«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الرابعة : القول بالنسخ‏..‏ مرض أصاب الكثير من المتكلمين في القرآن الكريم

شبهات وردود‏:‏ الافكار الاسلامية السامية‏,‏ التي عرضنا لها في الحلقات السابقة‏,‏ قد تجد من يتصدي لها ويرفضها باسم الاسلام‏,‏ والحجة المعلنة ان كثيرا من الآيات الواردة فيما سبق منسوخة‏
ولا حجة في الاعتماد عليها‏.‏لقد زعموا ان آيات سورة التوبة وبخاصة آية السيف قد نسخت ما نزل قبلها من آيات تحض علي التسامح والتعايش المشترك‏.‏ ان القول بالنسخ مرض اصاب بعض المتكلمين في القرآن الكريم‏,‏ وكان سبب بلاء شديد للأمة الاسلامية ويمتد الداء الي العصر الحديث‏,‏ ويظهر شباب يتسمون بقلة العلم وضيق الصدر‏,‏ يعلنون نسخ ألا إكراه في الدين‏,‏ ونسخ الا محاسنة في الدعوة‏,‏ ويؤكدون دون أن يدروا ان الاسلام دين بني علي القهر والاجبار‏!.‏ومن هنا وجب علينا قبل الولوج إلي قسم السنة وحرية الرأي والتعبير أن نبحث قليلا في دعوي النسخ‏,‏ وما اشتبه علي البعض من آيات نزلت في معاملة خصوم الاسلام بقسوة‏,‏ الي حد مقاتلتهم احيانا لأسباب لا يختلف المشرعون قديما وحديثا علي وجاهتها‏,‏ وعلي انها لا تنافي الحرية الدينية في ارقي المجتمعات‏!‏ نظرات في القرآن محمد الغزالي ص‏70‏ اولا‏:‏ قضية النسخ‏:‏
لقد احتج انصار دعوي النسخ في اثبات دعواهم بآيتين لا توجد ثالثة لهما في القرآن الكريم‏,‏ الاولي قول الله عز وجل‏:‏ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون النحل‏:101,‏ والثانية قوله جل شأنه‏:‏ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها او مثلها ألم تعلم ان الله علي كل شيء قدير البقرة‏:106‏ .‏
وفسروا الاولي بالقول‏:‏ اذا نسخنا حكم أية‏,‏ فأبدلنا مكانه حكما اخر‏,‏ ربما هو اصلح للناس‏,‏ اتهم المشركون النبي بأنه مفتر اي يختلق تلك الآيات من عنده‏,‏ ويرد الشيخ محمد الغزالي امام اهل السنة في النصف الثاني من القرن العشرين بان هذه التأويلات جميعها بعيدة عن الآية‏.‏
ويجزم بأن مشركي مكة لم يدر بخلدهم شيء من هذا الذي جعله بعض المفسرين سببا لنزول الآية‏.‏ وانما هو تنزيل الآيات علي آراء الفقهاء والمتكلمين وتحميل القرآن ما لا تتحمله آياته ولا ألفاظه من معان ومذاهب‏,‏ وانما الشرح الصحيح للآية‏:‏ ان المشركين لم يقنعوا باعتبار القرآن معجزة تشهد لمحمد بصحة النبوة‏,‏ وتطلعوا الي خارق كوني من النوع الذي يصدر عن الأنبياء قديما فهو في نظرهم الآية التي تخضع لها الاعناق‏,‏ اما هذا القرآن فهو كلام ربما كان محمد يجيء به من عند نفسه‏,‏ وربما كان يتعلمه من بعض اهل الكتاب الذين لهم بالتوراة والانجيل دراية‏..‏ وقد رد الله سبحانه وتعالي علي هذه الطعون‏,‏ بانه ادري من المشركين بنوع الاعجاز الذي يصلح للعالم حاضره وغده وان هذه الآية اجدي علي البشر واخلد في انشاء الايمان وتثبيته من اي آية اخري‏.‏ المصدر نفسه ص‏72‏
