وفاة بشير صديق شيخ القراء في المسجد النبوي عن عمر ناهز 90 عاما    تطور جديد في أسعار الذهب بعد موجة الصعود القياسي بسبب الإغلاق الأمريكي    على خطى حماس، تلميح غامض من الجهاد الإسلامي بشأن خطة ترامب في غزة    بهدفين لا أجمل ولا أروع، المغرب يضرب البرازيل ويتأهل لثمن نهائي مونديال الشباب (فيديو)    ترتيب مجموعة منتخب المغرب بعد الفوز على البرازيل في مونديال الشباب    بعد بلاغ الأم، القبض على المدرس المتهم بالتحرش بتلميذ داخل مدرسة بالهرم    غلق وتشميع مقاهي ومحال مخالفة في حملة إشغالات مكبرة بالطالبية    بعد استبعاد المصريين، تركي آل الشيخ عن موسم الرياض: مفتوح للجميع على حسب احتياجنا نحن    شركة مايكروسوفت تطلق "وضع الوكيل الذكي" في 365 كوبايلوت    ترامب: على الجمهوريين استغلال فرصة الإغلاق الحكومي للتخلص من "الفاسدين لتوفير المليارات"    المسرح المتنقل يواصل فعالياته بقرية نزلة أسطال بالمنيا    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    بلاغ أم يقود لضبط مدرس متهم بالاعتداء على طفل فى الأهرام    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 يصل لأعلى مستوى وعيار 21 الآن بالمصنعية    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    مدير مستشفى معهد ناصر: نستقبل مليوني مريض سنويًا في مختلف التخصصات الطبية.    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    النائب العام يلتقي أعضاء إدارة التفتيش القضائي للنيابة العامة.. صور    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    شهادة صحفي على مأساة أفغانستان الممتدة.. جون لي أندرسون يروي أربعة عقود في قلب عواصف كابول    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    انقطاع مؤقت للاتصالات قرب المتحف المصري الكبير.. فجر الخميس    هيئة مستقلة للمحتوى الرقمي ورقابة بضمانات.. 4 خبراء يضعون روشتة للتعامل مع «البلوجرز» (خاص)    ارتفاع أسعار الذهب في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 2-10-2025    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدوتة أبلة فضيلة‏:‏ أتاتورك استعان بالأطفال لحل مشاكل تركيا‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2010

هل يمكنني أن أضيف شيئا لكلمات الروائي المبدع خيري شلبي‏,‏ والتي وصف فيها أبلة فضيلة بأنها صاحبة الصوت الرءوم‏,‏ وأن الإنسان لابد أن يقع أسيرا لحبها‏,‏ لابد أن يدمنها‏.‏ ونحن نؤكد أن أبلة فضيلة تختزل ستون عاما من الحكي والعطاء والإصرار والدأب تغزل بصوتها المتميز النبرة عوالم سحرية يرتحل إليها الكبار قبل الأطفال في برنامجها غنوة وحدوتة بحثا عن لحظة صدق وأصالة تستقطرها من أفواه أبطالها‏:‏ عم الحطاب والفلاح والرجل العجوز والأسد الهصور‏,‏ والأرنب البري‏,‏ وكيف تمكن الفأر من القطة‏,‏ وعضها بالرغم من أن قانون الطبيعة يسمح لها بأكله لأنها قطة كاذبة‏..