وجد أهالى غزة أنفسهم بعد الحرب أمام معادلات صعبة، وظهرت ملامح تغير مجتمعى وسياسى واضحة، فحتى الآن تبدو معالم الوفاق الوطنى الفلسطينى حتى بعد فوز اليمين الإسرائيلى المتطرف فى الانتخابات غير واضحة، رغم تأكيد حركتى فتح وحماس عزمهما على إنجاح الجهود المصرية للتهدئة والمصالحة واتفاقهما على وقف الحملات الإعلامية بينهما، وإقرار صيغ وآليات لإنهاء ملف الاعتقالات والمؤسسات الأهلية والتجاوزات فى الضفة والقطاع لتوفير البيئة الملائمة لنجاح الحوارات المزمع عقدها فى القاهرة. المسائل العالقة مازالت محور تجاذبات سياسية بين أطراف المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية المصرية، فإسرائيل مازالت ترفض فتح المعابر إلا بعد إطلاق سراح الجندى الأسير جلعاد شاليط، وحماس تريد معرفة نسبة العشرين بالمائة التى تحول دون تشغيل المعابر على مصراعيها، وتتمسك إسرائيل بها كشرط فى مقابل إطلاق الجندى الأسير فى غزة، خاصة أن حركة حماس تربط التوصل إلى تهدئة مع إسرائيل بفتح المعابر ورفع الحصار، بينما مصر ترى أن فتح المعبر الحدوى الوحيد لقطاع غزة مع العالم الخارجى مرتبط بالمصالحة الفلسطينية، وبتشكيل حكومة توافق وطنى. مصر من جانبها تسعى حثيثًا لعودة الفصائل الفلسطينية إلى مائدة الحوار الوطنى وإنجاز ملف التهدئة، وتتوقع إبرام صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس قبل مغادرة إيهود أولمرت رئاسة الوزراء فى إسرائيل وتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وذلك فى إطار صفقة تقودها مصر مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين، إذ لم يعد هناك خيار آخر لدى إسرائيل سوى إبرام هذه الصفقة، رغم تعويل إسرائيل على جهود دولية أخرى غير مصر من أجل إطلاق شاليط، إلا أن كل هذه الاتصالات لم تثمر نتيجة إيجابية. وفى هذا الإطار فإن الاجتماعات واللقاءات التى تعقدها حركتا فتح وحماس فى القاهرة منذ ثلاثة أسابيع يبدو أنها لم تذهب هباء، فقد تم الاتفاق خلالها على فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الحركتين بعد ما شهدته من اتهامات متبادلة عنيفة، خاصة بعد الحرب وعودة الصراع بينهما إلى المربع الأول، وبالذات فى شأن إعادة إعمار غزة. هذا التوافق بدأت أطراف الصراع تداركه من أجل إعادة وحدة الصف الفلسطينى لمواجهة التحديات التى تمر بها القضية الفلسطينية، وعلى نحو مشابه فإن هناك تقدمًا واضحًا أراد المتحاورون أن يكون على قائمة الأولويات والبحث، يأتى على رأسه ملف الاعتقال السياسى وضرورة إنهاء هذا الملف فورًا، وتناول جميع الخلافات بما فيها التحريض الإعلامى ووقف الحملات الإعلامية وتغيير لغة الخطاب بينهما، بالإضافة إلى موضوع الإعمار وعمل اللجان الست التى تمت تسميتها لتولى إنهاء جميع الملفات العالقة، وهى لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، ولجنة الإعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولجنة إعادة بناء الأجهزة الأمنية، ولجنة الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولجنة المصالحة الداخلية، بالإضافة إلى اللجنة السادسة التى تم التوافق عليها وهى لجنة من المسؤولين المصريين وجامعة الدول العربية، التى ستكون مهامها التدخل فى حال تعثر عمل إحدى اللجان الخمس بالضغط وحل القضايا التى تتعثر أمامها، وهى فى مجملها لجان لبحث ملفات غاية فى الأهمية، وكانت محور خلافات وصراعات دائمة بين الأطراف الفلسطينية خاصة حركتى فتح وحماس. لكن تظل هناك أربع مشاكل تعترض التوصل إلى اتفاق التهدئة أمام مصر وهى إطلاق الصواريخ، وإقامة منطقة عازلة بين غزة وإسرائيل، وتعهد من حماس باحترام التهدئة ووقف تهريب السلاح، الأمر الذى أبدت حركة حماس تحفظات حياله، خاصة قضيتى المنطقة العازلة التى تطالب بها إسرائيل فى غزة، والتعهد بمنع تهريب السلاح، إذ إن المطالبة بمنطقة عازلة فى غزة يعنى أنه احتلال جديد، وهذا بكل تأكيد مرفوض لدى حماس، أما موضوع منع إدخال السلاح إلى غزة، فهذه مسألة فشلت فيها جميع الأطراف، فلا يمكن لحماس أن تلتزم بما فشل فيه الجميع، كما أن التهدئة التى ستبرمها حركة حماس مع إسرائيل هى تهدئة مؤقتة ومحددة ب 18 شهرًا، ولا يمكن أن تقبل حماس بأن تكون التهدئة مدخلاً لمصادرة حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة كما تقول. وفيما تعلن حركة حماس أنها لن تتعهد بوقف التهريب ولن توافق على إغلاق رفح ولن تقبل بمنطقة عازلة، وأنه لا علاقة لشاليط بالأمر، وأن التهدئة ستوقع بناء على ذلك، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن هناك تفاهمات أخرى سرية، ورجحت مصادر فلسطينية أن تكون كل من حماس وإسرائيل قد فسرت الأنفاق بطريقة مختلفة وقد ساعدت مصر على ذلك لتثبيت وقف النار!! وفى النهاية هل ينصاع الفرقاء لرغبة الشعب الفلسطينى الذى ضحى بالغالى والنفيس لإنقاذه من الضياع والجوع والحصار؟!