أشعر بإشفاق شديد هذه الأيام علي رموز من رجال الدين والفتوي أصبح الناس لايعرفون أدني استقرار فيما بينهم علي ما يلبي حاجة المسلمين من رأي أو فتوي! واشفاقي علي هذه الرموز مرده خشيتي أن تذهب أهمية آرائهم وفتاواهم عند الناس، مادام لايصلهم من هذه الرموز إلا كل ما هو متضارب يبلبل الأفكار ويهز الثوابت، حيث يجنح الرأي الديني حاليا إلي النقيض المخالف الذي سبق وأتي من رمز ديني آخر، وفي نفس الموضوع! بل نجد الرمز الديني نفسه يري في أمر واحد رأيين مختلفين مع أن الموضوع المطروح لايحتمل سوي رد واحد محدد! ولست واحدا من الذين في حاجة دائما إلي سؤال رموز الدين ورجال الفتوي في كل شيء! والذي جعلني أكثر ابتعادا عن سؤال هؤلاء الرأي أن الزحام والتزاحم فيما بينهم قد أصبح يعني عندي سوقاً رائجة وجدت أن الاتجار بها من الاستثمار ذي العائد السريع! فليس هناك وقت يضيعونه في أن يقصدوا حجة في الفتوي أو الرأي! بل هم يستعينون باختلافهم وصناعتهم كل من يدعي معهم أو يدعون أنه صاحب رأي وداعية! وقد احتارت الناس مثلا في جواز الذهاب إلي الحج أو الاعتمار ووباء إنفلونزا الخنازير ماثل بسيف مسلط علي رقاب كل الذين سيشهدهم زحام عند هذه البقاع المقدسة في مواسم الاعتمار ثم موسم الحج! أصحاب «بيزنس» الحج والعمرة سارعوا إلي نفي أية مخاطر تحيط بالموسمين! وخبراء الصحة يحذرون من المجازفة بإحياء الموسمين! أما رموز الدين ورجاله فمازالوا حتي الآن ينتظرون غلبة رجال «البيزنس» أو غلبة رجال الصحة! والناس كما أصبحت عادتها في انتظار فتوي لكل أمر في انتظار الفتوي بجواز إلغاء العمرات والحج في عامهم هذا! كما احتارت الناس كذلك مثال آخر في جواز انفاق أموال الزكاة علي الأخذ بيد الشباب الذي لا يستطيع أن يكمل نصف دينه، وارتفاع معدلات العنوسة التي تكاد تخنق الفتيات والسيدات! فلما أفادت مفتي الجمهورية بأن انفاق أموال الزكاة علي مساعدة الشبان والشابات علي الزواج يجوز وبدأ البعض في الراحة بالتصرف علي هذا النحو معززا ما يفعل بالرأي الديني..، إذ بشيخ الجامع الأزهر د.سيد طنطاوي يصرح في معسكر للشباب بالإسكندرية بأن خروج الزكاة لدعم الشباب الراغب في الزواج قد لايكون أمرا صحيحا! باعتبار أن القرآن الكريم قد حدد مصارف الزكاة في 8 جهات في الآية 60 من سورة التوبة، ثم طالب شيخ الأزهر الشباب المتعثر في الزواج بالاستعفاف والصبر! فهالني ألا يلتفت شيخ الأزهر إلي أن هناك فتوي سابقة لمفتي الديار في الأمر! وبدا الأمر عنده وكأنه انفاق أموال الزكاة علي المتعثرين في الزواج من الشبان لا يرقي إلي الانفاق في مصارف الخير التي وردت في الآية 60! مع أنني وهذا اجتهادي الخاص لا أظن أن إعانة المتعثرين في الزواج تتنافي مع أوجه الخير بوجه عام في ديننا الإسلامي الذي هو يسر لا عسر، ولماذا نطالب الشبان بالاستعفاف والصبر علي مكاره ومضار صعوبة الزواج مادامت لدينا الاموال التي يمكن لنا بها التخفيف من حدة هذه الأزمة الاجتماعية العاصفة التي أصبحت تؤدي بنا حاليا إلي كوارث أخلاقية ترد لنا في شتي الجرائم المتعلقة بأزمة العجز عن الزواج؟!.. لقد أصبحت الآراء والفتاوي الدينية مما لم يعد يطمئن الناس!