‏ حكايات الصغار التي تترك أثرا لا يمحي كالوشم في نفوس الكبار‏,‏ وتستدعي الذاكرة والموقف تلك القصة التي رواها لي الأستاذ أمين هويدي رحمه الله أثناء حواري معه‏..‏ حيث أفصح عن حكايته التي لا تنسي‏,‏ فبالرغم من المصاعب التي عايشها بحكم مناصبه كمدير للمخابرات العامة‏,‏ ووزير للحربية‏,‏ فإنه كان لا يخشي شيئا في حياته ولا الموت نفسه قدر خوفه من‏(‏ الفأر‏)‏ فترة الطفولة ذلك الصندوق الأسود الذي يكتنز الكثير من شفرات حياتنا‏..‏ وهذا ما فطنت إليه أبلة فضيلة أكبر طفلة في الإذاعة المصرية‏,‏ المقتدرة دوما ببلاغتها وتجسيدها للقصة بأداء له مذاق التراث من الصعب أن يتكرر وصفت نفسها بأنها بنت الجيران أي من يشعر المستمعون بأنها من نفس بيئتهم تجاورهم نفسيا‏..‏ صوتها المعبر البليغ يمس شغاف القلب ويحرض علي التفرغ التام‏,‏ فالصوت هو مرآة القلب‏,‏ أبلة فضيلة في عذوبة الماء الرقراق بالرغم من سلاسته وشفافيته‏,‏ فهو يحتفظ بأعماقه الغائرة‏..‏ لا تجزع أبدا من الشر فالخير آت لا محالة‏,‏ أنها الحدوتة التي تعلمنا فن الحياة‏.‏
حدوتة أبلة فضيلة الخاصة من أين تبدأ؟ وما الينابيع التي فجرت هذه الموهبة في الحكي والتحليق في عالم الأطفال السحري؟
بابتسامة عذبة تجيب‏:‏ والدتي وجدي كانا يقصان حواديت مازالت عالقة بذاكرتي‏..‏ وقد حرص جدي شأن معظم أبناء جيلنا علي تحفيظ القرآن الكريم لاحفاده والقرآن يزخر بأحسن القصص كما تقول الآية الكريمة‏,‏ أما الموهبة فيبدو أنها بدأت من شغفي بجمع أبناء الجيران ساعة الظهيرة حين كان يأخذ الكبار نصيبهم من الراحة والنوم‏..‏ وكنت استشعر الشوق في عيون الأولاد لسماع قصة جديدة من قصصي‏,‏ فيما يتعلق بنشأتي‏,‏ فوالدتي كانت سيدة تركية غاية في الطيبة والحنان‏..‏ وفي غاية القوة والحزم في آن كانت من فرط دماثتها تخاطب الزبال مسبوقا بكلمة‏'‏ حضرتك‏'‏ وحين كنا نلومها ترد علينا قائلة‏:‏ إنه رجل شريف يتقن عمله فهو يستحق الإحترام لأنه يحترم نفسه لكنها كانت في منتهي الحزم أيضا‏..‏ ولا تتواني عن تفتيش حقيبتي المدرسية فإذا وجدت قلما لا يخصني تسألني عن مصدره فإذا اخبرتها أنني اخذته لأنه ليس له صاحب تقول لي‏:‏ أنت هكذا تصبحين حرامية‏..‏ لابد أن له صاحبا‏,‏ تصمت أبلة فضيلة لحظة وتستطرد قائلة‏:‏ احيانا يسألني الأطفال لماذا يا أبلة فضيلة نسمع عن رجل أعمال غني وحرامي وليه هو حرامي مع أنه غني أقول لهم لأنه لم يترب يا أولاد‏,‏ كان يأخذ أشياء صغيرة ليست ملكه ولم يجد من يقول له هذا عيب أو خطأ بل ربما قالت له والدته‏:‏ شاطر ياواد‏!!‏
فيما يتعلق بالأشقاء فنحن ثلاث بنات أختي الأصغر الفنانة محسنة توفيق وشقيقة أخري مغنية‏(‏ سوبرانو‏)‏ في الإذاعة الإيطالية وشقيق واحد دخلت مثله كلية الحقوق بدون رغبتي لكن ازامله وفقا لرغبة الأهل لأن الحقوق كانت من وجهة نظرهم كلية الوزراء وكان من دفعتي د‏.‏ عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق رحمه الله ود‏.‏ فتحي سرور ود‏.‏ أسامة الباز واذكر أن د‏.‏ عاطف صدقي كان دائما يتوقع بعض الأسئلة ويحثنا علي التركيز عليها وبالفعل كنا نفاجأ بها في الإمتحان وكانت ولا تزال تربطني بأسامة الباز علاقة خاصة جدا فهو زميل دراسة وصديق عمر بداخله طفل في غاية النقاء وكانت والدته تسمعني في الإذاعة وتحكي لي بعض الحكايات لكي احكيها للأطفال في البرنامج‏.‏
