اقرأوا مقالة كونداليزا رايس!! محمد خرّوب بين يدي مقالة كتبتها وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس، في مجلة فورين افيرز ونشرت صحيفة الاخبار اللبنانية مترجمة يوم 16 الجاري، لا يمكن للقارئ المدقق والمتمعن في نصها وما انطوت عليه اللغة التي كتبت بها، والتي تفوح منها رائحة الغطرسة والاستكبار بل والعنصرية، الا الخروج باستنتاج يصعب دحضه، هو ان الفريق الذي رافق جورج بوش منذ وصوله الى البيت الابيض، منسجم مع قناعاته ورؤاه، وما قيل عن فروق بين ديك تشيني (نائب الرئيس) ورايس أو غيرهما، لا وجود لها إلا في بعض التفاصيل والاساليب والمقاربات، انما تبقى الاهداف ذاتها، الاستنتاج هو ان صفوف المحافظين الجدد ما تزال متراصة، وهم لم يلقوا السلاح بعد وغير وارد لديهم القاء مثل هذا السلاح، ونقصد هنا سلاح التعصب الأيديولوجي وعسكرة العلاقات الدولية والايمان بأن القرن الجديد هو قرن الامبراطورية الاميركية بامتياز، وان لا سبيل الى اخضاع الاعداء والخصوم والمنافسين، وحتى المشاكسين سوى بالقوة واذا لم يخضعوا او يستسلموا فبمزيد من القوة والحروب والحصار والعقوبات.. ماذا تقول رايس؟. المقالة الطويلة جداً، جاءت تحت عنوان المصلحة الوطنية وهي محاولة من امرأة ذات حظوة ونفوذ ودور طاغ في ادارة بوش، وكانت لها بصماتها في توجهات الادارة الراهنة، بل ان هناك من قال وفي اوساط المحافظين الجدد، وخصوصاً اولئك الذين قفزوا من سفينة بوش الجانحة، انها كانت الاقرب الى اذن وقلب بوش من أي شخص اخر في ادارته باستثناء ديك تشيني ربما، وربما تكون تفوقت عليه، والدليل هو هذا الحضور الذي هي عليه في الساحة الدولية، على نحو يكاد ان يطغى على دور بوش واحياناً ينأى عنه وخصوصاً في الشرق الاوسط، وإن كانت المسألة لا تعدو كونها مجرد توزيع ادوار وهذا ما نلحظه في مقالتها التي نحن بصددها حيث لا تأتي بذكر على الاحتلال الاسرائيلي ولا تقترب بتاتاً من شيء اسمه الشرعية الدولية او القانون الدولي ولا حتى خريطة الطريق. وإذ المقالة اتخذت عناوين عديدة تكاد ان تكون شملت كل انحاء العالم بدءاً من تعريف مصطلح المصلحة الوطنية وهي هنا تقصد المصلحة الوطنية الاميركية الامبراطورية بالتأكيد عندما تقول: ما هي المصلحة الوطنية؟ هذا هو السؤال الذي طرحته في عام 2000 على هذه الصفحات، في زمن ندعوه بوضوح زمن ما بعد الحرب الباردة.. نعرف اين كنا، اكثر من أين كنا ذاهبين، تغيرات ملحوظة لا تزال تتكشف، تغييرات كانت معروفة وقتها، ممكن نتائجها كانت غير واضحة، ثم جاءت اعتداءات 11 أيلول 2001، وكما في عاقبة اعتداءات بيرل هاربور في عام 1941، انجرفت الولاياتالمتحدة نحو عالم مغاير جذرياً.. تواصل رايس الحديث عن التغيّر الذي طرأ على نظرة واشنطن لديناميكيات العلاقة ضمن الدول وتوزيع القوة في ما بينها، فكما تقويّ العولمة بعض الدول، تكشف اخفاقات الكثيرين وتعظمها، في هذه البيئة الاستراتيجية - تواصل رايس - يصبح حيوياً لأمننا الوطني ان تكون الدول راغبة وقادرة على تحمل مسؤولياتها السيادية خارج حدودها كما داخلها، هذه الحقيقة - تقول رئيسة الدبلوماسية الاميركية - قادتنا الى بعض التغييرات