هل دخل لبنان مشروع الفراغ النيابي بعد الرئاسي؟ خليل حسين لم يكن الثاني والعشرون من ابريل/نيسان الماضي موعداً لتأجيل الانتخابات الرئاسية في لبنان، بقدر ما سيكون موعداً لدخول لبنان في الفراغ التام عبر مؤسسات دستورية أخرى، ومنها السلطة التشريعية، أي مجلس النواب. وربما الكلام في هذا النوع من الفراغ هو مخيف ومبكر ربطاً بموعد الانتخابات النيابية في العام المقبل، إلا أن ما يُتداول به وتُشم رائحته من الكواليس المحلية والدولية يوحي بأن طبخة ما تُحضر للبنان، تعيد وصل ما انقطع من الذاكرة الجماعية للبنانيين التي عاشوها في فراغات متتالية لمؤسسات الدولة طوال الحرب الأهلية السابقة.
منذ ثلاثة أشهر، جرى همساً بالحديث بين السفير الروسي في لبنان ومراجع لبنانية كبيرة حول ما تم التداول به في مجلس الأمن الدولي بين وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، ونظرائها من الدول الكبرى حول إمكانية تجاوز الانتخابات الرئاسية في لبنان، واعتبارها من الصنف غير الأولي في السياسات الأمريكية الحالية تجاه لبنان، وبصرف النظر عما إذا كانت هذه التسريبات من النوع الذي يُصنف من قبيل جس النبض السياسي للإطراف المعنية، فإنه يخفي رؤية أمريكية لمجرى الحال في لبنان، على الأقل لثلاث سنوات قادمة، فما الدوافع والأسباب لهذا التحوّل الأمريكي؟ وهل يمكن أن يلقى تجاوباً من الأطراف المعنية بالأزمة اللبنانية؟
ربما المظهر الأساسي الذي برز في الآونة الأخيرة تحوّل لبنان في اللعبة الإقليمية إلى موقع ثانوي مقارنة بمجموعة الملفات المرتبطة به، وبالتالي فإن بعض الملفات الأساسية الداخلية باتت موضوعة قيد الانتظار برضا إقليمي ودولي، وحتى محلي غير معلن، ما يُسهل المضي في لعبة استقطاع الوقت وشرائه بانتظار متغيّرات كبيرة يمكن الاستفادة منها داخلياً وخارجياً. وفي الواقع ثمة مؤشرات كبيرة وجدّية كثيرة يمكن أن تؤسس للذهاب بعيداً في لعبة الفراغ الشامل في لبنان ومنها:
ان انتخابات الرئاسة اللبنانية باتت في هذه المرحلة ضرباً من ضروب الخيال السياسي المعتاد في لبنان، نظراً لربطها بمجموعة من الشروط والشروط المضادة غير القابلة للتطبيق عملياً من الوجهة الدستورية، وحتى السياسية، وفي ظل هذا الواقع لا يلوح في الأفق أي مشروع محلي أو عربي قابل للحياة، نظراً للربط بين هذه المشاريع ومشاريع التضامن العربي، التي بدورها تحتاج إلى جهد من نوع خاص للتوصل إلى حد أدنى يضمن فكاك ملفاتها عن الملفات القطرية، ومنها اللبنانية.
وإذا كان الفراغ في موقع الرئاسة بات مسلّماً به من دون الجرأة على البوح به، فإن العدوى بدأت تنتقل إلى السلطة التشريعية عبر رضا أمريكي مُعلن عن إمكانية عدم إجراء انتخابات نيابية في موعدها المقرر في العام ،2009 بهدف إبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو أمر يمكن أن تستسيغه أغلبية الأطراف الفاعلة في الأزمة اللبنانية، داخلية كانت أم خارجية، لأسباب وظروف متعددة ومتنوعة.
