بين التصعيد الكلامي الأمريكي الإيراني وبين التفجيرات اليومية في مختلف الأنحاء يقف العراق الآن في مفترق طرق إما أن يضعه علي بداية طريق استقرار نسبي وإما أن يعصف به مره أخري ويدفع شعبه ثمنا لصراعات اقليمية ودولية علي ارضه ومن دماء ابنائه وفي كلتا الحالتين تبدو العملية السياسية شبه عاجزة داخليا ومشوشة باتجاهات سياستها الداخلية والخارجية معا لأسباب كثيرة تعود إلي طبيعة هذه العملية وما كشفت عنه الأحداث من توجهات القائمين عليها وهو ما جعلهم رقما في الصراع لصالح هذا أو ذاك, وقد تكون هذه من المفارقات الوحيدة في التاريخ السياسي العالمي القديم والحديث, حيث حكومة جاءت في ظل وبفضل وجود اجنبي تدين له بالكثير وهو من أسباب حياتها وبين طبيعة هذه الحكومة وطبيعة أسس علاقاتها الخارجية التي وضعتها في موقف لا تحسد عليه من حيث التناقض بين الوجود الأجنبي الذي هي جزء من افرازاته وما بين تطلعات هذه الحكومة بأن تكون جزءا من منظومة جديدة اقليميا وعالميا تصارع الطرف الذي جاء بها.. نعم انها قمة الارباك والارتباك نظريا وعمليا, ولكن هذا الارباك أو الارتباك يزول بمجرد معرفة ان الولاياتالمتحدة تعرضت لأكبر وأول عملية نصب تتعرض لها قوي عالمية بدخولها للعراق وأفغانستان ارهقتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا وازالت الكثير من الأقنعة التي كانت تتحرك بها في دعم مصالحها في العالم وعلي رأسها قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان الخ.. يقابل ذلك ان الطرف الذي دخل في صراع كلامي حتي الآن( إيران) أوجد من الساحتين( العراقية, والافغانية) وخاصة العراقية ساحة لصراعه وتحديه للولايات المتحدة بل واستفزازها بعد أن بلعت الطعم العراقي بحكومته الحالية والسابقة, ويكفي هنا ان نشير إلي تصريحات هاشمي رفسنجاني التي قال فيها مؤخرا( إن إيران نجحت في ايصال اصدقائها إلي الحكم في العراق) وكذلك التأكيدات الإيرانية علي ضرب32 هدفا للقوات الأمريكية في المنطقة علي رأسها اهداف في العراق يضاف إلي ذلك التلويح الإيراني كثيرا بالورقة العراقية في وجه الولاياتالمتحدة التي تحتل العراق نظريا كما كشفت التطورات. ويقول احد المصادر السياسية المطلعة أن الاتفاقية الأمنية وغيرها من المواقف كشفت الوجه الحقيقي والتوجه الفعلي للحكومة كاشفا النقاب عن تغير وجهة نظر المفاوضين العراقيين وعلي رأسهم نوري المالكي رئيس الوزراء بعد زيارته الأخيرة لإيران ونقل المصدر عن مصدر أمريكي رفيع المستوي قوله: إن المالكي طالب بعد عودته من طهران بربط أمن العراق بأمن إيران وربط الملفين معا, ويشير مصدر آخر إلي أن الحكومة العراقية حاولت مؤخرا تحسين صورتها من خلال العمليات العسكرية ضد الميليشيات, ولكن هذا لا يمحي عنها بعدها الطائفي علي الأقل في توجهاتها الخارجية ويضيف: لقد تحول العراق إلي رئة اقتصادية كبيرة لإيران ورغم التهديدات والحصار المفروض فإن العراق اوجد لإيران بديلا اقرب واسهل بلغت قيمته أكثر من8 مليارات دولار العام الماضي فقط. ويضيف: هذا هو المعلن أما غير المعلن فهو كثير, وضرب مثلا بعمليات البناء وشركات المقاولات خاصة في قطاع الأبنية التعليمية التي تأخذ كل شيء من إيران ولا يمكن التنفيذ إلا علي النموذج الإيراني وهناك شبه التزام من قبل جميع المؤسسات الحكومية بذلك هذا فضلا عن الكثير من البنوك التي اسست في العراق باسماء عراقية ورؤس ا موال إيرانية وعراقية لخدمة إيران وكبديل عن تشديد الحصار الاقتصادي, ورغم أن هذا الكلام قد يجد ردا من قبل العديد من الجهات الحاكمة الآن في العراق بأن العراق يفتح بابه للاستثمارات الأمريكية إلا ان ذلك يقابله ان الوجود العربي اقتصاديا بصفة خاصة غير مسموح له بالوجود ورغم كثرة التصريحات حول الاستثمار ودعوة الشركات العربية إلا أن الواقع بخلاف ذلك بنسبة100% ويري البعض في أن زيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة إلي الامارات انها اثبات للتوجه العربي لها وان تطالب بعودة العرب ولكن يبدو ان كل دولة لديها من مصادرها ما يؤكد ان التحركات الحكومية غير حقيقة وهي للاعلام فقط ويشير البعض هنا إلي ان الدعوة التي وجهت للمالكي لزيارة الامارات هي جزء من طبخة اقليمية عربية لم تنجح لأسباب عراقية والدليل علي ذلك الغاء زيارة الملك عبدالله عاهل الأردن إلي العراق الذي جاء بدون اسباب لم تعلن حتي الآن. نود أن نشير للقاريء هنا إلي انه تم تبليغ الجيش والشرطة غربي بغداد بأن الملك عبدالله سيصل إلي بغداد وهو ما دعي تلك القوات إلي اغلاق معظم شوارع غربي العاصمة لتأمين الموكب وعقب اكثر من10 ساعات من حظر التجوال الاجباري