المهمة في سياستنا، ندرك ان بناء الدولة الديمقراطية مكوّن ملحّ لمصلحتنا الوطنية. ماذا عن الشرق الاوسط؟. رايس لا تتخلى عن التسمية التي اطلقتها ادارة بوش على المنطقة العربية في سعي الى تجريدها من هويتها العربية وتحويلها الى مجرد شعوب وطوائف واعراق واثنيات ومذاهب يسهل التعاطي معها اذا ما تم تقسيمها أو فرزها وفق بعض التصنيفات الجاهزة.. هو إذا الشرق الاوسط الاوسع (هكذا تصفه واسقطت فيما يبدو صفة الكبير).. تقول رايس: ندرك ان الحرية والديمقراطية هما الفكرتان اللتان تستطيعان على مر الوقت ان توصلا الى استقرار عادل ودائم، وخصوصاً في افغانستان والعراق.. ثم لا تلبث ان تذهب بعيداً في نظرتها الاستعلائية والعنصرية، عندما تقول: .. وكما في الماضي، دُعّمت سياستنا ليس فقط بقوتنا بل ايضا بقيمنا (...)، لطالما، تواصل رايس، حاولت الولاياتالمتحدة المزاوجة بين القوة والمبدأ - الواقعية والمثالية في احيان، كانت هناك توترات قصيرة المدى بينها، لكننا لطالما عرفنا اين هي مصالحنا الطويلة المدى، كذلك لم تكن الولاياتالمتحدة حيادية تجاه اهمية حقوق الانسان أو تفوق الديمقراطية كشكل للحكم.. تصوروا تهافت مثل هذا المنطق الاعوج، والسنوات الخمس الماضية وحدها، تكشف مدى افتقار سياسات الولاياتالمتحدة الى مثل هذه القيم النبيلة، وما يجري في غوانتانامو وما جرى في سجن ابو غريب والسجون الطائرة وتعذيب المعتقلين والتنصت على مكالمات الاميركيين وانتهاك خصوصياتهم (قانون الباتريوت)، تحت دعاوى الحرب على الارهاب، يفضح كل هذه الادعاءات ويعري كل هذا النفاق.. المقالة طويلة وشاملة وتنضح بالاستعلاء والفوقية والفظاظة الاستعمارية، سواء في الدعوة الى تغيير فلسفة الاطلسي ام في الزعم بأن الافغان يريدون القوات الاميركية المحتلة ان تبقى في بلادهم، وتلخيصها يفقدها قيمتها، كما ان التعليق عليها سيبدو انتقائياً أو هكذا سيتم اتهامه، الا أن من الحكمة الاشارة الى ما قالته عن الشرق الاوسط، الذي تعترف ان بلادها دعمت الاستبداد فيه (تذكرون محاضرتها الشهيرة في الجامعة الاميركية في القاهرة).. وتقول .. لقد ايدنا الانظمة الاستبدادية مقابل دعمها مصلحتنا المشتركة في الاستقرار الاقليمي، لكن بعد 11 ايلول اصبح واضحاً بشكل متزايد ان هذه الصفقة القديمة انتجت استقراراً كاذباً.. لكن مهلاً!. لا تعترف رايس بأن الحال في الشرق الاوسط راهناً اسوأ من قبل بل ترى كما رئيسها ان بلادها حققت انجازات فيه، وتستشهد بلبنان الذي عانى من الاحتلال السوري، وتتساءل ان كان حال الفلسطينيين الان اسوأ مما كانت عليه عندما حوصر من نصّبوا انفسهم حكاماً للفلسطينيين، واهدروا افضل فرصة للتوصل الى سلام الدولتين، أم هي اسوأ الان مما كانت عليه عندما فرض المجتمع الدولي عقوبات على العراقيين الابرياء من اجل معاقبة الرجل الذي استبد بهم وهدد جيران العراق وجرف (300) الف انسان الى المقابر الجماعية؟.. هذا هو منطق ادارة بوش ورموزها، لا داعي للاستغراب أو الدهشة، فرغم كل المآسي والاخفاقات والجرائم التي ارتكبوها، فإنهم مثل آل بوربون لم ينسوا شيئاً والأهم انهم لم يتعلموا شيئاً ايضاً.. عن صحيفة الرأي الاردنية 19/6/2008