زيلينسكي يصرح بأن الرئيس الأمريكي لم يتخذ بعد قرارا نهائيا بشأن صواريخ توماهوك    ترامب: الحرب في غزة انتهت والإدارة الجديدة ستبدأ عملها بسرعة كبيرة    صلاح وزوجته يحتفلان بالتأهل في أرضية ستاد القاهرة    البطاقة 21.. غانا تتأهل لكأس العالم 2026    سعفان الصغير: باب المنتخب مفتوح للجميع    مصرع شخصين في انقلاب سيارة بطريق مصر – الفيوم    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. مقتل صالح الجعفراوي خلال اشتباكات بين حماس وعائلة فلسطينية في غزة.. ترامب يغادر البيت الأبيض بعد قليل متجها إلى الشرق الأوسط.. والرئاسة الفرنسية تعلن تشكيل حكومة جديدة    مياه الشرب بدمياط تعلن فصل خدمات المياه عن قرية السنانية 8 ساعات    بدء تحرك الحافلات مع الصليب الأحمر لاستلام الأسرى الفلسطينيين (فيديو)    منتخب المغرب للشباب يفوز على أمريكا ويتأهل لنصف نهائى كأس العالم    عبد الظاهر السقا: تنظيم أكثر من رائع لاحتفال المنتخب بالتأهل لكأس العالم    نادر السيد يكشف تفاصيل مسيرته فى الملاعب حتى الاعتزال: لم انتقل من الزمالك للأهلي مباشرة.. قررت أكون حارس مرمى وأنا عمري 7 سنين.. بطولة أفريقيا 93 مع الزمالك كانت ملحمة.. واعتزلت كرة القدم عندما فقدت شغفي    رئيس الوزراء البريطانى يصل إلى شرم الشيخ للمشاركة فى قمة السلام    حصيلة ممتلكات سوزي الأردنية.. 3 وحدات سكنية ومحافظ وحسابات بنكية.. إنفوجراف    محمود حميدة وشيرين يشاركان فى مهرجان القاهرة بفيلم شكوى رقم 713317    غريب في بيتك.. خد بالك لو ولادك بعتوا الصور والرسايل دي ليك    محمد الشرقاوي لليوم السابع: عروض فرقة المواجهة والتجوال في رفح 18 أكتوبر    أنواع الأنيميا عند الأطفال وأسبابها وطرق العلاج    حسام حسن: أتشرف بالتأهل لكأس العالم لاعبا ومدربا.. وصلاح شقيقي الأصغر    إبراهيم حسن: لماذا لا نحقق نتائج المغرب في كأس العالم    زيزو: الوصول لكأس العالم كان أحد أحلامي.. والتصفيات كانت صعبة    فرنسا تُعلن تشكيل حكومة جديدة برئاسة لوكورنو لتجاوز الأزمة السياسية    ترامب: الصراع في غزة انتهى والإدارة الجديدة ستباشر عملها قريبًا    الأولى على القسم الجامعي "تمريض": التحاقي بالقوات المسلحة حلم الطفولة وهدية لوالدي    بعد تجاوزات إثيوبيا غير القانونية.. مصر تكشر عن أنيابها في أزمة سد النهضة.. متخصصون: ندافع عن حقوقنا التاريخية في نهر النيل والأمن المائي خط أحمر    نائب محافظ قنا يتفقد عددًا من الوحدات الصحية لمتابعة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين    حبس رجل أعمال متهم بغسل 50 مليون جنيه في تجارة غير مشروعة    خبير تربوي يضع خطة لمعالجة ظاهرة العنف داخل المدارس    القائمة الكاملة لأسعار برامج حج الطبقات البسيطة ومحدودي الدخل    البنك المركزي يقبل سيولة بقيمة 125.6 مليار جنيه في عطاء أذون الخزانة اليوم    الغرف السياحية تكشف تأثير قمة شرم الشيخ على مدينة السلام    وزير الصحة يلتقي الرئيس التنفيذي لمعهد WifOR الألماني لبحث اقتصاديات الصحة    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    نوفمر المقبل.. أولى جلسات استئناف "سفاح المعمورة" على حكم إعدامه    ابن النادي" يتصدر تريند "إكس" بعد تصاعد الأحداث المثيرة في الحلقات الثالثة والرابعة (صور)    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    بعد مصرع الطفل " رشدي".. مديرة الامراض المشتركة تكشف اساليب مقاومة الكلاب الحرة في قنا    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    الضرائب: الفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني شرط أساسي لإثبات التكاليف ورد ضريبة القيمة المضافة    وزارة الصحة: 70% من المصابين بالتهاب المفاصل عالميا يتجاوز عمرهم ال55 عاما    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق: توقيع الاتفاقية شرعنة للاحتلال / د. سعيد الشهابي
نشر في محيط يوم 11 - 06 - 2008


العراق: توقيع الاتفاقية شرعنة للاحتلال
د. سعيد الشهابي
اذا كان العراقيون يعتقدون ان اسقاط نظام صدام حسين كان التحدي الاكبر الذي يواجههم قبل التاسع من نيسان (أبريل) 2003، فان من المؤكد ان ما يواجهونه اليوم من ضغوط لاجبارهم علي توقيع الاتفاقية البعيدة المدي مع الولايات المتحدة تفوق ذلك التحدي كثيرا. هذا ليس من باب المبالغة، ولكنه واقع ربما يشعر به السياسيون بقدر أكبر مما يشعر به عامة المواطنين، نظرا لاطلاعهم علي حجم تلك الضغوط التي تتم تحت الكواليس.
