التهدئة: "ليس هناك شيء دائم.. أكثر من المؤقت"!! هاني حبيب سرت بعض الشائعات في الأيام الاخيرة عن حراك مصري، مستفيداً من وجود قيادة حركة حماس في القاهرة من أجل فتح ملف الحوار الداخلي الفلسطيني، لدراسة امكانية تمديد التهدئة التي من المفترض أن تستمر ستة أشهر تنتهي في منتصف كانون الاول المقبل، غير ان القاهرة وحركة حماس، نفتا مثل هذه الاشاعات، وقالت الاخيرة ان القاهرة لم تبلغها برغبة اسرائيل تمديد التهدئة، وأكثر من ذلك، فإن الناطق باسمها فرحات أسعد، أوضح ان تقييم الحركة للتهدئة، سلبي. ما يعني أن هناك امكانية لوضع حد لها، في حال حدوث توافق فصائلي فلسطيني بهذا الشأن، قبل موعد نهايتها. اسرائيل لا تعترف بالمدة الزمنية للتهدئة، وتعتبرها مسألة مستمرة الى ما لا نهاية الى ان يتم خرقها بشكل من الاشكال، وهي تشير الى انها عمدت لأن تكون الاتفاقات حول التهدئة "شفوية" للتخلي عن شرط المدة الزمنية من ناحية، وافساح المجال لخرقها من ناحيتها عندما يستلزم الامر ذلك، والى الآن، تشير القيادات الامنية والعسكرية والسياسية في اسرائيل الى أن الدولة العبرية تحرص على استمرار التهدئة، مع ان الجانب الفلسطيني، يرى ان اسرائيل لم تلتزم بما يتوجب عليها ازاء هذه التوافقات، خاصة في مجال فك الحصار عن قطاع غزة، إسرائيل بدورها تشير الى أن مسألة ملف شاليت وضرورة انهائه كان جزءاً من هذه التهدئة، وهو الملف الذي لا يزال يواجه صعوبات، خاصة بعدما اعلنت مصادر حماس ان هذا الملف في الثلاجة الى أن تفرج مصر عن ايمن نوفل أحد قادتها المعتقل لديها، كما ان الحديث عن خلافات باتت أكثر وضوحاً بين حركتي حماس والجهاد، قد يغري هذه الاخيرة على خرق التهدئة، خاصة وأنها لوحت بذلك أكثر من مرة، علماً أنها كانت قد "تحفظت" على التهدئة ولم توافق عليها بشكل صريح. في الايام الاخيرة، بدأ الحديث في اسرائيل عن امكانيات مواجهة قادمة قريبة في قطاع غزة، وهناك اصوات تعالت ضد توجهات وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس الاركان غابي اشكنازي اللذين منعا حرباً مع حماس في الربيع الماضي لصالح التهدئة التي وجدت دعماً ايضاً من رئيس الحكومة اولمرت الذي بدوره تمسك بها في حديث "الوداع" مؤخراً مع صحيفة يديعوت، هذه الاصوات تعالت أكثر من أي وقت مضى تحت مبرر ان التهدئة ستتيح المجال امام حماس والفصائل الاخرى لتسلم المزيد من الاسلحة وتطويرها، خاصة في مجال الصواريخ وإذا كان من الممكن - حسب هؤلاء- بذل جهد لحماية الغلاف الحدودي، ومدينة سديروت، فكيف بالامكان حماية اسدود وعسقلان، ويقول هؤلاء اننا ندفع ثمن تهدئة آنية، في مستقبل يصعب علينا فيه مواجهة حماس والفصائل الاخرى، وكل ذلك بسبب التهدئة، وهذا القول يعود اساساً لقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الاسرائيلي يواف غلانت، وهو المعني اساساً بالتهدئة او المواجهة اكثر من غيره وبشكل مباشر. غلانت، يقود استعدادات واستحكامات عسكرية على "غلاف غزة" استعداداً لهذه المواجهة التي يدعو اليها، مستغلاً ايضاً التهدئة لنشر مركبات التحصين، والطرق الآمنة عبر الحواجز