الاتفاقية الامنية العراقية - الاميركية مصطفى الدباغ في السجال المحتدم عبر المفاوضات الاميركية العراقية حول الاتفاقية الامنية الاستراتيجية بين الجانبين لتنظيم وضع القوات الاميركية بعد انتهاء التفويض الدولي لاميركاوالذي ينتهي في 31 كانون اول القادم ، يسعى العراقيون لابرام اتفاقية تحفظ لهم سيادتهم وتأخذ صبغة شرعية وطنية كاملة وتوافق جماعي عبر الوسائل القانونية بما فيها موافقة البرلمان حتى لو اضطرت لتحويلها الى مجرد (مذكرة تفاهم مرحلية) بدلاً من المطلب الاميركي في ( اتفاقية طويلة الامد) بحيث تتضمن المذكرة جدولة للانسحاب وليس قواعد عسكرية دائمة وهو ما اسفرت عنه تصريحات المالكي امام السفراء العرب في ابو ظبي (8/7) حول هدف المفاوضات وهو التوصل الى (مذكرة تفاهم ) للجلاء او الجدولة فهبّ البيت الابيض ليستنكر تحديد موعد (تعسفي) لسحب القوات مذكراً بان الهدف هو التوصل لاتفاقية تشكل (صفقة واحدة) في جميع المجالات بما فيها المجال الامني وليس مذكرة تفاهم للانسحاب بالوقت الذي مازالت ترسل في تعزيزات عسكرية حتى الان! في هذه الاجواء المشحونة بالتجاذبات السياسية الساخنة تطفو على السطح المخاوف العراقية والدفوع المقدمة لاسقاط المبررات والحجج وحتى الضغوط الاميركية في هذه القضية الحاسمة للطرفين . أبرز المخاوف العراقية ما دار حول الانتقاص من سيادة العراق وارتهان استقلاله للمجهول لتؤكد اميركا من جانبها وفي محاولة منها لتهدئة هذه المخاوف ان الاتفاقية ستعزز استقلال العراق طالما هي تسعى لاخراجه بابرامها من اسار البند السابع لقرار مجلس الامن الدولي الذي سمح باستخدام القوة ضده مفوضاً اميركا بمباشرة ذلك و الاضطلاع به. كما دارت المخاوف العراقية حول انتقاص السيادة باستمرار السيطرة الجوية لاميركا لتأتي التطمينات الاميركية تتحدث عن النية لتسليمها الاجواء في اللحظة التي يكون لدى العراق القدرة على ذلك! وهنا يتساءل العراقيون من الذي سيقرر بلوغهم تلك(اللحظة الحرجة) اذا كان صاحب الشأن والمصلحة يرى عكس ذلك؟! وتدور المخاوف العراقية كذلك حول طبيعة الاتفاقية المطلوبة اميركياًبحيث تكون (طويلة الامد) اي ذات نهاية مفتوحة بينما يصر العراقيون على اتفاقية لسنة واحدة فتسارع اميركا لتطمينهم بانها تقبل باتفاقية لمدة سنتين قابلة للتجديد مما يعني استمرار الوضع الراهن وبكل حذافيره بموازاة وضع الاسس(القانونية) لقواعد دائمة. كما تأتي المخاوف العراقية من استخدام العراق لضرب ايران مماجاءت معه التطمينات الاميركية وعلى عجل لتؤكد على انها لن تشن هجوماً ضد ايران من اراضي العراق وتشترط -دون تسمية ذلك-احترام الاخرين لأمن العراق فلا تسمح ايران لتدخل (قوات القدس/الحرس الثوري الايراني) ولا لحزب الله اللبناني بامداد المقاومة بالسلاح والخبرة والتدريب والمتطوعين ولا لسوريا بعبور المسلحين عبر حدودها..الخ مما تفقد معه هذه الاشتراطات التطمينات بعدم شن الهجوم من العراق قيمتها ولا تبدد مخاوف العراقيين حول مساس الاتفاقية المنتظرة بسيادة بلادهم وتشكيلها خطراًعلى محيطها!اخيراً فالمخاوف العراقية دارت كذلك حول الملاحق السرية او حتى العلنية لمنح الحصانة للجنود او الشركات الامنية الخاصة المتعاقدة مع القوات الاميركية لتأتي التطمينات الاميركية في محاولة لتبديد هذه المخاوف باسداء الوعود الفضفاضة حول استبعاد اشتراط الحصانة لتلك الشركات! وهكذا تراوح المفاوضات في مكانها بالوقت الذي يمارس فيه الطرفان الضغوط فاميركا من خلال وجودها العسكري والعراق من خلال التهديد المبطن بمزيد من الانفتاح على الجوار وخاصة الايراني والسوري ومع مرور الوقت وتآكل الزمن امام توقيع اتفاقية مشتركة يظل الاحتمال الاقوى والمرجح وهو توقيع مذكرة تفاهم (سرية وقصيرة الامد) تدور حول مسالة وجود القوات فقط وقد تسمح بمعسكرات مؤقتة ومقيدة بجدول زمني وتخضع للسيادة العراقية من خلال الشراكة العملياتية والحصول على اذن رسمي بالتحرك ،ولكن حتى هذا سيتيح لاميركا التحرك متى شاءت وضد من تشاء طالما بقيت قواتها هناك تحت اي مسمى قانوني (مذكرة او اتفاقية) وما يمكن معه تحويلها الى اتفاقية طويلة الاجل في ظل تطورات وتداعيات مستقبلية طبيعية او مفتعله !!! عن صحيفة الرأي الاردنية 30/7/2008