وعندما وقع رئيس الوزراء العراقي، السيد نوري المالكي، في شهر آب (اغسطس) من العام الماضي في واشنطن اتفاقية غير ملزمة لتحديد العلاقات الامريكية العراقية، لم تطرح تساؤلات كثيرة حولها، لانها ببساطة كانت تتضمن مبادئ وأطرا عامة تؤكد استقلال العراق وسيادته من جهة وتشير الي ضرورة تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة.
اللغم الكبير الذي تضمنته تلك الاتفاقية كان في البند الاخير منها وينص علي ما يلي: اعتمادا علي ما تقدم تبدأ وبأسرع وقت ممكن مفاوضات ثنائية بين الحكومتين العراقية والأمريكية للتوصل قبل 31/7/2008 إلي اتفاقية بين الحكومتين تتناول نوايا التعاون والصداقة بين الدولتين المستقلتين وذاتي السيادة الكاملة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية .
الحكومة العراقية ربما وقعت تلك الاتفاقية بنوايا حسنة، معتقدة ان بامكانها تحقيق السيادة وتقنين العلاقة مع واشنطن بشكل يحمي تلك السيادة، ولذلك أصدر الساسة العراقيون في 26 آب (أغسطس) 2007 بيانا دعموا فيه مذكرة التفاهم تلك، معتقدين ان الاتفاقية طويلة الامد مع الولايات المتحدة لن تخرج في نصوصها وروحها عن تلك المبادئ.
في الأيام الاخيرة تسربت معلومات حول مسودة تلك الاتفاقية المزمعة التي كتبت بأيد أمريكية، وصفها البعض بانها قنبلة من العيار الثقيل نظرا لما تحتويه من بنود لا يخفي تعارضها مع بنود مذكرة التفاهم، وتصادر مفهوم السيادة بشكل كامل، وتخضع العراق الي احتلال دائم من قبل القوات الامريكية، وتسلب من حكومته حقها في الحفاظ علي أمنها في الارض والجو والبحر.
وليس معلوما بعد ما اذا كانت تلك المسودة قد قدمت للحكومة العراقية منذ زمن، ام انها طرحت من قبل الامريكيين بشكل مستعجل بغرض تمريرها قبل الموعد الذي حددته مذكرة التفاهم، والذي ينتهي مع نهاية الشهر المقبل تموز (يوليو) 2008.
وبهذا اصبحت الكرة في الملعب العراقي. ما هو مؤكد ان طرحها في الايام الاخيرة قد أحدث بلبلة واسعة في الاوساط العراقية، وفاجأ الكثير من الزعماء والقادة نظرا لما تحتويه من بنود تصادر مبادئ السيادة وهيمنة الدستور والقانون. الاتفاقية المزمعة تنتهك سيادة العراق بشكل فاضح في عدد من النواحي.
اولها انها تنص علي السماح للقوات الامريكية بالبقاء في 50 قاعدة عسكرية، بعضها عملاقة جدا.
وثانيها: انها تعطي الحق للقوات الامريكية في الهيمنة الامنية علي الاجواء والمياه، وإلقاء القبض علي من تشاء من عراقيين وغيرهم.