في المحور الدولي وأبرزه الأمريكي، فإن حالة من “الكوما" السياسية ستدخلها الإدارة الأمريكية بعد شهرين تقريبا، إذ لن يخصص أي مسؤول أياً من وقته لأي ملف خارجي ثانوي غير فاعل في الانتخابات الرئاسية من الناحية العملية، وبالتالي فإن الوضع اللبناني من الناحية الدستورية لن يكون له أي ثقل نوعي في السياسات الانتخابية الديمقراطية والجمهورية في سباق الوصول إلى البيت الأبيض، إذ إن العكس يمكن أن يكون قابلاً للاستثمار السياسي الإقليمي من الوجهة الأمريكية، في حال الفراغات الدستورية في لبنان. إضافة إلى ذلك، فإن وصول أيّ من الجمهوريين أو الديمقراطيين إلى سدة الرئاسة الأمريكية لن يكون بمقدوره متابعة الملف اللبناني في السنة الأولى لولايته، وهو الوقت المفترض للانتخابات النيابية اللبنانية.
في المقلب الإقليمي ثمة حوافز منشطة للمضي في لعبة الفراغات الدستورية على قاعدة أن إضعاف المؤسسات يُسهل التّدخلات، وهي لعبة مستساغة ومرغوبة لدى الدول التي تبحث عن أذرع إضافية في سياساتها الخارجية، وقد سبق لهذه الخيارات أن أخذت موقعها المتميز في عمليات الشد والجذب في الواقع السياسي اللبناني خلال الحرب الأهلية.
وفي المقلب اللبناني المعني الأساسي في الموضوع، يبدو أن جميع الأطراف الوازنة في اللعبة السياسية الداخلية غير مستعجلة عملياً للخروج من الفراغات الحالية والمرتقبة، فلا الأكثرية متأكدة من الاحتفاظ بحجمها العددي في المجلس القادم، ولا الأقلية المعارضة تمتلك البرنامج والأداة لخوض الانتخابات، وبالتالي تسلمها السلطة، وفي كلا الحالتين المزيد من انهيارات المؤسسات التي سيشهدها لبنان قريباً.
وعطفاً على السبب الداخلي السابق، ثمة استحالة من الناحية العملية لإمكانية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها إذا ظلّت الظروف كما هي، خلاف على القانون الانتخابي الحالي، أي قانون العام ،2000 وعدم توافق على أي قانون انتخابي ستجرى الانتخابات في ظله لاحقاً. وبين الخلاف على القانون والآليات، ثمة وضع حكومي يُعتبر أزمة وطنية بحد ذاته، وبالتالي فإن المؤسسة التي يفترض فيها أن تُعد قانون الانتخاب هي مؤسسة دستورية مختلف على شرعيتها، فمن أين يمكن أن يبدأ الحل؟.
في العام 1976 تمكن المجلس النيابي اللبناني من انتخاب الرئيس الياس سركيس قبل انتهاء ولايته بأشهر قليلة، واجتهد لنفسه بعمليات تمديد متواصلة امتدّت إلى العام 1992 أي لما بعد اتفاق الطائف، فهل سيتمكن المجلس النيابي الحالي من انتخاب رئيس للبنان قبل انتهاء ولايته في العام ،2009 أم أن التاريخ سيكرر نفسه، لجهة التمديد وعدم إجراء انتخابات نيابية في موعدها المقرر؟ لقد مدد المجلس الحالي في العام 2004 ولاية الرئيس السابق إميل لحود لثلاث سنوات إضافية، فهل سيستسيغ لنفسه ما استساغه لغيره؟ ثمة قول مأثور مفاده “من ساواك بنفسه لم يظلمك"، فهل سيستوي الفراغ في رئاسة الجمهورية مع التمديد المحتمل للمجلس النيابي؟ سؤال بدأت إجاباته بالظهور شيئاً فشيئاً على أوجه المعنيين به قبل ألسنتهم. عن صحيفة الخليج الاماراتية 4/5/2008