لماذا تريد أميركا استدامة احتلال العراق؟ جواد البشيتي لماذا غزت الولاياتالمتحدة العراق واحتلته؟ السؤال قديم قدم هذا الحدث التاريخي، ولكن ليس من سؤال مُسِخت إجابته وشوِّهت، بألسنة وأقلام ممثلي المصالح والأهداف الحقيقية لهذه الحرب المستمرة حتى الآن، أكثر من هذا السؤال، فالنطق بالحقيقة لن ينزل برداً وسلاماً عليهم وعلى حربهم. ثمَّ تولَّى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إجابة هذا السؤال، ناطقاً ببعض من الحقيقة، إذ زار بروكسل، سعياً إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي على تزويده نفطا، وكذلك غازا عبر أنبوب «نابوكو (3300 كلم)»، الذي سيبدأ إنشاؤه سنة 2010، ويصبح جاهزا للتشغيل سنة 2013 ولا شك في أن هذا الأنبوب سيُكسِب تركيا، في المقام الأول، مزيداً من الأهمية الاستراتيجية في الأمن الطاقي للاتحاد الأوروبي، الذي تلبي له روسيا ربع احتياجاته من الغاز، والتي تقوم، في الوقت نفسه، بإنشاء خط منافس لينقل الغاز الروسي من البحر الأسود إلى إيطاليا، مروراً بصربيا وبلغاريا، وقد ينتهي العمل به قبل خط «نابوكو». أمَّا ما يشدِّد الحاجة لدى الاتحاد الأوروبي إلى نفط العراق وغازه فيكمن في أمرين: ارتفاع منسوب الخوف الأوروبي من ميل روسيا إلى استخدام الغاز الذي تنقله إلى أوروبا سلاحاً للضغط السياسي الاستراتيجي، فالضعف الاستراتيجي العام لروسيا يغريها بذلك، وهذا الارتفاع الذي لم يسبق له مثيل في أسعار النفط عالمياً، والذي يتهدد الاقتصاد الأوروبي. والعراق هو آخر بئر نفطية يُتوقَّع نفاده في العالم، فهو يملك من الاحتياط النفطي المؤكَّد نحو 115 بليون برميل، كما أنَّ كلفة استخراج برميل النفط العراقي هي الأقل عالمياً. واليوم، على وجه الخصوص، يدرك الاتحاد الأوروبي المخاطر الاقتصادية التي يمكن أن يتعرَّض لها من هذا الاجتماع بين انهيار سعر صرف الدولار في مقابل اليورو والارتفاع غير المسبوق في سعر برميل النفط، فبضائعه تتراجع قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية بسبب «غلائها» الذي تسبَّب به ضعف الدولار، أو سياسة إضعاف الدولار، كما أنَّ ارتفاع سعر النفط يزيد طين اقتصاده بلة. ومع أن هذا الارتفاع الهائل في أسعار النفط يمكن ويجب أن يشدِّد الحاجة لدى الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص إلى تطوير بدائل من هذا المصدر للطاقة، والذي يزداد تحكُّم الولاياتالمتحدة فيه على الصعيد العالمي، فإننا لم نرَ حتى الآن ما يشير إلى قرب التوصل إلى بديل طاقي يمكن أن يجعل الاقتصاد الأوروبي، وغيره، أقل تبعية للمصدر النفطي، أو أكثر استقلالا عنه، ولا شك في أن وجود مصلحة قوية في استمرار هذا الإخفاق هو من بين أهم الأسباب لبقاء الطاقة النفطية في منزلة «حجر سنمار» بالنسبة إلى القلعة الأوروبية (الاقتصادية). إننا نعلم أنَّ الولاياتالمتحدة، المستهلك النفطي الأكبر في العالم، والملوِّث الأكبر، بالتالي، للبيئة العالمية، قد فقدت استقلالها النفطي، فاستيرادها النفطي يزداد ويتعاظم، وهي التي كانت لا تستورد شيئاً من النفط، وعمَّا قريب ستغدو مضطرة إلى استيراد كل نقطة نفط تستهلك. والولاياتالمتحدة، بخلاف سائر دول العالم، هي الدولة الوحيدة في العالم التي في مقدورها أن تستمر في شراء النفط من