وثالثها: انها تمنح حصانة خاصة للامريكيين، جنودا او موظفين مدنيين او عائلاتهم، من القضاء العراقي. ويشار هنا الي ان واشنطن ما فتئت تصر علي عدم السماح بمحاكمة مواطنيها من قبل اية دولة او جهة دولية، وتصر علي رفض اتفاقات روما التي تنظم عمل المحكمة الجنائية الدولية.
بل انها عمدت للضغط علي الدول المائة التي وقعت تلك الاتفاقات، ودخلت مع بعضها في اتفاقات ثنائية تمنع تلك الدول بموجبها من تسليم الامريكيين المطلوبين لتلك المحكمة. هذه البنود الخطيرة تسلب من العراق سيادته كاملة. انه احتلال مقنن، يفرض بقوة السلاح والابتزاز، في ظل ظروف استثنائية أضعفت العراق وجعلته ارضا مفتوحة للاحتلال والارهاب.
ثمة تطورات حدثت خلال الاثني عشر شهرا ما بين توقيع مذكرة التفاهم والموعد المزمع لتوقيع الاتفاقية بعيدة الامد، وهي تطورات ترتبط بشكل وثيق بتهيئة الاجواء التي تساعد الامريكيين علي تحقيق ما يريدون. اولها ان توقيع المذكرة السالفة جاء في ذروة الاعمال الارهابية التي استهدفت العراقيين، والتي ضغطت علي النفسية العراقية للبحث عن اي مخرج من دوامة العنف التي كانت تحصد ارواح المئات من المدنيين يوميا.
ثانيها: ان واشنطن عمدت لاصدار اشارات واضحة بانها تستطيع، ان شاءت، التخفيف من تلك الاعمال الارهابية، فطرحت خيار السيرج الذي نجم عنه ارسال 25 الف جندي امريكي اضافي الي العراق، لحماية بغداد من أعمال العنف.
ونجم عن ذلك تراجع تلك الاعمال بشكل واضح. واشنطن ارادت ابلاغ الحكومة العراقية ان لديها وسائل للضغط علي الوضع اذا اقتضت الحاجة.
ثالثها: انها تبنت سياسة توسيع دائرة استهداف القاعدة وعمدت لتشكيل ما سمي ب مجالس الصحوة وهي مجموعات تتألف من عراقيين سنة تهدف لمحاصرة نفوذ القاعدة في المناطق السنية، وتوفير ادوات ضغط امريكية علي الوضع العراقي عموما والوضع السني بوجه خاص.
رابعها انها وسعت دائرة اتصالاتها مع القيادات والاحزاب والجهات العراقية لتخفيف حدة الغلواء ضدها، علي امل ان يساهم ذلك في تحييد الاتجاهات التي يتوقع معارضتها للاتفاقية بعيدة الامد.
خامسها ان العراقيين اصبحوا اكثر اهتماما بالمطالبة باخراج العراق من المادة السابعة، ويبدو ان هذه الرغبة اصبحت هي الاخري اداة للابتزاز من قبل الولايات المتحدة.. ووفقا لهذا البند فقد وضع العراق منذ صدور القرار 661 في آب (اغسطس) عام 1990 اثر غزو الكويت تحت الوصاية الدولية، باعتباره بلدا يهدد الامن والسلم الدوليين ويجيز استخدام القوة ضده.
وما يزال العراق من الناحية النظرية مقسما الي خطوط طول وعرض تحت الوصاية الدولية، ومفتوحا امام التدخل الدولي. وفي اجتماعه مع المرجع الاعلي السيد علي السيستاني في شهر آذار (مارس) الماضي، قال ممثل الامم المتحدة في العراق ستيفان دي ميستورا ان العراق سيشهد خلال العام الحالي خروجه من البند السابع ليكون عام السيادة العراقية .
وقد اصبح ذلك التعهد الآن مرتبطا بتوقيع الاتفاقية بعيدة المدي من قبل واشنطن. اي ان الولايات المتحدة اصبحت تساوم العراق وتعطيه واحدا من خيارين: فاما التوقيع علي الاتفاقية او البقاء ضمن البند السابع تحت الوصاية الدولية وفقدان السيادة.