واما الآية الثانية فيقول الإمام محمد عبده في تفسيرها ان المعني الصحيح الذي يلتئم مع السياق‏:‏ ان الآية هنا هي ما يؤيد الله تعالي به الانبياء من الدلائل علي نبوتهم‏,‏ اي ما ننسخ من آية نقيمها دليلا علي نبوة نبي من الانبياء‏,‏ اي نزيلها‏,‏ ونترك تأييد نبي اخر بها‏,‏ او ننسها الناس‏,‏ لطول العهد بما جاء بها‏,‏ فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف في الملك‏,‏ نأتي بخير منها من قوة الاقناع‏,‏ واثبات النبوة‏,‏ او مثلها في ذلك‏.‏ ومن كان هذا شأنه في قدرته‏,‏ وسعة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع انبيائه‏,‏ والآية في اصل اللغة هي‏:‏ الدليل‏,‏ والحجة‏,‏ والعلامة علي صحة الشيء وسميت جمل القرآن آيات لانها باعجازها حجج علي صدق النبي‏,‏ ودلائل علي انه مؤيد فيها بالوحي من الله عز وجل‏,‏ من قبيل تسمية الخاص باسم العام محمد عبده تفسير المنار الجزء الاول ص‏417‏ طبعة دار الفكر .‏
وقد قدم الشيخ محمد الخضري في كتابه الرائع اصول الفقه تفسيرا للآيات العشرين التي اوردها السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن علي انها منسوخة‏,‏ واثبت الخضري‏.‏ بالدليل القاطع انها غير منسوخة‏.‏ محمد الخضري اصول الفقه ص‏251‏ 255‏ .‏
ثانيا‏:‏ آيات القتال‏:‏
يرصد الدكتور احمد صبحي منصور حقيقة مهمة تؤكد ان علماء التراث في العصور الوسطي قد تقاعسوا عن اعطاء آية الاذن بالقتال حقها من التدبر‏,‏ لان التدبر في معناها يعطي حقائق مسكوتا عنها‏,‏ فالآية تقول‏:‏ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير الحج‏:39‏ ,‏ فهي إذن وتصريح لكل من يتعرض للظلم والقتل بأن يدافع عن نفسه‏,‏ بغض النظر عن عقيدته ودينه‏.‏ يكفي ان يكون مظلوما وان يتعرض لاحتمال الإبادة بالقتل‏,‏ حينئذ يأتيه نصر الله إذا قاتل دفاعا عن حقه في الحياة احمد صبحي منصور حول العلاقة بالآخر مجلة الانسان والتطور العدد رقم‏60‏ .‏
وقد غفل علماء التراث عن عمومية الآية في تشريعها الإلهي لكل مظلوم يفرض الاخرون عليه الحرب‏.‏ وغفلوا عن معني اخر اهم‏,‏ وهو ان الايذاء الذي اوقعه المشركون بالمؤمنين وصل الي درجة القتل‏,‏ بل القتال‏,‏ وحين يقاتل المشركون قوما مسالمين لا يردون عن انفسهم القتل فإن الابادة لأولئك المستضعفين حتمية‏.‏
اي ان القرآن يشير الي حقيقة تاريخية اغفلتها عنجهية الرواة في العصر العباسي‏.‏
وهي ان المشركين قاموا بغارات علي المدينة وحدث قتل وقتال للمسلمين‏,‏ وسكت المسلمون لان الإذن بالقتال لم يكن قد نزل‏.‏ فلما نزل التشريع اصبح من حقهم الدفاع عن النفس‏.‏
كما غفل علماء التراث ايضا عن التدبر في الآية التالية لتشريع الاذن بالقتال‏.‏
فالآية تقول‏:‏ الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز الحج‏:40‏
فالآية هنا تعطي سببا في حيثيات الاذن بالقتال لرد العدوان‏.‏ السبب الاول ان اولئك المظلومين تعرضوا للقتل والقتال‏,‏ والسبب الثاني انهم تعرضوا للطرد من بيوتهم ووطنهم لمجرد انهم يقولون ربنا الله‏,‏ وهذا ما اشار اليه علماء التراث ولكنهم غفلوا بسبب التعصب الديني في عصر الامبراطورية العباسية في القرون الوسطي‏,‏ عن التدبر في الفقرة الثانية من الآية والتي تؤكد انه لولا حق المظلوم في الدفاع عن نفسه لتهدمت بيوت العبادة للنصاري واليهود والمسلمين وغيرهم حيث يذكر العابدون فيها اسم الله كثيرا‏.‏
الاهمية القصوي هنا في تأكيد القرآن حصانة بيوت العبادة لليهود والنصاري والمسلمين حيث ذكر الصوامع والبيع والصلوات‏,‏ اي كل ما يعتكف فيه الناس للعبادة من أديرة وكنائس وغيرها ثم جاء بالمساجد في النهاية‏.‏ وقال عن الجميع انهم يذكرون فيها اسم الله كثيرا‏.‏ ولم يقل طبقا لعقيدة الاسلام في الالوهية يذكر فيها اسم الله وحده حتي يجعل لكل بيوت العبادة الخاصة بكل الملل والنحل حصانة من الاعتداء‏.‏