والطرقات والمدارس ورياض الاطفال، آخذاً بالاعتبار احتمال أن تملك حماس صواريخ مطورة ومدافع هاون بعيدة المدى. اللواء احتياط عاموس جلعاد، القائم بأعمال منسق وزير الدفاع في "المناطق" والمتعاطف مع رئيسه، يشعر أن التهدئة ستستمر طويلاً، ويقول بهذا الصدد "كما هو معروف ليس هناك شيء دائم اكثر من المؤقت" وهذا لم يمنعه، بل ربما بسببه، اقدم في جولته الاخيرة على حدود اسرائيل مع قطاع غزة على تقليص قائمة البضائع المنقولة الى غزة عبر المعابر، معتبراً ان هذا ترف زائد". امكانية التمديد للتهدئة، ستظل رهناً بما رفضته اسرائىل دوماً، وهو امتداد التهدئة الى الضفة الغربية، الا ان انفراط عقد التهدئة، لسبب او لآخر، لخرق او لخرق مقابل، يعني التزامات امنية اسرائيلية، للمواجهة في غزة، والتخوف من امتدادها في الضفة الغربية، وعليه فإن اسرائيل تستعد جيداً لمثل هذه المواجهة هناك، ويربط البعض بين سماحها للسلطة بنشر قوات الامن الفلسطينية في مدن الضفة، وكان آخرها التوجه لادخال 007 شرطي فلسطيني الى منطقة الخليل، يرتبط ارتباطاً مباشراً بتخوفات من ان وضع حد للتهدئة، سيقابله على الارجح امتداد نفوذ حماس في الضفة، فالتهدئة ارادتها حماس شاملة، وإن لم يكن الامر كذلك، فإن امتدادها سيحدث في اطار المواجهة، فلا انفراد باحدى مكونات مناطق السلطة على حساب الاخرى، رئىس الاركان الاسرائيلي اشكنازي وفي لقاء مع قيادات الالوية في الجيش الاسرائيلي في الضفة قال كلاماً له مغزى "نحن لسنا مطالبين بالعمل بأنفسنا.. حيثما تعمل السلطة"! والارجح ان التهدئة ستستمر لوقت اطول مما اعتقده البعض، للاسباب ذاتها التي دفعت حماس واسرائيل لعقدها، فللجانبين مصلحة في هذه التهدئة، حيث تركز حماس سلطتها في غزة، بينما ذلك التعزيز، يفيد اسرائيل بشكل مباشر، فالانقسام الداخلي الفلسطيني هو هدف اسرائىلي دائم، تحقق هذه المرة من دون ان تبذل الدولة العبرية جهداً مباشراً يضاف الى ذلك، الى ان حماية وتحصين المناطق الحدودية المتاخمة لقطاع غزة يحتاج الى هدوء كانت تفتقده في ظل اطلاق الصواريخ، التهدئة تكفلت بكل هذه الاهداف للطرفين، ومن هنا، فما زالت مصالحها ترتبط باستمرارها. غير ان بعض المحللين السياسيين في اسرائيل، يعيد الحديث الى مواجهة محتملة الى رغبة المستوى الامني والعسكري في دعم مالي اضافي، غير ممكن في ظل الازمة المالية المتفاقمة في اسرائىل على خلفية انفجار الازمة الاقتصادية العالمية، وعلى الاقل فإن هذا المستوى سيطالب بعدم اللجوء الى تخفيض الموازنة، ذلك ان هناك من بدأ ينادي بإعادة النظر بالميزانية لتعديلها وفقاً لمتطلبات التعاطي مع الازمة، وهذا سيطال ميزانية الامن والدفاع وهي الاكبر والاضخم في بنود الميزانية، وخشية من ان يطال هذا التعديل تخفيضاً في موازنة الجيش والامن، يقوم المستوى العسكري، بالحديث عن مواجهة محتملة، للحد من امكانية الحكومة تخفيض ميزانية قطاع الجيش والامن، ومرة اخرى، ترتبط الاحاديث عن حروب محتملة، او مواجهات قريبة، بمعركة اخرى، هي معركة الميزانية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 19/10/2008