كيف ألتحقت بالإذاعة‏,‏ فالمسافة بعيدة للغاية بين دراسة القانون وتقديم حواديت للأطفال؟
بالفعل ولكن شاءت الأقدار أن تلعب دورا رئيسيا في بداية حياتي حيث تخرجت عام‏1951‏ واختارني استاذي حامد باشا زكي للعمل معه في مكتب المحاماة وكان وزيرا للمواصلات في نفس الوقت ولم أمكث في مهنة المحاماة إلا يوما واحدا لأنني ببساطة حاولت أن أصلح بين الخصوم في القضية التي شاركت فيها‏..‏ ونقل أحد الزملاء الصورة للوزير فعاتبني قائلا‏:‏ مهنتنا تعتمد بصفة أساسية علي الخلافات بين الناس فكيف نسويها بينهم؟ أنت لا تصلحين لهذا العمل ومن الأفضل أن تعملي بالإذاعة وكانت تابعة له بحكم منصبه كوزير مواصلات وكنت سعيدة بهذا الاختيار وشرفت بمقابلة الرائد الإذاعي الكبير‏'‏ بابا شارو‏'‏ وسألني ماذا أريد أن اعمل فقلت مذيعة أطفال‏_‏ فأخبرني أنه يتولي هذا العمل وحده ومكثت ثماني سنوات حتي تهيأ لي القيام بما كنت أحلم به حين انتقل عام‏1959‏ للعمل في التليفزيون لكني كنت قد عينت عام‏1953‏ وأصبحت قارئة للنشرة ونهلت من نبع رواد العمل الإذاعي فكنت ملازمة لبابا شارو وتعلمت من حسني الحديدي كيف أقف وراء الميكروفون ومن يوسف الحطاب تعلمت التمثيل ومن علي خليل وسهير القلماوي ود‏.‏ عبدالعزيز القوصي وعشرات الفطاحل لأنني وجدت نفسي مشدودة بقوة لعالم الأطفال أريد استكمال كل ما ينقصني فدرست في كلية رياض الأطفال وحصلت علي دورات تدريبية لصقل موهبتي‏.‏
ما هو المناخ العام المحيط بحدوتة أبلة فضيلة؟
نشأت في أسرة مصرية تحترم التقاليد كنا نسكن في شارع الملكة نازلي رمسيس حاليا كنت تلميذة في مدرسة الأميرة فريال وكانت الملكة ناريمان التي تزوجها فاروق فيما بعد تلميذة في نفس المدرسة وكانت زميلتي أيضا الفنانة الكبيرة فاتن حمامة وكان والدها‏'‏ حمامة أفندي‏'‏ هو سكرتير المدرسة وفي جامعة فؤاد الأول كنا نحيط زملاءنا الشبان أثناء المظاهرات لأنه كان ممنوعا ضرب البنات من قبل البوليس السياسي في الجامعة‏.‏
علي ذكر البوليس السياسي لماذا سجنت شقيقتك محسنة توفيق في عهد عبد الناصر هل كانت هناك واقعة محددة أم لأنها شيوعية فقط؟
تضحك أبلة فضيلة وحسبت في البداية أنها تسخر من السؤال ولكنها تذكرت تلك الواقعة الطريفة التي حدثت في أكثر المواقف حرجا وتقول‏:‏ حين تم إلقاء القبض علي محسنة في الستينيات كنت حتجنن محسنة إنسانة قوية الشخصية مستقلة كانت تقرأ كتبا عجيبة لا أفهم منها شيئا معظمها عن الفكر الشيوعي وانخرطت في العمل السياسي وكتابة المنشورات فقط لاغير وبذلت أقصي جهدي واتصلت بمعارفي واصدقائي لمعاونتها ونجحت في الوصول لإحدي القيادات في السجن ومن سذاجتي ناقشته لماذا لا يتركون الناس يعبرون عن آرائهم بحرية مثلما تفعل أختي فقال لي‏:‏ هل نتركها‏'‏ تبلشف‏'‏ الناس؟‏!