والاهمية القصوي هنا ايضا ان تشريع الاذن بالقتال ليس فقط لرد الاعتداء ولكن ايضا لتقرير حرية العبادة لكل انسان في بيت العبادة‏.‏ مهما كانت عقيدته او الطريقة التي يتعبد بها الي الله‏,‏ فلكل انسان الحق في ان يتعبد لله‏,‏ ويقيم بيوتا خاصة بهذه العبادة‏,‏ ولابد ان تكون هذه البيوت واحة آمنة تتمتع هي ومن فيها بالأمن والسلام‏,‏ وتلك هي حقيقة الاسلام التي غفل عنها علماء التراث‏.‏
وكان منتظرا من المومنين المسالمين حول النبي ان يبتهجوا بتشريع الاذن لهم برد الاعتداء والدفاع عن النفس‏,‏ ولكن حدث العكس اذ انهم تعودوا الصبر السلبي وتحمل الاذي‏,‏ لذلك كرهوا التشريع الجهادي برد الاعتداء وغفلوا انه ضروري لحمايتهم من خطر الابادة‏.‏
لانه اذا عرف العدو انهم لن يسكتوا فسيتوقف عن الاعتداء عليهم‏,‏ وبذلك يتم حقن الدماء‏.‏
وفي ذلك يقول تعالي للمؤمنين‏:‏ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون البقرة‏:216‏ ,‏ لقد كرهوا القتال دفاعا عن النفس وهو خير لهم‏,‏ واحبوا الاستكانة والخضوع لمن يحاربهم وهو شر لهم‏.‏ والسبب انهم تعودوا السلام والصبر الي درجة تمثل خطرا علي وجودهم ودينهم‏.‏
الا ان هذا التوضيح القرآني للمومنين المسالمين لم يكن كافيا لبعضهم لكي يخرجهم من حالة الخضوع الي حالة الاستعداد لرد العدوان‏,‏ ولذلك فإن فريقا منهم احتج علي تشريع القتال ورفع صوته لله بالدعاء طالبا تأجيل هذا التشريع‏,‏ وفي ذلك يقول تعالي‏:‏ ألم تر الي الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الي اجل قريب قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقي ولا تظلمون فتيلا النساء‏:.77‏
كانوا في مكة مأمورين بكف اليد عن الدفاع عن النفس اكتفاء بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة‏,‏ فلما فرض عليهم القتال الدفاعي احتج فريق منهم وطلبوا التأجيل‏..‏ وهذا يدل علي عمق شعورهم بالمسالمة وكراهية الدماء‏.‏
تشريعات الجهاد او القتال في الإسلام‏:‏
من خلال الاطار السابق نستطيع ان نتفهم تشريعات الجهاد او القتال في الاسلام‏.‏
والجهاد في مصطلح القرآن يعني النضال ابتغاء مرضاة الله بالنفس والمال‏,‏ وقد يكون ذلك بالدعوة السلمية بمجرد قراءة القرآن‏,‏ كقوله تعالي عن القرآن‏:‏ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا الفرقان‏:52‏ ,‏ وقد يكون الجهاد قتالا للدفاع عن النفس‏,‏ وهنا تتولي تشريعات القرآن وضع احكامه وقواعده واهدافه او مقاصده‏.‏
وعموما فالأحكام في التشريعات القرآنية هي اوامر تدور في اطار قواعد تشريعية‏,‏ وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد او اهداف او غايات عامة‏.‏ فالامر بالقتال له قاعدة تشريعية‏,‏ وهو ان يكون القتال للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله‏,‏ او بتعبير القرآن في سبيل الله ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين‏,‏ كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان‏,‏ حتي يكون مسئولا عن اختياره امام الله تعالي يوم القيامة‏.‏
وهذه بعض الامثلة علي ما سقناه‏:‏
