الهدوء في غزة حازم مبيضين يؤشر إعلان الاتفاق بين حركة حماس والسلطات الاسرائيلية ، إلى أن الحركة التي سيطرت بانقلابها العسكري على القطاع قبل سنة، كانت تستهدف من ذلك فتح قنوات تؤكد بها شرعية تمنحها فرصة التفاوض، وتكرس تواجدها على ساحة الفعل السياسي، خشية أن يكون نجاحها في الانتخابات التشريعية ، مجرد رد فعل من الشارع على الترهل الذي ضرب الحركة الوطنية ، ممثلة بحركة فتح ، إضافة إلى ضيق المواطن الفلسطيني من التصرفات غير السوية من بعض المتنفذين في السلطة، المحسوبين على حركة فتح ، التي ظلت منذ ستينات القرن الماضي تمثل أمل الفلسطينيين ، وبيتهم المعنوي . وإذا كان منظرو حماس يسعون حالياً لتبرير وقف نضالهم المسلح ، على اعتبار أن ذلك مصلحة فلسطينية ، فانهم كانوا يعيبون على فتح تبنيها لهذا الخيار ، الذي أطلقت عليه نعوت لم تكن الخيانة بعيدة عنها ، ويحاول هؤلاء تجاهل أن التهدئة ليست مطلبا فلسطينيا فقط ، يستهدف تلبية الاحتياجات الاقتصادية والامنية لسكان غزة ، وإنما هي بالتأكيد مطلب ومصلحة إسرائيلية نظرا للوضع الداخلي في الدولة العبرية ، المقبلة على انتخابات مبكرة ، تستدعي أن تكون غزة هادئة ، لتتفرع القوى السياسية والعسكرية والأمنية للمعركة الداخلية، كما أنها مصلحة مصرية بامتياز مثلما هي مصلحة عربية ، وإذا كنا نتجاوز التبريرات التي نعرف أنها للاستهلاك المحلي ، فاننا نرى الايجابية في إمكانية أن توفر التهدئة الجو المناسب لانجاح الحوار بين حماس وفتح وبما يعيد للشعب الفلسطيني وحدته الوطنية ، ويعيد توحيد ما تبقى من الوطن الفلسطيني ، المنقسم منذ عام كامل بين ضفة وقطاع . وإذا كان المراقبون يخشون من عدم التزام بعض الفصائل الناشطة في غزة باتفاق حماس مع اسرائيل ، فان الفرصة متاحة الآن لهذه الحركة لاثبات صدقيتها، والتزامها بأول وأهم اتفاقاتها مع إسرائيل، خاصة إذا استهدفت اسرائيل بعملياتها فصائل في الضفة الغربية التي لم يشملها الاتفاق ، لان المفترض أنها محكومة بمن يؤكد التهدئة ، وهو منخرط في عملية تفاوضية مع اسرائيل ، يجند لها كل علاقاته العربية ، واتصالاته الدولية . غير أن أي فشل في تثبيت التهدئة ، من قبل الجانب الحماسي ، سيجر الفلسطينيين إلى مربع الانتقام الاسرائيلي ، والذي سيكون مبرراً أمام العالم ، الذي استنكر على استحياء عمليات القمع الاسرائيلية قبل عقد الاتفاق ، وإن كان واصل تحميل الحركة الحاكمة في غزة الكثير من المسؤولية عن استفزاز اسرائيل ، ودفعها لتلك العمليات الانتقامية حفاظاً على التوازن الداخلي الهش فيها . يعيش الغزيون الآن حالة أمل، بأن يكونوا قادرين على مغادرة منازلهم بشيء من الطمأنينة، وأن يتمكنوا من إعادة بناء ما دمر من البنية التحتية في بلدهم خلال العام الماضي، وأن يتواصلوا مع ابناء شعبهم في الضفة، وأن يكون اتفاق التهدئة مع اسرائيل مقدمة للتراجع عن الحركة الانقلابية التي خسرت فيها حماس أكثر مما كسبت ، وربحت فيها فتح أنها فتحت عينيها على واقع مر كانت تتغاضى عنه ، لكن الخاسر الأكبر كان القضية الوطنية التي تراجعت خطوات هائلة الى الوراء ، في وقت حرج ، كانت تحتاج فيه الى التقدم ولو بخطىً بطيئة نحو السلام، الذي يحتاجه الفلسطينيون أكثر من غيرهم . ويحتاج الفلسطينيون ألى مراجعة شاملة لمجمل السياسات التي حكمت تحركاتهم في الفترة الاخيرة ، في ظل تراجع إمكانات التوصل إلى سلام يحفظ بعض حقوقهم. عن صحيفة الرأي الاردنية 21/6/2008