‏ فرددت عليه قائلة‏:‏ طالما أنها أو غيرها من الممكن أن يأثروا علي تفكيرهم فربما تحولوا إلي حرامية أو مجرمين وفي هذه الحالة من الأفضل أن ينشغلوا بالسياسة‏!!‏ فسألني وأنت مذهبك إيه؟ قلت‏:‏ أنا بحب مصر والأطفال فيبدو أنه شعر أنني هبلة وكان في بداية الحديث يعتقد أنني شقيقتها الكبري‏,‏ أي الرأس المدبرة لكل شئ‏,‏ وفجأة القي صورة علي مكتبه واستدار يتحدث في التليفون واعطاني إيحاء أنه لا يراني وبدون أن اشعر مددت يدي وتفحصت الصورة وكانت لسيدة ترتدي ملابس فلاحة فسألني هل تعرفين صاحبة الصورة؟ أجبته أنها سيدة ارستقراطية يبدو ذلك من نظرة عينيها فهي ليست فلاحة ولكنها متخفية فأجاب‏:‏ أنها انجي افلاطون الفنانة التشكيلية الكبيرة وابنة مصممة الأزياء صالحة افلاطون أول سيدة عربية تأخذ حق تصميم موديلات كريستيان ديور ولكني لم أكن أعرف كل ذلك آنذاك فقال لي أنها بسلامتها مشرفة مع اختك في السجن فأجبته أن محسنة والحمد لله لم تتنكر واستمر الكلام بيننا علي هذا المنوال وقضت محسنة ما يقرب من عامين في السجن بسبب السياسة‏.‏
بالرغم من أنها سجنت لكنها كانت تحب عبد الناصر علي حد علمي‏,‏ شأن معظم من سجنوا في عهده لماذا من وجهة نظرك؟
عبد الناصر شخصية غير عادية أيقظ أشياء عديدة داخلنا لا أنسي أول مرة شاهدته في حياتي كان يوما استثنائيا للغاية حيث علمنا في الإذاعة أن عبد الناصر في طريقه إلينا‏..‏ فسألنا الإذاعي الكبير جلال معوض عن السبب فأخبرنا أنه لا يعلم بالرغم من أنه كان مسئولا عن تقديم الكلمة التي تسبق خطب الرئيس في الإذاعة وجاء عبد الناصر يوم التنحي وتجمعنا كلنا خارج الاستوديو نريد رؤيته ومعرفة ما يحدث بالداخل‏,‏ وفجأة خرج جلال معوض وهو يبكي واخبرنا أن الرئيس تنحي ولم تمر ثوان حتي خرج عبد الناصر فقابلناه بعاصفة مدوية بكلمة‏'‏ لا‏..‏ لا‏'‏ وبكاء ونحيب وسددنا الطريق أمامه لا نريده أن ينصرف وفي النهاية حمله الزملاء والعاملون ولم يغادر مبني الإذاعة إلا محمولا علي الأعناق ولا انسي ما حييت الحوار الذي دار بيني وبين جلال معوض فيما بعد‏..‏ فأخبرني أن عبد الناصر حين شاهده في الأستوديو وهو يبكي أثناء القاء خطاب التنحي نظر إليه نظرة واحدة فشعر جلال أن الدموع تحجرت في عينيه في إشارة إلي مدي الهيبة التي كانت يتمتع بها عبد الناصر ونظرات عينيه وهما موطن القوة في وجهه أما الرئيس مبارك فقوته تكمن في طيبته وصبره واحتوائه للجميع اذكر أنني شرفت بالسلام عليه في عيد الإعلاميين في إحدي السنوات فقال للوزير صفوت الشريف‏:‏ أبلة فضيلة عندها نشيد وطني فاستفسر صفوت الشريف من سيادته عنه فقال‏:‏ نشيد يا ولاد‏..‏ يا ولاد‏..‏ وابتسمنا جميعا‏..‏ فالأبوة الحانية في شخصية الرئيس مبارك تتجلي في معظم أعماله والنفس الطيبة تظل كذلك لا تتغير أبدا‏.‏
رفضت العمل بالتليفزيون فما الفرق بالنسبة لك بين الميكروفون والكاميرا كوسيلة إعلامية؟
