قد يكون ما نشرمن وثائق الجيش الامريكي علي موقع ويكيليكس فاجأ الكثيرين الا ان المتابعين للشأن العراقي والمعايشين له لا يجدون فيه مفاجأة. لان ما تضمنته الوثائق حول عمليات القتل والتصفية وأعداد الضحايا وغيرها من الامور هي رؤوس اقلام فقط أمام المآسي اليومية والمستمرة التي بدأت منذ الغزو الامريكي للعراق في مارس2003.وحسب ما عايشناه وسجلناه في الاهرام خلال السنوات الماضية فان الارقام التي نشرت في تلك الوثائق والموثقة من قبل الجيش الامريكي هي اقل بكثير مما سجل علي ارض الواقع خاصة خلال الفترة من2005 حتي2008 سواء من ناحية عدد القتلي العراقيين والامريكيين مدنيين وعسكريين اومن حيث عمليات الاغتيال الطائفي المذهبي والتعذيب. هذا بالطبع بخلاف التمدد الايراني الذي افردت له الوثائق جزءا كبيرا ووصفت الحالة الامريكية الايرانية بانها حرب ظل علي الاراضي العراقية دون الاشارة الي مرحلة ما بعد الحرب ودخول الطرفين في توافقات وتوزانات وتسويات ادت الي حدوث هدوء نسبي منذ بدء جلسات الحوار الامريكي الايراني علي العراق في بغداد والتي بدأت وانتهت دون الاعلان عن نتائجها, اما عن عمليات التصفيات الوظيفية والجسدية علي أسس مذهبية وطائفية فهي ليست جديدة ولا تزال مستمرة في مختلف الجهات بأساليب مبتكرة وهوما جعل وزارة حقوق الانسان العراقية تؤكد ان الوثائق لم تكشف أي جديد بل قديم لان الارقام متقاربة مع ما سبق واعلنته وانها ستدقق الوثائق وربما يكون هذا التعليق من وزارة حقوق الانسان هو تأكيد أن هناك الكثير والجديد لم يعلن بعد. الشارع العراقي قابل ما أعلن بحالة من اللامبالاة لانه يعرف تلك الامور وغيرها واكثر منها ويوصفها بالاسم سواء ذهبية اوقذرة وخلافه من الاسماء التي يتداولها العراقيون. ويشير احد العراقيين الي ان هناك الكثير من المقابر الجماعية لضحايا القتل الطائفي الذين لم يتم التعرف عليهم بل ان هناك عشرات الآلاف من الأسر مازالت تجهل مصير ابنائها, مشيرا الي أن الهموم العراقية المتجددة تنسي الأحداث السابقة لان الجديد ينسي القديم. ويعتبر احد المحللين العراقيين ان تاثيرات التقرير لن تكون قوية من الناحية السياسية لأن جميع المعلومات الواردة فيه معروفة لدي رجل الشارع البسيط ولكنها فتحت الباب امام مقاضاة الكثيرين سواء في القوات الامريكية اوفي الحكومة العراقية ومن سيكشف عن اسمه لاحقا. ولا يمنع هذا انه سيتم توظيف ما جاء في الوثائق لاغراض دعائية سياسية الا ان تأثيرها سواء من الناحية السياسية اومن ناحية مقاضاة من ذكرت اسماؤهم سيكون شبه معدوم لانه في عراق اليوم كل شئ مسيس وهناك الكثير من الخطوط الحمراء التي إن فكر فيها شخص اوجهة فإن الرد سيكون سريعا ودون ان يسمع به احد( كاتم الصوت) اوبعبوة مغناطيسيه تلتصق بسيارته, لأن الوقت حرج بالنسبة للجميع والعراق في ازمة سياسية حادة مرشحة الي ان تصل للانفجار مالم تنته قريبا. ولن تتردد الاطراف الفاعلة سياسيا وامنيا في توصيل رسالة لأي طرف حتي إن كان اد ميلكرت المندوب الدولي في العراق الذي نجا من محاولة اغتيال عقب اجتماع وصفه بالسري مع المرجع الشيعي علي السيستاني. أما السياسيون والاحزاب التي يتردد تورطهم في عمليات ذكرت في الوثائق فإنهم لا يكترثون, وكم من الاخبار والتعليقات والتسريبات التي نشرت عن تورط هذا السياسي اوذاك في عمليات قتل اوغيرها ومازال يمارس دورا بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة. والامر الذي قد يطرح الآن هو هل يتربط توقيت النشر بدعم طرف او آخر في صراع السلطة الدائر الآن, والاجابة هي بالنفي لأن الموقع أعلن انه سينشر وثائق تتعلق بالحرب علي العراق منذ فترة والنشر أثار غضب الولاياتالمتحدة وأجهزتها الأمنية وهي التي تبدوانها تؤيد مرشحا أكثر من الآخرين. أما مسألة تأثيرات النشر في تصعيد أسهم المالكي اوعلاوي اوعبد المهدي لتولي رئاسة الحكومة فهوأمر وهمي, لان القيادات الثلاث عملت وتعمل مع الولاياتالمتحدة ووجودها ارتبط بها, واثارة هذا الموضوع من قبل الاطراف المشاركة في الحكم والعملية السياسية هوبهدف اللعب علي عواطف الشارع سواء من هذا الطرف اوذاك, لان ما جري قد جري إلا أنه لم يتم بعد وقف ما يجري من سجون سرية وفساد وغياب خدمات وتدخلات اقليمية واحتلال وخلافه. وعليه فإنه من الطبيعي ان يري رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ما نشر من وثائق بأنها انتقائية وان الضجة التي تقودها بعض الجهات الإعلامية تحت غطاء الوثائق تثير في أسلوبها وتوقيتها أكثر من علامة استفهام وانها ضعيفة القرائن لأنها لم تستطع أن تقدم دليلا واحدا عن سلوك غير وطني قامت به الحكومة العراقية حسب توضيح اصدره مكتبه. في مقابل ذلك فسر نشر الوثائق بأنه سحب للتأييد الامريكي من المالكي وقال ظافر العاني القيادي في القائمة العراقية: إن الإدارة الأمريكية كانت تقوم بالتغطية علي ممارسات وأعمال الحكومة العراقية المنتهية ولايتها كما جاء في كل التقارير المنشورة, مشيرا إلي أن هذا الإخفاء كان متعمدا من قبل الإدارة الأمريكية حين كانت الحكومة العراقية أورئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي مدعوما أمريكيا أومن خيار أمريكي, معتبرا أن واشنطن سحبت مظلة الحماية من المالكي بعد أن أصبح الدعم الإيراني له واضحا ومكشوفا, خصوصا بعد زيارته إلي طهران, مشيرا إلي أن الإعلام من الأجهزة المهمة في صناعة القرار الأمريكي التي أظهرت كل هذه الوثائق. وايا كان مدي دقة هذا الكلام إلا أنه اثار زوبعة حول المالكي إلا أن القرارات الاستراتيجية الامريكية لا تتأثر بهذا التسريب اوذاك بل وعلي العكس تماما وتبقي محصلة واحدة وواضحة ومستمرة وهي ان الشعب العراقي دفع ويدفع ثمن الاخطاء الامريكية والعربية ومازال يدفع ثمنا لصراعات سياسية وتدخلات خارجية دون ان تلوح في الافق اية بادرة لانهاء أزماته التي هي اكثر من ان تحصي.