على هامش التهدئة وتبادل الأسرى هاني المصري بعد اتفاق التهدئة الذي عقدته اسرائيل مع "حماس"، تم الإعلان عن الاتفاق على صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل وحزب الله، في الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات بين "حماس" وإسرائيل من أجل الاتفاق على رفع الحصار بشكل كلي وإتمام صفقة تبادل الأسرى التي من المتوقع أن تشمل جلعاد شاليت مقابل إطلاق سراح المئات من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. التهدئة في غزة وإطلاق سراح الأسرى مع حزب الله وما سيليه مع "حماس"، يدل على أن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة والضغط والمصالح أما المفاوضات والمناشدات والتمنيات فلا تجدي شيئا ولا تسمن ولا تغني من جوع. وأفضل مثال لإثبات ذلك هو أن حكومة الرئيس أبو مازن برئاسة سلام فياض المعتدلة والمعتمدة على أسلوب المفاوضات كأسلوب وحيد لحل الصراع، والملتزمة حتى النخاع بتطبيق الالتزامات الفلسطينية في خارطة الطريق دون اشتراط التبادلية، والتي ترتبط بعلاقات أكثر من جيدة مع الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا، ومع كل أصدقاء وحلفاء اسرائيل، لم تتحمل اسرائيل قيامها بإرسال رسالة للاتحاد الأوروبي تطالبه فيها بعدم رفع مستوى العلاقات بينه وبين اسرائيل ما دامت لا تلتزم بمقتضيات عملية السلام وتواصل العدوان والاستيطان وخلق الحقائق على الأرض، مما يثبت أن حكومة سلام فياض الشرعية لا تحظى بمعاملة أكثر ما تحظى به "حكومة حماس" التي تسمى متطرفة وإرهابية. بل الاتفاق على التهدئة، وإمكانية رفع الحصار وإتمام صفقة تبادل الأسرى مع "حماس" تدل على أن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة. قد يقول قائل إن اسرائيل تدعم التطرف لأنه يعمق الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني ويجعل اسرائيل قادرة على محاربته وهزيمته بسهولة أكبر من هزيمة الاعتدال وهذا صحيح لكن نسبيا. فإسرائيل لم تتراجع إلا تحت ضغط القوة والمصالح وجراء الخشية من الخسارة. فالاحتلال ضد "فتح" و"حماس" وضد كل الفلسطينيين معتدلين ومتطرفين لأن أهدافه توسعية استيطانية استعمارية اجلائية تطال الجميع. ولكن الاحتلال يسعى لبث الفتنة في صفوف الفلسطينيين. ويغذي الفرقة والانقسام بينهم. ويضرب "فتح" حينا و"حماس" حينا، ولكنه يريد دائما طرد الفلسطينيين وطمس حقوقهم ومصادرة حاضرهم ومستقبلهم. كل الاعتدال الفلسطيني لم يستطع سوى الإفراج عن معتقلين أنهوا معظم محكومياتهم، ولم يزل حاجزا واحدا ولم يمنع العدوان والاستيطان والجدار والاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات اليومية، لقد زادت الحواجز بعد مؤتمر أنابوليس واستئناف المفاوضات، وتضاعفت معدلات الاستيطان أكثر من 11 ضعفا. فإسرائيل ليس لديها ما تخشاه ما دامت اللقاءات على مستوى القمة الفلسطينية الإسرائيلية مستمرة، وما دامت المفاوضات الجدية والمعمقة متواصلة لدرجة، حسبما يقال إنها وصلت الى ما وصلت إليه المفاوضات في طابا عام 2001، بل والى ما بعد طابا، دون أن نلمس شيئا، لا على الأرض و لا على صعيد الاتفاق على القضايا التفاوضية الأساسية، بل على العكس اسرائيل تتصرف على أساس أن قضية اللاجئين سقطت عمليا من أجندة التفاوض، والقدس جارٍ إسقاطها، والكتل الاستيطانية حقائق أقامتها اسرائيل منذ احتلالها عام 1967 وحتى الآن، ويجب أن تؤخذ بالحسبان عند إقرار الحل النهائي كما جاء في ورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل التي منحها بوش لشارون عام 2004. قلت لإسرائيلي كان مسؤولا في السابق، إن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة والدليل أنها عقدت التهدئة مع "حماس" في غزة رغم أنها تضربها بالصواريخ والقذائف ولم تعقد تهدئة مع السلطة في الضفة رغم أنها لا تقصف اسرائيل بالصواريخ والقذائف، بل المستوطنون هم من قصفوا مؤخرا، وللمرة الثانية قرية بورين بالصواريخ، والحكومة الإسرائيلية صعدت من عمليات الاغتيالات والاقتحامات والاعتقالات بعد التهدئة في غزة للتأكيد على فصل الضفة عن غزة. لم يجد الإسرائيلي ردا على كلامي هذا سوى الابتسام، لأن الرسالة التي ترسلها اسرائيل للفلسطينيين واضحة إذا أردتم شيئا من اسرائيل عليكم أن تستخدموا القوة. إذا أردتم التهدئة في الضفة عليكم أن تطلقوا صواريخ على اسرائيل. طبعا أنا رغم إيماني العميق بحق الشعب الفلسطيني المقدس بمقاومة الاحتلال بكافة الأشكال، لا أدعو لإطلاق الصواريخ من الضفة على اسرائيل لأن خسائرها أكبر من أرباحها، ولأنها ليست الأسلوب الناجح للمقاومة ولأن اسرائيل ليست هي التي تحدد جدول أعمالنا وأشكال نضالنا. لكن أدعو لأخذ العبرة والدروس مما جرى سواء منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي عندما لم تعقد اسرائيل سلاما مع مصر إلا بعد حرب تشرين، ولم تنسحب من جنوب لبنان عام 2000 إلا بعد تصاعد ضربات المقاومة اللبنانية، ولم تعقد اتفاق اوسلو (رغم كل ويلاته) إلا بعد الانتفاضة الشعبية الأولى، ولم تطلق سراح الأسرى إلا ضمن صفقة تبادل الأسرى، كما تذعن اسرائيل حاليا بعد اتفاق التهدئة في غزة وصفقة تبادل الأسرى مع حزب الله. يجب علينا استخدام اللغة التي يفهمها العالم حاليا في عصر العولمة، لغة المصالح، واللغة التي يفهمها الاحتلال لغة المقاومة وهذه اللغة هي وحدها القادرة على شق الطريق التي يمكن أن تؤدي الى تحقيق الأهداف والمصالح والحقوق الفلسطينية. ويمكن أن تكون المقاومة، ويجب أن تكون المقاومة مثمرة ذات جدوى قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، ولكن بدون مقاومة لن يدحر الاحتلال فالمفاوضات وحدها، في ظل موازين القوى القائمة والمختلة بشكل كبير لصالح الاحتلال بدون مقاومة، ستكون في أحسن الأحوال مضيعة للوقت، وفي أسوئها مفاوضات عبثية وكارثة وطنية لا تستطيع سوى أن تمهد لكارثة أسوأ منها!! عن صحيفة الوطن العمانية 5/7/2008