حي الانفوشي .. شقيقتي و د. عاطف صدقي د. فاروق حسني أستيقظت من نومي في التاسعة وهي عادة لازمتني طويلاً حتي عام 1985 م وقبل ان اتولي منصبي كوزير للثقافة بتكليف من رئيس الوزراء الاسبق - الراحل الكبير - د. عاطف صدقي الذي كان له دور كبير في منصيبي أو اختياري وزيراًُ لثقافة مصر . المهم والرائع في هذه المرحلة انه مع انتهاء مرحلة وجودي في الاكاديمية المصرية للفنون بروما ومن قبلها وبعدها منصبي القيادي بمعهد العالم العربي بباريس لم تنقطع النصائح ولا التوصيات من قبل شقيقتي التي كانت تتصل بي اسبوعيا وتتحدث معي بالساعات عن ادق التفاصيل مما قابلت في اخر زياراتها لمعارض الفنون لاحدثها انا عن ولعي وفتنتي بالمتاحف وطرز العمارة وميكانيزمات بناء الطرز المعمارية في قصور وحدائق روما وباريس لتعقب علي حديثي المشدوه " شوف كل شيئ بتأني " لتري كيف ستفعل بما رأيت في مصر بعد عودتها . كنت اضحك واخذ كلامها علي سبيل التشجيع وانصت لمغزي كلماتها لتفاجئني بالقول : حلمت بك - شاهدتك في رؤيا في نومي ليلة امس وانت تسير في ركاب العشرات الهامة في حي المعز لدين الله الفاطمي وقد اشرت بأصبعك السبابة جهة احد الجدران العتيقة اظنه اثراً قديما مملوكياً ... ستصبح وزيراً للفن في مصر . صدقني يا فاروق هذا هو تفسيري للحلم الذي رأيته امس الاول - طنط هانم فسرت لي الحلم علي هذا النحو ؟! ايام قليلة او اسابيع وعدت لمصر في اجازة قصيرة فقابلت د. عاطف صدقي الذي كنت قابلته في " باريس " وروما كثيرا . رشحني للرئيس محمد حسني مبارك مع توليه التشكيل الوزاري منتصف عام 1986م وصدقت رؤيا الشقيقة وصار الحلم حقيقة .. كثيرون قابلتهم في سكة الحياة .. حياتي العلمية والعملية في الفنون وممارسة الابداع رسماً وقراءة وتشكيلا ومنهجاً .. لحظتها بكيت مع اول دعوة لحلف اليمين الوزاري . تذكرت شقيقتي البعيدة القريبة . بعيدة عن مكاني . قريبة لفؤادي وروحي ونفسي - من هنا أدركت قيمة دور المرأة عندما تحب - شقيقة كانت ام صديقة اما او اختاً ورفيقة درب في الحياة ؟! يالها من رحلة في دروب العمر . كان عام 1960 ميلادية محطة فارقة ففيه فكرت في الهجرة للتزود بالعلم والبحث عن خلاص للمعاناة عن طريق تبني مشروع انساني حيوي خلاق . ساعدت ظروف المرحلة الناصرية بوهجها علي استكماله وتأكيده .. والان اسال نفسي بعدما توارت السنون . من يغفل عطاءات البشر الحقيقيين في رحلة حصاده لثمار الدأب والمعاناة . وبدء الحلم في الخيال - نعم شقيقتي والراحل العزيز أ .د . عاطف صدقي لهما الفضل الاكبر في وصولي لما انا فيه الان من مجد وتوصل رحن الله استاذي ومعلمي رئيس الوزراء الاسبق د. عاطف صدقي وشقيقتي الكبري التي ما زالت علي عطائها سائرة علي درب الكرم بفيوض من حنان اسري نادر وجوده في هذا الزمان الصعب . بت الان اطل خلفي في نشوة تغمرني ليل نهار .. اين هذه السلوكيات وتلك العطاءات بلا ثمن في زمني هذا الذي اتحسر فيه علي مجد حقيقي ذهب دون رجعة لتغير الكينونة البشرية واتجاه الفرد الي الوحدوية بشكل اناني . عفواً سيدتي القارئة .. سيدي القارئ . فالانسجام لا تصنعه الصدفة . ولكن تأتي به الاقدار لمن هم اقدر عليه واستيعابه وفهم مغزي الاشارات الالهية . نعم ما زلت اذكر جنبات " الانفوشي " ونافذه من الارابيسك المعشق تطل بي ومن فرجات متسعة علي جدران مطلية بطبقات زيتية تصبغ الارضيات التي تفرشها الازهار والورود المرسومة بدقة . اطل . ويطل الصبي الشاب فاروق حسني ابن فترة الستينات رباية العهد الناصري بحلمه الكبير . لترشق نظرات الدهشة الي العابرين من امامي في صمت .. بترجلون علي الاقدام الزمن امامهم والاحلام تسبقهم وانا داخل شرفاتي احلم بالهجرة وطيران الحلم بعيداً عن الارض التي احيا عليها والتي صارت الان بعيدة تغوص فيها اقدامي في زمن السرعة والبرد ؟! عن صحيفة سيدتي 19/4/2008