الميكروفون أكثر صدقا يعكس خلجات النفس فالصدق الذي يتبدي من نبرات الصوت لا يمكن أن يخطئه الإنسان أما الكاميرا فهي تخضع للزوايا التجميلية ولا تعكس كل الحقيقة فهي خادعة في بعض الأحيان أذكر حين توفيت والدتي قبل عيد الأم بأيام قلائل واضطررت للذهاب إلي الاستوديو للإعداد لهذه المناسبة وقمت بالتسجيل ثلاث مرات ثم جاءني مهندس الصوت قائلا‏:‏ يا أبلة التسجيل لا يصلح الشريط صوته بيبكي فالصوت هو مرآة القلب‏.‏
كيف تختارين الحواديت في برنامجك غنوة وحدوتة وما أجمل حدوتة ترسبت في أعماقك؟
حالفني الحظ بالعمل مع كتاب كبار مثل عبد التواب يوسف ونادر أبو الفتوح‏,‏ فالكتابة للطفل ليست امرا سهلا علي الإطلاق‏,‏ وحين استضفت الأديب العالمي نجيب محفوظ في برنامجي وسأله الأولاد لماذا لا تكتب للأطفال أجاب‏:‏ أنه من الصعب جدا أن يكون الإنسان سهلا فالكتابة بسهولة أمر شاق لا يتأتي للجميع ولكنها موهبة حباها الله للبعض ولكن من المؤلم أن كتاب الأطفال كانوا يحصلون علي نصف أجر مقارنة بزملائهم ولكنني جاهدت حتي أحصل لهم علي أجر كامل فالحدوتة من المفترض أنها لتسلية الطفل في المرحلة العمرية التي تسبق دخول المدرسة حيث لا توجد مسئولية والنفوس صافية علي الفطرة من حيث الذكاء والملاحظة ومن خلال الحكي يتشرب الطفل الحكمة والقيم المنشودة دون أن يشعر وهنا تكمن عبقرية الكتابة للأطفال وكانت والدتي تحدثني كيف أن مصطفي كمال اتاتورك أثناء تنفيذه لمشروع تحديث تركيا استعان بالأطفال حين فشل الكبار في حل بعض المشكلات وكان من رأيه أن الأطفال لا توجد لديهم المجاملات والمحاذير والمصالح المتبادلة‏..‏ تلك المعوقات التي تكبل الكبار عند تصديهم لحل المشكلات ولدي يقين أن لكل إنسان حدوتة أو موقفا يكشف عن اعماق الحقيقة ويرفع الحجب عن بعض الأمور فيفطن الإنسان لمغزاها أما الحدوتة التي أحبها فتتلخص في قصة رجل فقير كان يرعي أرضه ويحرثها لكنه تعرض فجأة لحادث طارق تطلب الاستعانة بناظر الوقف فوجده لدي الحاكم فذهب إليه فوجد الحاكم لدي السلطان فذهب للسلطان فوجده يناجي ربه بالدعاء بكلمة واحدة‏(‏ يارب‏)‏ فقال من ألتجئت إليهم يقولون يارب حتي السلطان وتذكر مانساه‏'‏ إذا سألت فسأل الله‏'‏ فالإنسان يقوم بواجبة ويترك الباقي علي الله هذا ما أعلمه للأولاد في شتي الصور‏.‏
‏'‏ الكتكوت الفصيح من البيضة يصيح‏'‏ ما مدي صحة هذه العبارة الدامغة من خلال خبرتك؟
هي صحيحة بالفعل فصاحب الموهبة لابد أن تتكشف مواهبه في أول أو ثاني محاولة ولابد أن يكتشف الخبراء ذلك في جميع المجالات‏,‏ أما غير المتخصصين فقد يختلط عليهم الأمر وكل المهن الإبداعية تخضع لهذه القاعدة فلا يمكن أن يكون هناك مبدع وصاحب موهبة ولا يظهر شعاعها ابدا ولدي شواهد عديدة فحين ألتحقت بالإذاعة كانت تأتي سعاد حسني وشقيقتها وكانت سعاد تغني مع بابا شارو وكانت صاحبة موهبة كبيرة لم تشعر يوما بذلك وكذلك صفاء أبو السعود وشقيقتها وصفاء كانت تغني في برنامجي وهي طفلة وكذلك هاني شاكر الذي كنت اوقفه علي كرسي صغير لكي يصل للميكروفون والفنانة ليلي علوي وكانت والدتها زميلة في البرنامج الأوروبي تتركها معي وهي طفلة جميلة لم تكن مغرورة وتلك ميزة مهمة لأن الغرور إذا تملك من الإنسان الجميل ذهب جماله تماما ولا أنسي بالطبع المطرب مدحت صالح وكان اسمه محمد صالح فسمعه محمد عبد الوهاب وكان في مرحلة المراهقة وتحول الصوت فقال له‏:‏ اسمك غير موسيقي لابد أن تغيره فلا يوجد محمد إلا محمد عبد الوهاب‏!‏ ونصحني بأن اتركه بعض الوقت حتي يستقر صوته وهذا ما تم بالفعل‏.‏
