الإرهاب: التعريف والمواجهة د. رفعت السعيد فيما لم يزل مشروع قانون مكافحة الإرهاب يتعثر بين ايدي من يتولون صياغته. وفيما لم يزل الخلط مستمرا بين مفردات مختلفة لكنها عند البعض تبدو كمترادفات, وفيما البعض عندنا يخلط بين الجهاد وبين الاغتيال والارهاب وفيما يخلط البعض متعمدا بين معارك التحرر الوطني وبين الارهاب. تبدو هذه الكتابة ضرورية في اعتقادنا. ومن ثم نجد انه من الضروري ان نبدأ بمحاولة التفريق بين المفردات كي نعرف الفرق بينها * الجهاد: وأصله جهد( بفتح الجيم والهاء والدال) وتعني المشقة, وفي القرآن الكريم وأقسموا بالله جهد ايمانهم فإذا وضعت الضمة علي الجيم أي جهد تصبح بذل اقصي ما يستطيع من طاقة. وفي الآية الكريمة والذين لايجدون إلا جهدهم ويقال أجهد عماله أي حملهم فوق طاقتهم.. ومنها اجتهد واجتهاد وجهاد( مختار الصحاح وايضا المعجم الوسيط). أي أن المعني الحقيقي للكلمة هو أن يبذل الانسان جهد طاقته في الدفاع عن القضية التي يؤمن بها أيا كانت هذه القضية أو هو حتي بذل اقصي الطاقة في اي عمل يقوم به. لكن العرب وخاصة في صدر الإسلام اتخذوا من كلمة جهاد تعبيرا عن بذل اقصي الجهد في مواجهة العدو أو حتي في دعوته الي تفهم تعاليم الإسلام. فكانوا يقولون جاهد في الله خير جهاد بمعني سعي بأقصي ما يستطيع لنشر التعاليم والدعوة الإسلامية. اغتال: وأصلها غول واغتاله في اللغة تعني أنه قتله بغتة من حيث لايدري. واغتيال علي وزن افتعال اي أن الانسان يترصد لعدوه حتي يقتله بغتة وبشكل مفاجيء ويكون ذلك عن عمد وقصد. وكان العرب يقولون إن فلانا قتل خصمه غيلة اي اخذه الي غول( أي مكان كثيف الشجر) ثم باغته هناك وقتله من حيث لايدري( الفيروزبادي) ويقال غالته الخمر إذا شربهاأي اذهبت عقله دون أن يدري( الوسيط) * فتك:( بفتح الأحرف الثلاثة) أي غدر بخصمه لكنه قتله مجاهرة ووجها لوجه. ويقول الزمخشري هو القتل علي حين غرة والفارق واضح بين الاغتيال والفتك فالاغتيال هو أن يطعنك في ظهرك أو ما يشبه ذلك. أما الفتك فيقتلك علي حين غرة وإنما مواجهة وكان العرب في الجاهلية يرفضون بل يحتقرون قتل الخصم في غفلة منه اي الاغتيال فالفارس الجاهلي كان يصيح في خصمه خذ حذرك لأني سأقتلك( هادي العلوي الاغتيال السياسي في الإسلام ص15) ونلاحظ أن الاسلام قد رفض الاثنين معا. يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير تفسيرا للآية الكريمة إن الله يدافع عن الذين آمنوا. إن الله لايحب كل خوان كفور( الحج38). إن مسلمي مكة استأذنوا الرسول صلي الله عليه وسلم في أن يقتلوا المشركين الذين آذوهم, وأن يكون القتل سرا اي غيلة أو حتي أن يفاجئوهم بالقتل فتكا اي مواجهة فرفض الرسول وقال الإيمان قيد الفتك ونزلت الآية السابقة تأكيدا لقول الرسول, ويروي الدينوري في كتابه الأحداث الطوال( ص236) أن مسلم بن عقيب رفض أن ينفذ أمر قائد شيعي بالكوفة لاغتيال عبيد الله بن زياد مستندا الي الحديث الشريف الإيمان قيد الفتك, لايفتك مؤمن أخرجه ابو داود. واستخدم ذات الحديث في إدانة مقتل الحسين وفي