حروب المالكي.. خطايا مقتدى! محمد خرّوب يدفع مقتدى الصدر، تياره وجيش المهدي، الآن ثمن قصر النظر السياسي والقراءة الخاطئة للمشهد العراقي، وخصوصاً بعد نجاح جناح نوري المالكي في حزب الدعوة بالوصول الى رئاسة الحكومة واقصاء ابراهيم الجعفري (زعيم الجناح الآخر ورئيس الوزراء السابق)، عن هذا المنصب، وبالتالي دفعه الى الانشقاق (الذي لم يتم بعد)، أو الانكماش والجلوس في مقاعد المتثائبين داخل الحزب الذي اختزله المالكي في شخصه والمجموعة المقربة منه.. حرب جديدة بدأها الجنرال رئيس الوزراء نوري المالكي، ولكن في مدينة البصرة هذه المرة، اطلق عليها الاسم الكودي صولة الفرسان بعد أن اقنع نفسه، بأنه نجح في حربه على احياء بغداد، وخصوصاً الاحياء السنيّة منها واقامة الجدران العازلة حولها (حي الاعظمية نموذجاً)، في اطار الحملة التي قادها الجنرال بترايوس والمسماة حملة فرض القانون والنظام ، تلك الحملة التي يزعم بوش وأركان ادارته، انها كانت ناجحة وانها جاءت نتيجة الاستراتيجية الجديدة التي اتبعها منذ شباط 2007 والقائمة على زيادة عديد القوات الاميركية في بغداد.. صولة الفرسان في البصرة التي يقودها نوري المالكي شخصياً، تأتي في سياق حملة التأديب التي باشرها رئيس الوزراء العراقي ضد كل معارضيه والتي تأخذ هذه المرة بُعداً آخر واكثر خطورة من تلك الحروب التي شنها المالكي في بغداد وتل عفر ونينوى، وخصوصاً محافظة الانبار (وقريباً الموصل).. المواجهة المسلحة مع التيار الصدري لن تكون نزهة للمالكي هذه المرة لأكثر من سبب، ليس أقله أن الجيش الاميركي ليس موجوداً في عاصمة الجنوب العراقي، رغم الاستعداد - اللافت والمثير للريبة والتساؤل - الذي ابدته قيادة الجيش الأميركي في العراق، باحتلال البصرة اذا ما وافق المالكي. استهداف التيار الصدري وتوجيه انذار بتسليم اسلحة جيش المهدي خلال 72 ساعة (بدأت يوم امس) يعني، أن القرار قد إتُخِذ وليس مستبعدا ان نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني قد اعطى الضوء الاخضر لهذه المعركة خلال زيارته الاخيرة لبغداد، وترجمة عملية لتصريح التحدي الذي ادلى به في المؤتمر الصحفي الذي عقده سنبقى في العراق لإكمال المهمة.. حتى لو تعب الاخرون . هل ينجح المالكي؟. ثمة ما يمكن رصده والتوقف عنده في هذه المعركة التي افتعلها نوري المالكي بعد مغادرة ديك تشيني مباشرة لبغداد، وبعد ان بدأت الادارة الاميركية في تسريب انباء عن امكانية التراجع عن النية السابقة بسحب خمسة الوية (20 الف جندي) من الجيش الاميركي قبل نهاية العام الحالي.. اولى هذه الاشارات هو مشاركة قوات بدر الذراع العسكرية للمجلس الاسلامي الاعلى في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم في هذه المواجهات الى جانب الجيش العراقي، أو على حسابها الخاص بهدف تحجيم او شطب او هزيمة التيار الصدري المنافس الحقيقي للمجلس الاعلى ولشخص رأسه، عبد الحكيم على الزعامة والمكانة داخل الطائفة الشيعية وهو صراع معروف ومكشوف تاريخيا واتخذ منحى آخر بعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان 2003. قلنا الطائفة الشيعية؟. نعم، فالصراع المثلث هنا (حزب الدعوة بزعامة المالكي والمجلس الاسلامي الاعلى عبد العزيز الحكيم والتيار الصدري) لا تشارك فيه أي تشكيلات طائفية او حزبية او عسكرية اخرى، وهي في قراءة اخرى يمكن ان تأخذ طابع حرب أهلية شيعية يصعب التكهن بأن أحداً سيخرج منها منتصرا وخصوصا نوري المالكي الذي ظن ان قراره بتحريك (30) الف جندي من الجيش العراقي سيمنحه افضلية وهامشا واسعا في الحركة والمناورة، لن يكون امام جيش المهدي غير رفع الراية البيضاء وتسليم سلاحه والاستسلام. حظ المالكي لن يكون افضل من حظوظ سابقيه، وخصوصاً تجربة الجيش الاميركي المرة والقاسية عندما شن حرباً على جيش المهدي وحاصر مدينة النجف وضرب الاضرحة واماكن العبادة في العام 2004، وكان لمّا يزل مزهواً باطاحة النظام السابق.. ما يحدث الان - وهنا الاشارة الثالثة - ليس اكثر من نتيجة لقرارات مقتدى الصدر الخاطئة، وعلى رأسها تجميد جيش المهدي لمدة ستة اشهر، ثم تجديدها ثلاث مرات، وكانت تُقابل بالترحيب والاشادة من قبل الادارة الاميركية وقيادة قوات التحالف (كما يحلو لمسؤولي المنطقة الخضراء ان يصفوها).. مقتدى الصدر المتردد دائماً، بات مكشوفاً وعارياً وقد يكون فقد السيطرة (او في طريقه الى ذلك)، على قيادات جيش المهدي، التي تخوض قتالاً ضد الحرب التي أعلنها نوري المالكي، ولا يبدو أن الامور سائرة الى تهدئة أو تسوية، وسيكون الخاسر الاكبر مقتدى وتياره، اذا ما ابدى تردداً او مال الى عقد صفقة اخرى مع المالكي، حيث يعلم الجميع أن الاخير لم يكن ليبقى في موقعه، لو أن نواب التيار الصدري (عددهم 30) اصطفوا الى جانب الداعين لحجب الثقة عن حكومته، لكن مقتدى أمر اتباعه بعدم التصويت بل فرض عليهم العودة عن مقاطعتهم لجلسات مجلس النواب رغم انسحاب وزرائه من حكومة المالكي.. رفع المصاحف واغصان الزيتون في وجه الجيش العراقي، التي دعا اليها مقتدى الصدر انصاره، قابلها المالكي بتوجيه انذار بتسليم الاسلحة، والاعتصامات لن تثني المالكي عن قراره بسحق التيار الصدري، اما العصيان المدني فلا يبدو انه مرشح للنجاح الاّ في مدينة الصدر، والتي لا تأثير جدياً لها في تغيير الوقائع البغدادية ، وخصوصاً اذا ما عاود الجيش الاميركي غاراته عليها واقتحمها بهدف السيطرة عليها او كسر شوكة عناصر جيش المهدي.. غموض الخطوة الثالثة؟.. الناطق باسم الصدر، حازم الاعرجي، هدد باللجوء الى الخيار الثالث - الذي يلي العصيان المدني - دون ان يفصح عن ماهية هذا الخيار الذي يرجح كثيرون ان يكون اعلان الحرب على المالكي وحكومته.. مثل هذا الاحتمال وارد، وربما يكون هو الخيار الوحيد، ما يعني ان معادلات وتحالفات واصطفافات جديدة - وربما انقلابية وغير مسبوقة - ستأخذ طريقها الى جدول الاعمال العراقي الجديد، الذي أراد الجنرال نوري المالكي فرضه على العراقيين، ويبدو انه سيدفع ثمن مغامرته من مستقبله السياسي والشخصي.. قريباً. عن صحيفة الرأي الاردنية 27/3/2008