يقول تعالي‏:‏ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين البقرة‏:190‏ فالامر هنا قاتلوا والقاعدة التشريعية هي‏:‏ ولا تعتدوا وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي‏:‏ الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين البقرة‏:194‏ اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله تعالي‏:‏ وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان الا علي الظالمين البقرة‏:193‏ اي ان منع الفتنة هي الهدف الاساسي من تشريع القتال‏.‏ والفتنة في مصطلح القرآن هي الاكراه في الدين والاضطهاد الديني‏,‏ وهذا ما كان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين‏.‏
وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي‏,‏ يحكم فيه وحده يوم القيامة دون ان يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي‏,‏ وذلك معني قوله تعالي‏:‏ وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير الانفال‏:39‏ .‏
والواضح ان هذه التشريعات عن القتال في الالام تؤكد السلام وتحميه من دعاة العدوان‏,‏ وتؤكد حرية العقيدة وتفويض الامر فيها لله تعالي يوم القيامة‏,‏ وتحميها من دعاة التعصب والتطرف واكراه الاخرين في عقائدهم واختياراتهم‏.‏
ومع وضوح الصلة بين مفهوم الاسلام والايمان وتشريعات القتال‏,‏ الا ان تشريعات القرآن جاءت بتأكيدات اخري حتي تقطع الطريق علي كل من يتلاعب بتشريعات القرآن ومفاهيمه‏.‏
ونعطي لذلك مثالا ساطعا في سورة النساء وهي تتحدث عن حرمة قتل انسان ممسالم مؤمن الجانب تقول الآية‏:‏ وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الإخطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله الا ان يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الي اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما النساء‏:92‏ ,‏ اي لا يمكن ان يقتل مؤمن مسالم مؤمنا مسالما الا علي سبيل الخطأ‏,‏ او بمعني اخر لا يمكن ان يتعمد المؤمن المسالم قتل مؤمن مسالم اخر‏.‏ ثم تتحدث الآية عن الدية المفروضة واحكامها‏.‏
وتتحدث الآية‏:‏ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما النساء‏:93‏ عن عقوبة قتل المؤمن المسالم فتقول‏:,‏ فالذي يقتل مؤمنا مسالما جزاؤه الخلود في جهنم مع العذاب العظيم ولعنة الله وغضبه‏,‏ وهي عقوبات فريدة قلما تجتمع فوق راس احد من الناس يوم القيامة‏.‏
وتتحدث الآية‏:‏ ياأيها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيرا النساء‏94‏ عن ذلك المؤمن المسالم الذي تحرص تشريعات القرآن علي حقه في الحياة يقول تعالي‏:‏ اي في جريمة قتل انسان مسالم شاء سوء حظه ان يوجد في الميدان‏,‏ ويعطي القرآن مسوغ نجاة لكل انسان في الجهة المعادية‏,‏ بمجرد ان يقول السلام عليكم فإذا قالها حقن دمه‏,‏ واصبح مؤمنا مسالما حتي في ذلك الوقت العصيب‏,‏ اي ان المسلم المسالم المؤمن هو من يقول السلام حتي في الساعة الحرب‏..‏ واذا تعرض للقتل فإن قاتله يستحق الخلود في النار والعذاب العظيم ولعنة الله وغضبه‏.‏
اما اذا كان محاربا يقتل المسلمين في الحرب‏,‏ ثم بدا له إن يراجع نفسه فما عليه الا ان يعلن الاستجارة‏,‏ وحينئذ تؤمن حياته او يعطي الأمان ويسمعونه القرآن حتي يكون سماعه للقرآن حجة عليه يوم القيامة‏,‏ ثم علي المسلمين ايصاله الي بيته في امن وسلام‏.‏ وذلك معني قوله تعالي‏:‏ وان احد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون التوبة‏:6‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.