حماس تشرب من نفس الكأس رجب ابو سرية مصادر مقربة من الرئيس محمود عباس اشارت الى انه عاد من واشنطن يلازمه شعور بالاحباط والتذمر، جراء عدم تقدم العملية السياسية وتراجع الامل بأن يتحقق في عهد الرئيس الاميركي الحالي جورج بوش حل الدولتين، الذي سبق وحدده كهدف له، خلال ولايته الثانية، التي لم يتبق منها سوى بضعة اشهر، حتى نهاية العام، وحيث تراجع الهدف الى مجرد الحديث عن امكانية التوصل الى مجرد اعلان يحدد اطار الحل. على الجانب الفلسطيني الآخر -بعد ان صار للفلسطينيين جانبان - لا يبدو الحال افضل حالاً، فبعد أن كانت الشعارات عريضة، بدأت بالاعتراض على اوسلو، وعدم قبول الحل على أساس دولتين متجاورتين، تدحرجت الاهداف، لتنحصر في رفع الحصار عن غزة، مقابل تهدئة في غزة اولاً، لا شاملة ولا متزامنة، حتى ان اسرائيل نفسها هزّت اكتافها ازاء عرض حماس المعلن، عن قبول صفقة التهدئة في غزة مقابل فتح المعابر، وذلك يعود بالأساس الى ان اسرائيل قرأت رسالة حماس على انها تعبر عن ضائقة، بعد أن اظهرت الحركة اهتماماً عالياً بلقاء شخصية اميركية لا وزن سياسياً لها، وبعد ان وصلت الامور في غزة الى حدود الانهيار التام، بحيث بات القطاع مثل مريض في غرفة الانعاش، يوشك على الدخول في حالة موت سريري، ويحتاج "وحدة غاز" لبث الحياة في اوصاله. ليس ذلك وحسب، بل بدا واضحاً، خلال الاسابيع الماضية، بأن الحركة التي تسيطر على قطاع غزة، ولا تمتلك شيئاً عملياً في يدها، لتضغط به على الاسرائيليين سوى ورقة التهدئة، بات من المشكوك فيه ان كانت تملك هذه الورقة حقاً، بعد ان شهد واقع المواجهات الميداني فاعلية قوى اخرى، غير قوات الحركة العسكرية، وقد اضطرت فعلاً الحركة في إطار مفاوضاتها مع الجانب المصري، او بالاحرى اتصالاتها، ان تأخذ معها اولاً ممثلي الجهاد الاسلامي، ثم الآن كل فصائل العمل الوطني الى القاهرة. المخرج السياسي الذي تقدمه حماس، باسم التوافق الوطني، يدل في الحقيقة، على انها، وبعد ان اسقت سلطة اوسلو من كأس عدم الالتزام بما عقدته من اتفاقات سابقة، فإن القوى الاخرى تقف الى حدود ما الآن في طريق نجاحها "بفرض" تهدئة تريدها هي، وما ذهاب الفصائل للقاهرة، بل وحتى ذهاب قيادة حماس في القطاع الى دمشق، الا تأكيد على ان ورقة التهدئة، حتى في غزة ليست بيدها بالمطلق، وربما مع تطور لاحق للامور، تظهر هذه الحالة على شكل اوضح، فالرسائل اليومية التي ترد الى جوالاتنا تباعاً، تخبرنا عن قيام كتائب ابو علي مصطفى باطلاق رشقات متتالية من الصواريخ على المستعمرات الاسرائيلية وراء الخط الاخضر، ثم يجيء عدم الالتزام الاسرائيلي الصريح، والرسمي، والذي لا يتجاوز الحديث عن ان الجانب الاسرائيلي لن يفعل اكثر من مقابلة التهدئة بتهدئة، دون التزام بأي شيء آخر، وهذا لا يهبط بسقف الصفقة وحسب من تهدئة مقابل رفع الحصار، الى تهدئة مقابل تهدئة، لكنه ايضاً ينزع من حماس ما تسعى اليه من هدف سياسي، وهو الاعتراف بها كطرف مسؤول عن قطاع غزة، وكعضو سياسي في معادلة الحضور الاقليمي. صحيح ان التوصل الى اتفاق على اساس التهدئة مقابل رفع الحصار، كما يجري الآن بين قوى القطاع بقيادة حماس، والجانب الاسرائيلي عبر مصر، يُخرج من الدائرة الطرف الرسمي او الجانب الرسمي الفلسطيني، الا ان تعثر العملية يظهر مدى التحكم الاسرائيلي المبني على اساس الاستثمار الكامل لحالة الشقاق الفلسطيني الداخلي، خاصة أن حديث التهدئة لا يشمل -كما هو معلن من جانب حماس- صفقة تبادل الاسرى، وهذا يعتبر احتياطياً تكتيكياً، يمثل ورقة ضغط اضافية لدى الجانب الاسرائيلي. وهكذا تجيء التطورات والاجراءات الاسرائيلية اليومية الميدانية لتؤكد عجز غزة عن التوصل الى اتفاق حول التهدئة مقابل رفع الحصار مع اسرائيل، في الوقت الذي تعجز فيه رام الله عن تحقيق السلام القائم على اساس انهاء احتلال الضفة الغربية وإقامة الدولة المستقلة فيها. تكاد اذاً تنعدم الضغوط الكافية واللازمة، إن كان من قبل الاميركيين وإدارة الرئيس بوش على اولمرت حتى يستجيب الى مطلب اطلاق العملية التفاوضية التي تصل بالاطراف الى حل الدولتين، او من قبل المقاومة او حتى المصريين ليقبل بتهدئة مقابل رفع الحصار وفتح المعابر، وهكذا ستبقى، طالما بقي الانقسام الداخلي قائماً، غزة رهينة الحصار والضفة رهينة الاحتلال، وبانتظار ما هو اسوأ، نقصد حسماً اقليمياً لصراع دائر في اكثر من مكان بالشرق الاوسط حتى تفرض اسرائيل، ربما وبشكل نهائي حلاً للمطالبة الفلسطينية الدائمة والمستمرة منذ ستين عاماً بالعودة والحرية والاستقلال. ذلك انه اذا لم يكن باستطاعة الفلسطينيين، الذين يشربون الآن من الكأس المر، كأس الانقسام، ومعارضة بعضهم بعضاً لدرجة تعطيل الحلول، التي يمكن ان تنزع بعضاً من حقوقهم الكبيرة من الأيدي الاسرائيلية، للمرة الثانية، على الاقل، ان يحققوا الآن، اتفاقاً سياسياً يحرر الضفة والقطاع، ويقيم فيهما دولتهم، التي يمكن البحث في مضمونها وفي كيفية توزيع السلطة فيها، حتى لو كان ذلك على شكل كونفدرالي، فإنهم سيواجهون الاحتمال الاسوأ، وهو ان يكونوا ضحية اتفاق اقليمي، قد يكون درءاً لحرب اقليمية، او حتى نتيجة لها. مثل هذا الاحتمال، قد لا يكون ضرباً من الخيال او شكلاً من اشكال التشاؤم. لكنه لا يبدو مستبعداً لمن يقرأ الاوضاع الاقليمية، ومن يستذكر ما كانت عليه المنطقة عشية انتهاء الحرب العالمية الاولى، حين تلازم وعد بلفور المشؤوم، مع ترتيبات صفقة سايكس / بيكو، بين القوتين الامبرياليتين في ذلك الوقت، وهكذا قد يعيد التاريخ نفسه، ليس بالضرورة على الصورة ذاتها، ولكن على صورة قد تكون قريبة او مشابهة. عن صحيفة الايام الفلسطينية 29/4/2008