بغداد تشهد هذه الايام سجالا متشعبا حول هذه الاتفاقية، بينما يشعر القادة بوضع خطير لا يمكن التقليل من آثاره المدمرة ليس علي مجموعة او طائفة او اقليم، بل علي العراق، بما هو بلد محتل من جهة، ومكون من عرقيات ومذاهب واديان شتي، وخاضع لاعمال عنف لم يشهد بلد آخر مثلها، ومفتوح امام التدخلات الخارجية، سواء المباشرة من قبل قوات الاحتلال الانجلو أمريكية ام الدول الاقليمية الجارة. هذا السجال المفتوح لا يخلو من غموض ايضا.
فالسياسيون يسعون لطرح مواقفهم بخجل، لكي لا يتصادموا مع امريكا مباشرة، وفي الوقت نفسه يشعرون بان الرأي العام لا يمكن ان يسمح لهم بتوقيع اتفاقات مذلة مع قوات الاحتلال، تتضمن السماح بقواعد عسكرية دائمة او توفير حصانة للامريكيين. وقد خرجت في الايام الاخيرة تظاهرات كبيرة ضد تلك الاتفاقية وضد الاحتلال. يضاف الي ذلك ان الاتفاقية ربما لم تشر الي رغبة امريكية في الهيمنة علي النفط، ولكن قانون النفط المثير للجدل، وجه آخر للاتفاقية المذكورة.
وثمة وسيلة أخري قد يلجأ اليها الامريكيون للالتفاف علي المقاومة الشعبية والسياسية لتلك الاتفاقية. فقد تحصر الاتفاقية ببنود قائمة علي اساس مذكرة التفاهم التي وقعت العام الماضي، فتبدو بريئة ويتم اقرارها من قبل الطرفين.
وفي الوقت نفسه تطرح اتفاقية عسكرية خاصة، تعلن بعض بنودها، ويحاط القسم الاكبر منها بالسرية، تنص علي المطالب الامريكية كاقامة قواعد، او التصرف بحرية في الاجواء والمياه العراقية، ومنح الحصانة للامريكيين.
والساسة العراقيون مطالبون بالالتزام بمبدأ الشفافية مع شعبهم وعدم اخفاء شيء من ذلك لان القضية هنا لا ترتبط بفئة حاكمة او متنفذة بل بالعراق كبلد وشعب لا يجوز بيعه للاجانب في اي ظرف وباية ذريعة.
وثمة احتمال آخر قد تقدمه الحكومة العراقية يتمثل بتحديد أمد الاتفاقية ببضع سنوات، علي ان يتم تجديدها مرة في كل خمس سنوات، بحيث تبدو الاتفاقات وكأنها مرهونة بالاوضاع الامنية الداخلية. وهناك احتمالان ازاء هذا الخيار.
فالامريكيون قد يرفضون ذلك علي اساس انه قد يؤدي الي تقوية النظام السياسي في العراق، فيشعر بقوة تمكنه من رفض تجديد تلك الاتفاقية بعد انتهائها. أيا كان الامر فان بغداد تشعر اليوم انها محاصرة بالمشروع الامريكي من جهة، وان ذلك الحصار لا يخلو عن ابتزاز خطير بتصعيد العنف والارهاب، كوسيلة للضغط علي الحكومة.
ما هو موقف الفرقاء العراقيين من هذه الاتفاقية؟
يبدو ان الاكراد هم أقل العراقيين تحسسا ازاء الاتفاقية وربما يفضلون البقاء الطويل للامريكيين كضمان لوجودهم وكيانهم شبه المنفصل عن الدولة العراقية. وهناك انقسام في الشارع السني خصوصا بعد التدخل الامريكي لتشكيل ما سمي مجالس الصحوة ، وان ذلك الانقسام سوف يزداد مع اقتراب موعد توقيع الاتفاقية. المرجعية الشيعية من جانبها، متمثلة بالسيد علي السيستاني، اتخذت موقفا رافضا لمنح القواعد العسكرية الدائمة ومنح الحصانة للامريكيين. ولكن ما مدي التزام القيادات السياسية بتلك التوجيهات؟
اعلن حزب الدعوة بقيادة رئيس الوزراء رفض القواعد العسكرية ومنح الحصانة بشكل قاطع. اما المجالس الاعلي فقد كرر علي لسان رئيسه، السيد عبد العزيز الحكيم، مبادئ عامة حول السيادة وعرض الاتفاقية علي البرلمان، بدون توضيح موقف قاطع ازاء اهم بنودها التي تصادر السيادة العراقية.