رفض اي مبررات للاغتيال او للفتك بالخصوم( أبو الفرج الاصفهاني مقاتل الطالبيين). وهكذا نكتشف أن القرآن الكريم والحديث الشريف يشكلان معا موقفا شرعيا متكاملا يرفض الاغتيال والفتك معا. ومهما تكن دوافعه وحتي لوكان ضد المشركين الذين يمارسون اضطهاد وتعذيب المسلمين ويحاربون الدين والمؤمنين به. وإذا كان البعض يستند الي حكايات كثيرة جدا وردت في كتب التراث عن اغتيالات واعمال فتك ارتكبها مسلمون ضد خصومهم فما كان ذلك إلا امتدادا للتراث الجاهلي في زمن كان فيه الاسلام حديثا في قلوب الناس. لكن تواتر الأخطاء وكثرتها لايمنحها أي قدر من الصحة إذا ما حرمها القرآن والسنة. ومن هنا يمكن التأكيد علي أن الإسلام أقصد صحيح الإسلام لايعرف بل هو يرفض اي قتل حتي للمشركين أو الكفار سواء كان ذلك اغتيالا أو فتكا. * إرهاب: وأصلها رهب( بفتح الراء وكسر الهاء) أي خاف. ويقال ارهب فلانا أي افزعه وأخافه( مختار الصحاح) ويشتق من ذلك الفعل المزيد بالتاء ترهب لتعني أن الراهب خاف غواية الدنيا فانقطع للعبادة: وفي القرآن الكريم يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم وإياي فإرهبون أي خافوا. ونقرأ ايضا قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم( الأعراف 116) وكذلك لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله. ذلك بأنهم قوم لايفقهون( الحشر 13) وأيضا واضمم اليك جناحك من الرهب( القصص 32) اي من الخوف. الإرهاب إذن ليس قتلا في ذاته بل محاولة لإفزاع الناس وإخافتهم فيرضخون تحت وطأة الخوف. ولقد يكون الاغتيال أو الفتك سبيلا لإرهاب الآخرين. لكن التفريق في القانون بين المعنيين ضروري وكذلك الأمر ايضا في القواميس الأجنبية فكلمة اغتيالassassinate تعني القتل عبر استخدام العنف أما كلمة إرهابterror فهي الفزع العظيم ومنهاterrible أي رهيب. وهكذا يتعين ان نحاذر من أن استخدام كلمة إرهاب استخداما قانونيا قد يعني فقط إثارة حالة من الفزع لفرد أو للجمهور. ومن ثم فهو بالمقارنة بالاغتيال أو الفتك مجرد نتيجة أو مجرد عمل تحضيري. وهذا أمر يتعين أن يعالج بحرص وتفهم لغوي دقيق عند صياغة اي نص قانوني. ويبقي بعد ذلك الخلط بين الإرهاب( مع التحفظ اللغوي السابق) وبين الدفاع عن الوطن أي حركة التحرر الوطني. وهو خلط متعمد, لايمكن لطفل أن يقع فيه, لكنه ولأن الغرض مرض كما يقولون فإن اغلب الحكومات الغربية تخلط بين الاثنين فتدين هؤلاء الذين يخوضون معارك تحرير وطنهم بأنهم إرهابيون, لكن الأمر لايكون هكذا دوما. فلأن هذا الخلط الساذج والذي يتجاهل ابسط مواثيق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي إنما يأتي لأسباب سياسية فإن السياسة إذ تتلون يتلون معها الموقف, فثمة من يعتبر حركة تمرد ما حركة تحرر وطني وهي ليست كذلك. بينما يعتبر النضال لتحرير الوطن ارهابا وهو ليس كذلك. لكنه يبدو أن تحديد تعريف حديث ومتفق عليه محليا ودوليا للإرهاب اكثر صعوبة من مواجهة الإرهاب ذاته. وإلي كتابة أخري بحثا عن تعريف محدد. عن صحيفة الاهرام المصرية 21/6/2008