الخارج مهما ارتفع سعره، ما دام مقوَّما بالدولار، الذي في مقدورها أن تطبع منه الكمية التي تشاء. وقبل أن تغزو العراق وتحتله، حاولت الولاياتالمتحدة، العاجزة لأسباب موضوعية عن نقل آبار وحقول واحتياطات النفط في منطقة الخليج إلى أراضيها، أن تقنع الدول المنتجة هناك بفكرة «استئجار النفط» كما يُسْتأجر العقار. وملخَّص هذه الفكرة هو أن تُنتِج بعض الدول الخليجية كميات من النفط تفيض عن حاجة السوق، فتُنقل إلى أراضي الولاياتالمتحدة، لتخزَّن فيها، دافعةً إلى هذه الدول، التي تملك قانوناً هذا النفط المخزَّن، أموالاً على شكل «إيجار». لقد استعصى تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة واقعة فكان الخيار الأفضل هو أن ترسل الولاياتالمتحدة جيشها لاحتلال العراق، والسيطرة على ثروته النفطية الهائلة، التي يمكنها أن تستخدم سيطرتها عليها سلاحاً استراتيجياً في سعيها إلى إبقاء الأوروبيين، على وجه الخصوص، خاضعين لتأثيرها، فضلاً عن تأمين إمداداتها النفطية هي. وفي مقابل زيادة اعتماد الاتحاد الأوروبي على نفط العراق وغازه، وتقليل اعتماده على الغاز الروسي، ينبغي للأوروبيين أن يساهموا مساهمة كبيرة في إصلاح وإعادة بناء قطاع النفط العراقي، بالمال والتكنولوجيا والخبرة. وينبغي لهم أيضاً أن يقبلوا الآن وجوداً عسكرياً لحلف الأطلسي في العراق، الذي يوشك أن يبرم مع الولاياتالمتحدة اتفاقية استراتيجية تسمح لها بالاحتفاظ بوجود عسكري استراتيجي دائم في هذا البلد، يشبه وجودها العسكري في اليابان، أو كوريا الجنوبية، أو ألمانيا، فهذا هو المعنى الوحيد لدى الولاياتالمتحدة لإنهاء احتلالها للعراق، الذي ينبغي له الآن أن يقرَّ على جناح السرعة قانون النفط والغاز، فإقراره هو الشرط الذي لا غنى عنه لعقد هذه الصفقة الطاقية الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة عبر حكومة المالكي، كما ينبغي لحكومة المالكي أن تبسط سيطرتها العسكرية والأمنية التامة على قطاع النفط في جنوب العراق، وفي منطقة البصرة على وجه الخصوص، فعقد تلك الصفقة يتنافى مع وجود لصوص نفطيين صغار هناك. ويكفي أن تشتد حاجة الاتحاد الأوروبي إلى عقد هذه الصفقة حتى يصبح أكثر ميلاً إلى تأييد سعي الولاياتالمتحدة إلى إقامة الدرع المضادة للصواريخ في بولندا وتشيكيا، والتي تتهدد الأمن القومي لروسيا، وإلى توسيع حلف الأطلسي شرقاً على الرغم من اعتراض روسيا القوي على ذلك، وإلى الاحتفاظ بوجود عسكري استراتيجي دائم في العراق مع تأسيس وجود عسكري لحلف الأطلسي فيه، فليس من المنطق في شيء أن يوظِّف الأوروبيون أموالاً طائلة في إصلاح وإعادة بناء قطاع النفط العراقي، وأن يجعلوا اقتصادهم في تبعية لمصدر الطاقة النفطية العراقي الذي تسيطر عليه الولاياتالمتحدة، من غير أن يطمئنوا إلى أنَّ العراق محمي جيدا من حلف الأطلسي والمارينز، ومن غير أن يطمئنوا، أيضاً، إلى أنَّ إيران لن تكون قادرة على الإساءة إلى مصالحهم الاستراتيجية الجديدة هناك. في بروكسل، اعترفت الولاياتالمتحدة اعترافا غير مباشِر بسببٍ من أهم الأسباب الحقيقية لغزوها العراق واحتلاله، ولإصرارها على البقاء فيه، وللقتال حتى النهاية دفاعاً عن هذا البقاء، وكأنَّها تقاتل دفاعاً عن إحدى أهم ولاياتها. عن صحيفة الوطن القطرية 21/4/2008