وتميز التيار الصدري بالرفض الكامل للاتفاقية والمطالبة برحيل الاحتلال بدون قيد او شرط. وقد أصبح واضحا ان الساسة العراقيين أصبحوا يواجهون أخطر تطور سياسي منذ سقوط النظام قبل خمسة اعوام. اذ كيف يوقعون اتفاقية تصادر السيادة وتفتح الاراضي للاجنبي المحتل ليقيم قواعده العملاقة؟
وكيف يساومون علي منح حصانة للامريكيين من القضاء العراقي خصوصا بعد التجارب المرة العديدة التي قتل فيها عراقيون ابرياء سواء علي ايدي الجنود الامريكيين ام اجهزة الاستخبارات ام في غرف التعذيب ام علي ايدي عناصر الشركات الامنية مثل بلاكووتر؟
ان منح الحصانة للامريكيين يعني عدم الالتزام ببروتوكولات روما التي تنظم عمل المحكمة الجنائية الدولية، وتزيل عامل الردع امام قوات الاحتلال من العقوبة. مع ذلك تدرك الحكومة انها امام خيارات صعبة، فالرئيس بوش يسعي لانهاء عهده باتفاقية تساعده علي تسويق المرشح الجمهورية للرئاسة الامريكية، جون ماكين، الذي يبدو سائرا علي سياساته العدوانية والتمدد الامريكي في العالم خارج الاجماع الدولي.
وقد حدد نهاية تموز (يوليو) موعدا لتوقيع تلك الاتفاقية، ومن المتوقع ان يعمل وكلاؤه في العراق لاجبار الحكومة العراقية علي ذلك، وان اقتضي الامر تصعيد وتيرة العنف، او شن حملات اعلامية ضد الحكومة الحالية لاسقاطها في حال استمرار رفضها توقيع الاتفاقية.
العراق يمر مجددا بمحنة لا تقل خطرا وتعقيدا عما سبقها من الأزمات. انها محنة مرتبطة بمقولة السيادة والاستقلال من جهة، وانتشال العراق من مستنقع العنف والارهاب والتوتر من جهة ثانية، والحفاظ علي الوحدة الوطنية في مقابل محاولات تمييعها وتمزيقها ثالثة.
انها ازمة أخلاقية ايضا، اذ كيف يمكن لأي زعيم او مسؤول ان يسمح للاجانب باختراق السيادة علي الاراضي، فيسمح لها باقامة قواعد عسكرية من المؤكد انها ستستخدم لضرب الجيران، كما استعملت القواعد الامريكية في دول مجلس التعاون الخليجي ضد العراق وايران من قبل، ويتنازل عن سيادة القضاء الوطني علي كل من يعيش علي ارض العراق بدون تمييز؟
أم كيف يقبل ان يتخلي عن السيادة علي الارض والبحر والجو لصالح قوات الاحتلال التي تطالب بسماح مطلق لاعتقال المطلوبين حتي لو كانوا عراقيين؟ ازمة متداخلة لا يبدو حلها سهلا، والاكثر تعقيدا وتداخلا هذه الفسيفساء السياسية والايديولوجية في اوساط الزعامات والاحزاب السياسية والدينية ازاء قضية لا تحتاج الي المزيد من التوضيح والشرح.
وهكذا تبدو اوضاع العراق متجهة نحو المربع الاول عندما سقط النظام السابق وادت سياسات قوات الاحتلال الي فوضي عارمة وغياب الامن والاستقرار. العراقيون اليوم امام خيارات محدودة اوضحها خياران قد يتحولان الي نقاط مفاصلة خطيرة: اولهما مسايرة الاحتلال بتوقيع الاتفاقية التي يسعي لفرضها علي العراق وما ينطوي عليه ذلك من التخلي عن السيادة الوطنية وما يبدو من استسلام للاحتلال، او الاستعداد لتبعات رفضها وما ينطوي عليه من احتمالات تدهور امني واضطراب سياسي ومواجهات شاملة مع الولايات المتحدة.
كلا الخيارين ينطويان علي مخاطر، ولكن الرغبة في الاستقلال والمفاصلة مع الاحتلال سيكون، في نهاية المطاف، الخيار الأقل تكلفة للعراق واهله. انه الخيار الذي يلم الشمل ويوحد الصف، ويعيد للبلد كرامته واستقلاله، ويضعه علي طريق النهوض بعد عقود من الازمات والمحن، وسنوت من الاحتلال والارهاب.
عن صحيفة القدس العربي
11/6/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.