لا أتناول في زاويتي هنا، حائزة نوبل للآداب لهذا العام، الكاتبة الإنكليزية دوريس ليسينغ، إذ إنها أبعد ما تكون عن العنصرية، ويكفي أن نقرأ أعمالها لنكتشف كم وقفت ضد الاستعمار الذي مثلته بلادها. لكني أشير إلى العالم الأميركي جيمس واتسون، حائز جائزة نوبل للطب العام ,1962 وهو رائد اكتشاف «الحمض النووي» يومها. وعنصريته تتمثل في حديث صحافي أجري معه مؤخرا، وتداولته العديد من وكالات الأنباء، يفيد بآخر «نظرياته العلمية»...«السود (كما كل الملونين) أقل ذكاء من الغربيين». لو جاء هذا الكلام من شخص عادي، غير مثقف، لوجدنا «عذرا» ما في كونه شخصا عاديا، عصابيا، فاشيا... الخ، لكن أن يأتي الكلام من عالم يعمل في مختبره ويعتمد بالدرجة الأولى على البراهين العلمية، فهنا خطورة الوضع، وبخاصة أن جميع الاختبارات العلمية حول الذكاء البشري لم تجد حتى اليوم أي برهان وأي دليل قاطع على هذه النظرية العنصرية. من هنا حتى لو تقبّل بعض العنصريين هذا الكلام، وهللوا له، نجد أنه علينا أن نحدد أي ذكاء هو المقصود... ما الدافع الذي كان وراء هذا التصريح؟ صحف العالم تتحدث عن الموضوع منذ أيام، وهي لم تقدم أي فكرة عن دافع واتسون، بالأحرى، من المفترض أن نسأل، أصلا، إن كان يجب فعلا أن نبحث عن الدافع. أي تبرير لهذا العار الذي يجب أن تشعر به الإنسانية اليوم، حين يأتي عالم بقيمة واتسون (من الناحية العلمية) ليصرح كلاما مماثلا. من هنا، هل ستبقى هناك قيمة لهذا الرجل بعد أن قال ما قال؟ أضف إلى ذلك: إن أي كلام مماثل لا بد من أن يجعلنا نشك باكتشاف هذا الرجل. هل كان هو فعلا من توصل إلى هذا الاختراع الذي غيّر العالم كثيرا؟ (ربما كان يجدر القيام بفحص حمض واتسون النووي لنتأكد من ذلك). ما نفع العلم حين يكون بدون أخلاق (بمعنى ال Ethique )، ما نفعه حين يلغي مجتمعات بأسرها بسبب اللون والعرق والدين وما شابه... أي ذكاء يحمله إلينا حين يدمر الروح البشرية، في حين كان من المفروض عليه أن يساعدها ويقدم لها الفرص الأفضل. لا أعرف كيف يمكن لعالم واللهم بلا شماتة أن يتحدث بهذه النبرة، حين يكون ابنه مصابا بتخلف عقلي منذ الصغر. إنهم علماء و«منوبلون». عفوك يا الهي!!!! ** منشور بجريدة "السفير" اللبنانية بتاريخ 20 اكتوبر 2007