وحصر آلاف العراقيين في الشارع في الحر القاتل اكتشف الجميع ان عملية الاغلاق تمت لأجل تأمين أكثر من80 حافلة تقل نحو3000 زائر من الزوار إيرانيين إلي المراقد الشيعية المقدسة في سامراء في الوقت الذي كان فيه المالكي في الامارات والذين سلكوا الطرق من الأراضي الإيرانية إلي النجف وكربلاء وسامراء مرورا بوسط العاصمة العراقية, ولا ينكر احد علي هؤلاء حريتهم وحقهم في الزيارة, ولكن ان تتم بهذه الطريقة وهذا الحشد الأمني غير المسبوق وفي هذا التوقيت هنا التساؤل. في مقابل ذلك ارسلت تركيا جار إيران والعراق رسالتها وزار رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان العراق واكد العديد من النقاط التي تراها بلاده وارسل رسالة مفادها ان بلاده تدعم الحكومة العراقية وتساندها في نهجها( الجديد). واكدت مصالحها وارضت الجميع سواء في الولاياتالمتحدة أو في الحكومة العراقية واكدت حقها في مكافحة الإرهاب ووقع رئيس الوزراء التركي ونظيره العراقي اتفاقية شاملة في مختلف المجالات وبالعودة إلي الموضوع الإيراني الأمريكي وفي القلب منه العراق فان الحكومة العراقية وبعد ضغوط من( المرجعية) اعلنت علي لسان رئيس وزرائها أن الاتجاه هو لتوقيع مذكرة تفاهم في الجانب الأمني تكفل جدولة زمنية للانسحاب الأمريكي من العراق وبعد رد قوي من الإدارة الأمريكية اعلنت علي لسان الناطق باسمها الدكتور علي الدباغ بأن هناك احتمالية كبيرة لتأجيل التوقيع علي بنود الاتفاقية الثنائية طويلة الأمد مع الولاياتالمتحدة لحين انتخاب الحكومة الأمريكيةالجديدة, لأن الطرفين( العراقي والأمريكي) في المفاوضات لم يتوصلا حتي الآن إلي الشكل النهائي لبنود الاتفاقية. وهو ما يعني ان الأمور من الممكن أن تهدأ لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية ولصالح إيران التي بدأت في توظيف جميع اللهجات والأوراق في حربها الكلامية مع الإدارة الأمريكية وشهدت هذه اللهجة تهدئة خلال الأيام الماضية عبر العديد من التصريحات من الجانبين الإيراني والأمريكي دعمها تأكيد الجنرال بارني وايت سبانز قائد قوات التحالف في جنوب العراق بأن لإيران مصالح مشروعة في العراق, والسؤال الذي يطرح نفسه الآن إذا كانت الحكومة العراقية تشدد في كل حين علي انها لن تسمح باستخدام اراضيها في ضرب إيران وهي تعلم أن هناك خلافا أمريكيا إيرانيا حول العراق وحول موضوعات أخري واعترفت في العديد من المرات بالتدخل الإيراني في الشأن العراقي أليس من الأدعي أن تعمل علي تأكيد سيادتها وحريتها بتوجهها السياسي. وإذا كان الجميع ضد ضرب إيران أليس من الأدعي لإيران ان تتوقف عن احلامها الامبراطورية بمساعدة( اصدقائها) حكام بغداد الجدد الذين سمحوا بتحويل العراق إلي مادة للتفاوض بين الولاياتالمتحدةوإيران بإشرافهم وفي بغداد ولا يكفون يوميا عن التأكيد علي السيادة وعدم تدخل( الآخرين) في شئونهم أم أن الشأن العراقي والإيراني شأن واحد واين هي مصالح الشعب العراقي الذي لم يتحقق منها أي شيء بفضل الصراع الأمريكي الإيراني داخل العراق وبمساعدة اطراف عراقية وما هو الحال في حالة توجيه ضربة أمريكية كانت أم إسرائيلية لإيران هل سيدفع العراق والدول الأخري التي فيها وجود أمريكي ثمنا لذلك, ويري البعض هنا ان الوضع في مفترق طرق فأمريكا إن توصلت إلي توافق مع إيران سيكون علي حساب العراق واستمرار الابتلاع الإيراني له وإن حدثت المواجهة فإن العراق سيكون في قلبها ويري أحد الخبراء العراقيين ان الولاياتالمتحدة. بدأت في تصفية الرؤوس الإيرانية داخل العراق وليس المقصود بالتصفية هي التصفية الجسدية بل السياسية في المرحلة الحالية التي من الممكن ان تتطور إلي تصفية جسدية بعد أن اصبحت علي قناعة تامة بأن هؤلاء لا يعملون لصالحها أو لصالح العراق وتوقع المصدر أن تكون هذه المرحلة بدأت بالفعل وأن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرات جذرية في التعامل مع هؤلاء الذين حولوا العراق إلي ورقة قوية ضد الولاياتالمتحدة ويضيف هناك اجندة أمريكية للوضع العراقي بغض النظر عن الانتخابات الأمريكية أو نتائجها. ورغم ما سبق فإن المحك الأول هو مصلحة العراق وليس من المطلوب من العراق أن يعادي إيران أو يكون سببا في ايذائه وايذاء شعبه, ولكن المطلوب هو أن يكون هناك توازن في علاقات العراق الخارجية مع الجميع بعكس الحاصل حاليا, وان تكون مصلحه الشعب العراقي بجميع طوائفه هي الأساس في الحكم لا أن تبني السياسة الداخلية والخارجية علي هذا الأساس أو ذاك فقط وهو الأمر الذي يبدو أن الحكومة العراقية لم تدركه بعد ليبقي البلد تتقاذفه أهواء الفوضي داخلية كانت أم خارجية.