فكرة البرلمان الصغير وغيرها من الأشياء التي تحاكي عالم الكبار علمت أنها لا تستهويك لماذا؟
أنا أحب أن يظل الأطفال أطفالا فعالم الطفولة السحري الخالي من المسئولية مرحلة مهمة جدا في حياة الإنسان لا تتكرر مرة أخري فهي أجمل سنوات العمر ينبغي ألا نحملها بما يفسد الطفولة نقاءها وبراءتها فأنا حين أجد أحد الأطفال يتحدث مثل الكبار ويقول أنا اعتقد ابدي استيائي وأقول له تحدث مثل الأطفال فأنت تري وتشاهد وفيما بعد سيكون لك رأي فأنا ضد ظاهرة‏'‏ الراجل المسخوط‏'‏ لكننا للأسف حملنا أطفالنا بمسئولية المجموع وركزنا اهتمامنا علي ذلك مع العلم أن أول الدفعة ليس بالضرورة أن يكون موفقا في حياته فمعظم العلماء لم يكونوا نابغين دراسيا ودائما أقول أنا أخشي من اثنين من لم يلعب وهو صغير مثل هتلر ومن لم يحب؟
علي ذكر الحب يقال أن قصة حب ربطتك بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأنك تعرضت لبعض المتاعب بسبب ذلك من قبل صلاح سالم وكنت ستفقدين وظيفتك بالإذاعة وأنك صاحبة وملهمة أغنية عبد الوهاب الرائعة‏'‏ أنا والعذاب وهواك‏'‏ ما هذه الحدوتة الجميلة؟
وتغيرت ملامح أبلة فضيلة وبعد شد وجذب واستفسارات عمن أخبرني وأفشي هذا السر الذي لا يعلمه إلا المعاصرون والمقربون وبعد طول عناء بالفعل أجابت‏:‏ كنت لا أزال في بداية مشواري الإذاعي وكان محمد عبد الوهاب يأتي إلي المبني القديم في شارع الشريفين وبصحبته عبد الحليم حافظ لكي يسجل بعض الأغاني لنفسه لان عبد الحليم كان في بداية مشواره اعتقد عبدالوهاب أنني فتاة صغيرة مرتبطة بالأطفال لكنه فوجئ بقوة شخصيتي وصراحتي وأفصح عن رغبته في الارتباط بي وطلب مقابلة والدتي لكنها رفضت ولم يفلح في إقناعها وقالت له أنها لا توافق علي خراب البيوت فهو رجل متزوج ولديه أبناء أما قصة فصلي من الإذاعة وصلاح سالم فأعفيني من الحديث عنها وأن كنت قد التجأت لمحمد أبو النار مدير مكتبه ولم يتأخر الرجل في مساعدتي وتجاوز الأزمة وكان لابد أن ابتعد عن محمد عبد الوهاب وطلب أن يكون ذلك تدريجيا وسافرت إلي إيطاليا عند أختي وبعد عودتي كانت أغنية أنا والعذاب وهواك هي رد الفعل الفني تجاه القصة كما أخبرني مؤلفها عبد المنعم السباعي الذي حكي له عبد الوهاب قصتنا وبعد الأغنية تجدد الحديث عن القصة في الوسط الفني مرة أخري وفيما بعد تزوجت المهندس إبراهيم أبوسريع كبير مهندسي الصوت بالإذاعة رحمه الله وكان إنسانا غاية في الطيبة ومعاونة الناس صاحب مبادئ وكان اجتماعيا يلتف حوله الجميع وكان صديقا لعبد الوهاب بحكم عمله ويعلم بالقصة كاملة لكنني لم أفصح ابدا عن هذه‏(‏ الحدوتة‏)‏ ولكني أتحدث عن فن عبد الوهاب وكانت تربطني صلة بعبد الحليم حافظ وأم كلثوم أيضا واحب أغانيهم علي التوالي‏'‏ مريت علي بيت الحبايب‏'‏ لعبد الوهاب وصافيني مرة لعبد الحليم وأهل الهوي لأم كلثوم‏.‏
