تطوير المجتمعات، ونقلها من حال إلى حال أفضل. ولا تركن الشاعرة إلى اللغة الواقعية الواضحة والمباشرة والتقليدية، ولكنها تطرز رباعياتها ببعض التساؤلات المنطلقة من الروح الفلكلورية والشعبية المنغرسة في تاريخنا الضارب في العمق، فتتساءل الشاعرة، وهي تنطق باسم المصريين جميعاً، الذين تاهوا في أضابير ما يحدث، وليسوا قادرين على القبض على مضمون الأمل فتقول: يا فتاحين الورق، وديتوا حظي فين؟ فتشت أنا ع الولد والكومي مش باينين شايب وبنت بنوت والدمع في عنيها بينها وبين الولد حكايات وحب سنين وفي مقطع آخر دال كما يصفه شعبان يوسف، تستدعي الشاعرة فيه شهود العيان لتسجيل ما يحدث في شفافية، فكاتب التاريخ المرتعش لن يستطيع النقل بأمانة، وبالتأكيد أن فاطمة المرسي هنا لا تستدعي كاتب التاريخ فحسب، بقدر ما تدعوا الجميع ليشهدوا على هذا التاريخ الذي يندثر ويختفي ويذوب أمامنا، فتقول: فتح عينيك يا زمن صور لنا المشهد وبقلب جامد صريح ع اللي حصل إشهد دم الشهيد اختفى داخل شقوق الأرض وطلع جراد وانتشر على روحنا يتشهد وفي مقطع آخر تقول: أراجوز في علبة ورق متصور إنه جن يطلع يخوّف عياله باين عليه اتجن كان نفسه يهرب من سنين الأرجوة ولما جاله النهار ليه للضلام بيحن؟ وتقول فاطمة المرسي في تقديمها للكتاب: "عندما يشتد عليك الظلام وتشعر بالوحدة فاعلم أنك في أمس الحاجة إلى كتاب". ما تخافش تاني يا ولد..إيش ياخد الخوف م الضلام لو باقي من عمرك سنة..ما تقلش عيشة والسلام إمشي الطريق من أوله واخلق نهارك م العدم هتلاقي 100 شمس وقمر ونجوم بتضرب لك سلام وفي أخرى نقرأ الخوف بيصنع جبان والكذب يصنع ندل والظلم يصنع شيطان يغوي ميزان العدل والفوضى تقضي على الباقي من الرحمة وكل دول إتجمعوا جدلوا حياتنا جدل وتقول كذلك: ما تخبطوش ع الببان اللي وراها طُرش مجرم بيسجن برئ وينيمه ع البُرش محتال يفهِّم بخيل ازاي يخاف ع القرش وغبي يعلم غبي فن الجلوس ع العرش وتنفي عن باني مصر الكذب في رباعية أخرى وتقول: اللي بنى مصر كان في الأصل مش كذاب لا هان عليه أرضها ولا حتى شبر تراب عطّر غيطان أهلها بالحب والأحباب وعاش ما بين البشر داره بلا بواب وعن سلوكيات المصريين السيئة كتبت: يا ترى مين يعيش فيكي بدون رشوة ولا مواطن ما يملكشي تمن عشوة ولا واسطة تقرص فرصة الغلبان ولا إنسان يموت مقهور من القسوة وتقول أيضا: لو القمر والشمس عملوا مزاد ع النور ما كنش نورهم سطع غير فوق فلل وقصور ولا الفقير كان عرف إن الحياة ألوان ولا أي ضي يبان غير بس نور في قبور