من هم ضيوف برنامجك حديث الأطفال ؟
شخصيات عديدة بارزة مثل نجيب محفوظ وعبد الحليم حافظ الذي تحدث عن معاناته ويتمه فلم يجد إلا خاله ففقد الحنان ومن المؤكد أن معاناته هي التي صنعت منه فنانا كبيرا واستضفت أنيس منصور وهو صديق فاروق الباز الذي فوجئ بذكاء الطفل المصري حين سأله أحدهم كيف يفكر وهو في أمريكا بالعربي أم بالإنجليزي؟ واكتشف أنه يكتب الأرقام باللغة العربية في البداية ثم يترجمها لأنه تعلمها في جدول الضرب هكذا لكنه يفكر بالإنجليزية واستضفت كامل الشناوي وسيد مكاوي وشرفتنا السيدة الفاضلة سوزان مبارك بزيارتنا في الاستوديو أما عبد الحليم فكان في نفس عمري وكان محمد عبد الوهاب يراهن عليه فنيا ويتبناه برعايته ولم يفعل ذلك مع أبن شقيقه سعد عبد الوهاب لأنه كان يعتقد أنه أكثر منه موهبة وفي أحد الأيام طلب مني عبد الحليم أن اتوسط له لدي عبد الوهاب لكي يمنحه جنيها فقلت له‏:‏ أنا أعطيك الجنيه لماذا عبد الوهاب؟ فقال بخبثه الطفولي‏:‏ أنا أريده منه شخصيا لأنه كان يعلم أن عبد الوهاب لن يرد كلمتي ومنحني عبد الوهاب الجنيه وقال سوف استرده من عبد الحليم بعد مرور بضع سنوات مائة جنيه وبالفعل رد عبد الحليم المائة جنيه ومن الطريف أنه كان يود ردها مائتين فقلت له‏:‏ هذا لا يصح وكان يعتبرني بمثابة أخته وعبد الوهاب أيضا كان إنسانا رائعا يتحدث ببساطة وتواضع عن الصلة التي ربطته بأمير الشعراء أحمد شوقي وكيف كان يتبناه ويعامله مثل ابنه وأنه علمه كيف يتحدث وينمي مواهبه الاجتماعية والفنية‏.‏
ما أطرف حادثة تعرضت لها؟
حوادث عديدة معظمها ظهر من تلقائيتي والطفولة التي تسكنني فأثناء سفري بالديزل للإسكندرية في إحدي المرات حدثت نفسي أنني اشبه علي هذا‏(‏ القفا‏)‏ الجالس أمامي وكان لامراة فتقدمت برأسي لاستطلع من تكون وفوجئت بأنها أم كلثوم فقالت لي ماذا تفعلين هنا يابتاعة العيال؟ وهكذا كانت تداعبني فقلت لها‏:‏ إنني كنت اشبه علي هذا القفا واستنكرت العبارة وقالت‏:‏ أنا قفا ثم ضحكت‏.‏
ما الذي يفتقده الكبار في وقتنا الراهن؟
الكلمة الحلوة والطبطبة لها مفعول السحر فالزمن قاس والكل يلهث والآلية تتحكم في معظم أمور حياتنا لذلك يتعطش الجانب الإنساني فينا لكل لمسة حانية وقد اعتدت أن أقيم الناس جميعا إنسانيا هذا هو المحك بالنسبة لي‏.‏
هل تتوقعين خيرا من أطفال هذا الزمان وأنهم سيجودون علينا ببعض المواهب الفذة التي عاصرتها؟
من المؤكد فالظروف كلها مواتية وستكون في صفهم‏.‏
نتيجة للرفاهية وعالم الإنترنت ومواكبتهم للعصر وتوافر سبل المعرفة بين أيديهم؟
لا ولكن‏(‏ الغلب‏)‏ هو الذي سيصهر مواهبهم كما حدث مع معظم العظماء مثل عبدالحليم حافظ وعبدالناصر‏,‏ فمنطقة الفقر والمعاناة هي التي تجعل الإنسان متجاوزا لذاته‏,‏ إضافة إلي أن مصر ولادة هذا عهدنا بها دائما‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.